نشرت مجلة "فورين بوليسي" المقابلة التي أجراها مدير مركز المبادرات الجديدة، والباحث المعروف في مركز ودرو ويلسون للعلماء أرون ديفيد ميللر، مع المستشار البارز للرئيس الأمريكي باراك أوباما في شؤون الشرق الأوسط روبرت مالي، وتحدث فيها عن سياسة أوباما في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها عملية موازنة.
ويقول ميللر في بداية المقابلة إن المسؤولين عن السياسة الأمريكية يواجهون تحديا لشرح سياسات الحكومة والدفاع عنها، ويجد أن الترويج للسياسات يجب أن يكون صادقا من الناحية الفكرية، ومحترما، ولا يبتعد كثيرا عن النقاط الرئيسة، مشيرا إلى أن هذه عملية لا تنجح في تحقيق الموازنة.
ويشير الكاتب إلى عمله عام 1989 مع وزير الخارجية جيمس بيكر، حيث قام ميللر بإلقاء خطاب لمجموعة من اليهود في ديترويت، ويقول: "كنت أحاول إقناع جمهور معاد وليست لديه ثقة بأن الرئيس جورج هيربرت بوش ووزير خارجيته جيمس بيكر يقومان بتطبيق سياسات مؤيدة بشكل كبير لإسرائيل"، وفي نهاية المحاضرة سأله رجل عجوز بعد شكره على المحاضرة، قائلا: "إذا كانت الأمور جيدة بهذه الصورة فلماذا تشعر بعدم الارتياح؟".
ويقول ميللر إن "الدفاع عن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليس مهمة سهلة هذه الأيام، حيث لم يتبق للرئيس سوى ستة أشهر في البيت الأبيض، ويواجه أوباما احتمال ترك الشرق الأوسط في وضع أسوأ مما كان عليه، عندما تولى مكتب الرئاسة".
ويلفت الكاتب إلى أن "المراقب النزيه يعترف بعيدا عن تردد إدارة أوباما بأن الفوضى في الشرق الأوسط ليست نتيجة سياسة هذا الرئيس، لكنها نتاج لما تمر به منطقة محطمة وغاضبة وعاجزة في مرحلة من الاضطرابات، وتتسم هذه الدول بأنها فاشلة، أو في طريقها إلى الفشل، وبوجود قادة مؤسسات غير قادرين على توفير الإصلاحات الضرورية لإصلاحها؛ وهي الحكم الشامل الرشيد، والمحاسبة، والشفافية، واحترام حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين".
ويجد ميللر أنه "بالنسبة لنقاد إدارة أوباما فإن ما يرونه ليس سوى غياب القيادة، والتخلي عن المسؤولية، وسياسة خارجية تحاول استرضاء الأعداء، فمن الاتفاق النووي مع إيران، إلى العلاقات مع إسرائيل والسعودية، إلى تحديات
تنظيم الدولة، إلى سياسة أوباما التي تحاول تجنب المخاطر في
سوريا، ما جعل الكثير من الناس في الولايات المتحدة والمنطقة غير راضين".
وجاءت مقدمة ميللر لمقابلته مع مالي، التي جرت على ما يبدو الشهر الماضي طويلة، فهو يعمل مستشارا خاصا للرئيس في مجلس الأمن القومي، والمستشار البارز للرئيس حول كيفية مواجهة تنظيم الدولة، ومنسق علاقات البيت الأبيض مع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي، فبعد عمله مع إدارة كلينتون في القضايا العربية الإسرائيلية، عاد في نهاية التسعينيات من القرن الماضي للعمل بوظيفة تغطي المنطقة كلها، خاصة تنظيم الدولة وسوريا والخليج.
وينوه الكاتب إلى علاقة العمل والصداقة التي تربطه بمالي، وخلافاتهما، خاصة في مجال إيران، حيث يعتقد خلافا له أن إيران حصلت على صفقة جيدة، وفي هذه الأيام يتفق الاثنان على أمرين: في الماضي كان الشرق الأوسط صفقة جيدة غير معقدة، وأن أمريكا متورطة فيه، وغير قادرة على إصلاحه أو تركه، وفي سلسلة من المقابلات الشخصية، وعبر الهاتف، سأل الكاتب مالي عددا من الأسئلة وحثه للرد على نقاد الرئيس، خاصة فيما يتعلق بسوريا وتنظيم الدولة.
