على مدى ثلاثة عقود، تمكنت دائرة الأوقاف الإسلامية في
القدس من ترميم الأضرار الكبيرة التي نتجت عن إحراق الواجهة الأمامية للمصلى القبلي في
المسجد الأقصى قبل 47 عاما.
وأكد مسؤولون في الدائرة أن الحرائق السياسية ما زالت تتهدد المسجد، في ظل اقتحامات المستوطنين المتكررة، وإقامة البؤر الاستيطانية في محيطه، وغيرها، الأمر الذي أشعل مؤخرا مواجهات مع القوات الإسرائيلية "نصرة له ودفاعا عنه".
ففي صبيحة 21 آب/ أغسطس 1969 صدحت مآذن الأقصى منادية السكان للمساعدة في إطفاء الحريق الذي شب في الواجهة الأمامية للمصلى القبلي.
وقال مدير الأملاك الوقفية في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس ناجح بكيرات: "قام أحد المتطرفين اليهود من أصل أسترالي ويدعى مايكل دينيس روهن بنشر مواد حارقة في منطقة المنبر والواجهة الغربية للمصلى القبلي وأضرم فيها النيران".
وأضاف بكيرات: "تداعى السكان رجالا ونساء وأطفالا وكبارا لإطفاء الحريق، فمنهم من استخدام أواني المياه ومنهم من حاول إخماد الحريق بيديه، فيما لم تسمح السلطات الإسرائيلية لفرق الإطفاء بالدخول إلى ساحات المسجد إلا بعد مرور ساعة من بدء الحريق".
وتابع: "أتى الحريق على ربع المصلى القبلي تقريبا، وتسبب بخسائر لا تحصى لعل أبرزها إحراق منبر صلاح الدين بالكامل، ولولا لطف الله لأتى الحريق على كل المصلى".
آنذاك أطلقت الحكومة الأردنية، راعية المقدسات في القدس، عملية ترميم واسعة في المصلى القبلي من أجل ترميم الدمار الذي نتج عن هذا الحريق.
وفي هذا الصدد، قال مدير دائرة الأوقاف الإسلامية الشيخ عزام الخطيب، إن عملية الترميم استمرت 30 عاما.
وأوضح أنه "تم ترميم المناطق التي أتى عليها الحريق بما يشمل الزخارف والسقفيات والأعمدة إضافة إلى منبر صلاح الدين الذي تم إعادته إلى المسجد في العام 2007".
ومنبر صلاح الدين هو تحفة فنية صنع في دمشق بأمر من نور الدين زنكي وتم تثبيته في المسجد بعد تحرير المدينة على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1187.
ويقول بكيرات: "استهداف المنبر كان مقصودًا، فهو يشير إلى تحرير المسجد الأقصى بعد أن بقيت القدس 88 عاما تحت
الاحتلال الصليبي، وبالتالي فإن الحريق أراد استهداف رمز التحرير".
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني تبرع بكافة تكاليف بناء منبر مطابق للمنبر الأصلي بكافة مواصفاته وتفاصيله، وهو ما تم في جامعة البلقاء التطبيقية في المملكة، واستمر خمس سنوات لينتهي العمل في 2007.
وقالت الحكومة الأردنية آنذاك إن "الحرفيين والمهندسين المشرفين على هذا العمل قاموا بتجميع 16 ألفا و500 قطعة بعضها لا يتعدى طوله المليمترات القليلة في بناء فني طوله 6 أمتار بدون استخدام مواد تثبيت من صمغ أو مسامير أو براغي أو غراء، بل باستخدام طريقة التعشيق لإنتاج ما يمكن تسميته بفن المنبر الذي تمثل في فنون الزخرفة الهندسية والزخرفة النباتية والخط العربي والمقرنصات والخراطة والتطعيم بالعاج والأبنوس والتعشيق وهي الأنماط الستة الرئيسية المكونة للفن الإسلامي".
وأشار الخطيب إلى أن "كل أعمال الترميم التي جرت في المسجد الأقصى كانت ولا زالت بالكامل على نفقة الحكومة الأردنية وتبرعات ملكية أردنية".
وذكر بكيرات أنه "على ضوء الحريق فقد تم تشكيل لجنة لإعمار المسجد الأقصى برئاسة رائف نجم التي قامت بأعمال جليلة ومهمة جدًا لترميم المسجد الذي استغرق 30 عامًا".
وتكتفي وزارة خارجية الاحتلال في موقعها الإلكتروني بوصف "روهن" الذي حرق المسجد بأنه "غريب الأطوار" وقالت في إشارة إلى منبر صلاح الدين: "المنبر الذي انتصب طوال قرون في المسجد الأقصى تعرض للحرق ولأضرار جسيمة جراء الحريق الذي أضرمه السائح الأسترالي غريب الأطوار مايكل روهن سنة 1969".
ولكن على الرغم من ترميم الأضرار التي نجمت عن عملية الحريق، فإن الخطيب وبكيرات يشيران إلى أن الأخطار التي تتهدد المسجد لم تتوقف.
ولفت في هذا الصدد إلى تسهيل الشرطة الإسرائيلية اقتحامات المستوطنين لساحات الأقصى منذ عام 2003 رغم الاحتجاجات المستمرة لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس التي حذرت مرارا من تدخل الشرطة الإسرائيلية في إدارتها للمسجد الأقصى.
كما نوه إلى تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين خلال السنوات الماضية عن السماح لليهود بالصلاة في المسجد الأقصى فضلا عن إعلان جماعات إسرائيلية التحضير لإقامة الهيكل على أنقاض المسجد.
وقال الخطيب: "ما دام أن هناك تطرفا يتم التعبير عنه بالاقتحامات وأناس يدعون بأن الهيكل كان مكان الأقصى ويهددون بهدمه لإقامة الهيكل فإنه ينبغي الحذر من الأخطار التي تتهدد المسجد".
وأكد أن "الأقصى في خطر طالما أن الاحتلال الإسرائيلي في القدس قائم".
ورأى بكيرات أن الحريق الذي بدأ عام 1969 لم ينته قائلا: "ما يجري هو مخطط يهدف إلى تغيير الرؤية البصرية للمدينة فلا يريدون أن يكون المسجد الأقصى في واجهة المدينة وإنما الهيكل، وبالتالي فإنهم يدعون إلى تغيير المشهد الديني والجغرافي والتاريخي لمدينة القدس".
واختتم: "الأقصى يمر الآن بأخطر المراحل، إذ يحاول الاحتلال الإسرائيلي تغيير الوضع القائم فيه بشكل كبير، وهذا ما يتضح من خلال محاولات التدخل في شؤون دائرة الأوقاف الإسلامية وملاحقة موظفيها، واعتقال حراس المسجد، فضلا عن اقتحامات المستوطنين والتصريحات الاستفزازية للمسؤولين الإسرائيليين ضد المسجد ويضاف إلى ذلك الحفريات وإقامة البؤر الاستيطانية في محيطه".