ويرى ميللر أن ردود مالي وتعليقاته تمثل نافذة لفهم تفكير الرئيس حول المنطقة قبل مغادرته البيت الأبيض، وأكد مالي أن ما فعلته الإدارة، وما كان يمكنها أن تعمله، قامت به بطريقة جيدة، لكن الأمر في النهاية يرجع لحكم التاريخ والمراقبين لتقييم سياسات الإدارة، لكنه أشار إلى أمر مهم، وهو أن الأولوية الأولى للرئيس هي حماية أمريكا وأمنها وأمن مواطنيها، وعندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط فإن هذا يعني منع انتشار سلاح الدمار بين الدول والقوى غير الدولية، ومواجهة الجماعات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة، وتجنب الأفعال التي تعرض الأمريكيين للخطر، وعليه يجب الحكم على أداء الإدارة ضمن هذا المعيار.
ويذكر مالي في المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21"، أنه عندما تولى أوباما السلطة كانت القوات الأمريكية في العراق وإيران تواصل تطوير برنامجها النووي، وبناء على الخيارات التي اتخذها الرئيس، التي عكست المصالح القومية الأمريكية، فإن المنطقة مسيطر عليها، مشيرا إلى نقطة أخرى، وهي أن الولايات المتحدة لا يمكنها تقرير مصير المنطقة، رغم مسؤولياتها في المنطقة، والدور المركزي الذي تؤديه فيها.
ويستدرك مالي بأنه رغم محاولة القوى الخارجية لتشكيل الشرق الأوسط، والتأثير فيه، إلا أن السياسة المحلية لديها الخيار الأخير في تحديد مصيره، ومن هنا يرى أن "الولايات المتحدة، كما يشير التاريخ، يمكنها تحقيق أهداف واضحة، مثل دفع العملية السلمية في المنطقة، وإخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991، والتوصل إلى اتفاق مع إيران يمنعها من الحصول على السلاح النووي، إلا أن التاريخ يعلمنا أيضا دروسا مهمة، حول حدود القوة عندما يتعلق الأمر بتحديد مسار دول الشرق الأوسط ومجتمعاته ومصيرها".
وتنقل المجلة عن مالي قوله إن "أهم دافع للثورات العربية هو الطموح الشعبي لحكم الذات، والكرامة، والأصالة، وعليه، فإنه من الصعوبة بمكان توقع كيف يمكن للتدخل الأجنبي أن يؤثر في هذا الأمر، وأي تدخل عسكري يجب أن يكون متجذرا في واقع المنطقة، وإلا فإنه سيترك تداعيات سلبية، وهناك سوابق عدة عن محاولات فاشلة من التدخل الغربي في المنطقة".
حماية المصالح الأمريكية
وردا على سؤال حول الكيفية التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها حماية مصالحها في المنطقة، فإن مالي يرى أنه "يجب النظر بشكل موسع لواقع المنطقة، التي تعيش نزاعات بين شعوب غاضبة على الحكام، وجماعات إثنية وطائفية، وحروبا إقليمية بين قوى ترغب بالتأثير في المنطقة، كما في النزاع الإيراني السعودي، وأدت هذه النزاعات إلى فوضى ومناطق خارجة عن السيطرة، واستقطاب طائفي، وحروب بالوكالة، وزاد من وقودها ظهور الجماعات الإرهابية، مثل تنظيم الدولة، كما أن النزاعات الطائفية والإثنية قادت بعض الدول إلى تجاهل القضية الأولى، وهي هزيمة الإرهاب من أجل تحقيق أجندات أخرى، ومن هنا فإن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحديد الأهداف الصحيحة، دون أن تقود الأمريكيين إلى حرب ذات آثار غير واضحة، وتؤدي إلى ترددات سلبية بين اللاعبين المحليين بشكل يزيد الأمر سوءا".
ويفيد مالي بأن الولايات المتحدة تحتاج في محاولاتها منع انتشار السلاح النووي، ومكافحة الإرهاب، ومعالجة النزاعات والاستقطاب الطائفي، وغياب الحكم الصالح، إلى القيام بعملية موازنة، ويشير إلى الاتفاق النووي مع إيران، والأسلحة الكيماوية السورية، حيث تم تحقيق هذين الأمرين عبر دبلوماسية متعددة الوجوه، مستدركا بأنه رغم وعي الإدارة بأهمية استخدام القوة، إلا أنها لم تورط الولايات المتحدة في مغامرات عسكرية.
ويعترف مالي في رده عن سؤال يتعلق بالتوتر الذي خلقه الاتفاق النووي مع حلفاء أمريكا التقليديين: إسرائيل، والسعودية، وبقية دول الخليج، بأنه يجب التعامل مع المخاوف السعودية أو الإسرائيلية بعدم الاكتراث بها، مستدركا بأنه "يجب النظر للسيناريو البديل، وهو وجود إيران نووية، فمن الصعب رؤية خليج آمن وإسرائيل آمنة في ظل هذه الظروف".
ويضيف مالي تحديا آخر، وهو "العثور على طرق لمعالجة المصادر التي تخلق التهديدات التي نواجهها، وهذا يعني التصدي للمناخ الذي تنتعش فيه الجماعات الإرهابية؛ حروب سوريا واليمن وليبيا، والمناطق الخارجة عن السيطرة، والعسكرة، والطائفية، وحروب الوكالة السعودية/ الإيرانية، وقضايا الحكم، وغياب المحاسبة، وانتهاكات حقوق الإنسان، وفي هذا كله هناك مدى معين تستطيع أمريكا القيام به، ولهذا السبب استثمرت في تحقيق السلام في سوريا واليمن وليبيا، ولهذا السبب أيضا تحاول خلق ظروف تستأنف فيها المحادثات بين العرب والإسرائيليين والفلسطينيين، وتخفيف التوتر بين إيران وجيرانها العرب".
تجنب المخاطر
ويعلق ميللر قائلا بأن هذا كله صحيح، لكن النقد الدائم للإدارة هو تجنبها المخاطر، رغم أن الحل لمشكلات المنطقة هو استخدام القوة، ويرد مالي قائلا إن النقاش حول استخدام القوة أحاطت به أسطورة وراء أسطورة، وإن إدارة أوباما كانت مترددة، إن لم تكن خجلة، باللجوء للقوة، مع أنها لم تتردد في استخدامها في أي مكان تعرضت فيه مصالح أمريكا للخطر، مشيرا إلى أن القوة الأمريكية تقاس بكثافة الفعل العسكري، الذي يجب أن يترجم إلى عملية سياسية.
ويرفض مالي ما يراه البعض من أن الوجود العسكري الأمريكي يترك أثرا في القرار المحلي؛ لأنه قد ينجح في مكان ويفشل في مكان آخر، ويقول إن الدافع الرئيسي وراء قرار الرئيس سحب القوات من العراق، هو أن الوجود العسكري هناك كان مكلفا من ناحية المال والبشر، ولم يحقق الأهداف السياسية المرغوبة، وحرف انتباه الولايات المتحدة عن أولويات إقليمية ودولية، وأدى إلى علاقة متوترة مع القادة العراقيين، ليست مفيدة للمصالح الأمريكية الحيوية.
سوريا
ويتطرق ميللر للحالة السورية، مشيرا إلى أنه تم توجيه النقد الحاد للرئيس، الذي كان عليه التدخل عسكريا، فيما اتهم أعداء أوباما إدارته بأنها تثق بطريقة عمياء بالروس، ويرد مالي قائلا إنه "لا أحد لديه معرفة بالطريقة التي تطورت فيها هذه المأساة، ولن يرضى أحد عن أي جهد، فالحقيقة هي أننا لم نكن متأكدين إن كان العمل العسكري في سوريا سيؤدي إلى نتائج جيدة أو سيئة، أو عما إذا كان ذلك يساعد الحرب ضد الإرهاب أو يعيقها".
ويكشف مالي عن أن أهداف الإدارة الرئيسة كانت في هذه المرحلة هي تخفيف مستوى العنف بين النظام والمعارضة، وتحديدا ضد المدنيين، وهزيمة تنظيم الدولة وجبهة
النصرة، والتقدم نحو عملية انتقال سياسي من نظام
الأسد، لافتا إلى أن "هذه الأهداف متداخلة، فطالما استمر عنف النظام والمعارضة، وطالما ظل النظام يقوم بعمليات قصف عشوائي للمدنيين، فإنه من الصعب تعبئة القدرات المحلية، أو التركيز على قتال تنظيم الدولة، ودون وجود عملية سياسية تحظى بمصداقية، فإنه من الصعب تخفيف مستوى العنف، أو مواجهة جاذبية الجماعات الجهادية، ومن هنا فإن جهودنا الدبلوماسية مع الروس تركزت على تحقيق هذه الأهداف".
وعندما سأله ميللر عما إذا كان الأمريكيون يعولون على الروس، أجاب مالي: "لا، نحن لا نعول عليهم، بل نحن نمتحنهم عبر دبلوماسية شديدة، وفيما إن استطعنا التقدم نحو تسوية تنهي العنف ضد الشعب السوري، وتحقيق الانتقال الذي يحفظ المؤسسات، ويمنع الفوضى، ويؤدي إلى هزيمة الجماعات الإرهابية"، وأضاف: "كما تعرف، فقد توصلت الإدارة إلى تفاهم مع الروس في شباط/ فبراير؛ من أجل وقف الأعمال العدائية، ما أدى إلى فترة لوقف العنف في مناطق عدة من البلاد، وقاد إلى زيادة توزيع مواد الإغاثة الإنسانية على السوريين المحتاجين".
ويستدرك مالي بأن الأمور عادت إلى ما كانت عليه بعد انهيار الاتفاق، خاصة في حلب واللاذقية، والسبب، كما يقول، هو استمرار النظام في السيطرة على مناطق، وضرب المدنيين بالبراميل المتفجرة، فيما استمرت جبهة النصرة في محاولات تقويض الاتفاق.
ويقول مالي إن "تفاهما مع الروس يتم النقاش حوله، ويقوم على إعادة اتفاق وقف الأعمال العدائية، لكن على قاعدة أكثر تشددا، وبقيود واضحة حول استخدام القوة الجوية، بالإضافة إلى زيادة الجهود لضرب تنظيم الدولة وجبهة النصرة، وتشكيل صيغة سياسية للحل، تقوم على أفكار نتوقع سماعها من مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا"، منوها إلى أن الروس عبروا عن عدم معارضتهم لعملية الانتقال السياسي في سوريا، لكنهم يريدون تجنب وضع تنهار فيه مؤسسات الدولة، أو تمزق فيه مؤسسات الدولة بشكل يسمح للجهاديين بالسيطرة عليها، حيث أكدوا أهمية احترام وقف الأعمال العدائية، دون السماح لجبهة النصرة بالاستفادة منه.
ويورد مالي أن الولايات المتحدة توافق على الرأي الروسي، مشيرا إلى أن ما تقوم بعمله هو في مصلحتها من ناحية نهاية الغارات الجوية ضد المدنيين والمعارضة، وزيادة الهجمات ضد تنظيم الدولة والنصرة، ورغم وجود شكوك حول النوايا الروسية، إلا أنه قال: "لو لم يعن الروس ما يقولون أو لم يقوموا بحث النظام إلى ما يجب عليه عمله، فإننا لم نضح بأي شيء، فالدعم للمعارضة سيتواصل، ولن ينتصر النظام".
ويرى ميللر أن هذه نتيجة ليست في مصلحة الشعب السوري؛ لأن الحرب ستظل مستعرة، كما أنها ليست في مصلحة الروس، الذين سيتورطون في حرب طويلة، فكلما طال أمد الحرب زادت
روسيا من استثمارها فيها، بشكل يصعب عليها الخروج منها.
ويعلق مالي حول تقديم الأسلحة النوعية والكمية للمعارضة السورية، قائلا إن "التاريخ يقدم لنا دروسا تدعونا للتفكير، صحيح أن سوريا ستكون في حال أفضل دون الأسد، لكنها لن تكون أفضل حالا لو قامت جماعات راديكالية بتوسيع سلطتها".