هذه فتنة جديدة تضاف إلى سجل زمن السقوط الذي ما عدنا نعرف له قاعا أو شطآنا. إذ إلى جانب فتن السياسة وسحاباتها الداكنة، فإن فتن أهل الدين باتت تطل علينا كل حين. من تسميم لعلاقة المسلمين بغير المسلمين، إلى صراعات الإسلاميين والعلمانيين وخصومات واحتراب السنة والشيعة، وأخيرا ضربت رياح الفتنة أهل السنة أنفسهم في الأسبوع الماضي.
إذ فوجئنا بأن مؤتمرا مريبا عقد في العاصمة
الشيشانية جروزنى. بدعوى التعريف بأهل السنة والجماعة، إلا أنه خلص إلى إخراج أهل السلف من أهل السنة وأبقى على بعض أشهر الفرق الكلامية والمتصوفة تحت مظلتهم، الأمر الذي أثار عاصفة في المحيط السلفي لم تهدأ طوال الأسبوع الماضي. ضاعف من الكارثة وعمق من الجرح فيها أن شيخ
الأزهر -بجلالة قدره- كان على رأس ذلك المؤتمر.
شرارة الوقيعة بين أهم فرق أهل السنة انطلقت من المؤتمر الذي عقد في العاصمة الشيشانية في الفترة ما بين 25 و27 آب/ أغسطس الماضي، وقدم بحسبانه مؤتمرا عالميا لعلماء المسلمين، كرس دورته لبحث موضوع أهل السنة والجماعة.
لأول وهلة، لفت الانتباه في المؤتمر أمور عدة:
الأول أنه بحث الموضوع المهم للعالم الإسلامي بأسره في جمهورية صغيرة مغمورة في منطقة القوقاز، مثل شيشينيا التي لا يزيد عدد سكانها على مليون ونصف المليون نسمة، وكان أولى أن يعقد في بلد مسلم كبير مثل إندونيسيا يعيش فيه أكثر من 300 مليون نسمة، الأمر الذي يوفر منبرا أفضل لمخاطبة العالم الإسلامي.
الأمر الثاني أن سفر شيخ الأزهر تم دون علم هيئة كبار العلماء أو مجمع البحوث الإسلامية، وإنما بصفته رئيسا لمجلس حكماء المسلمين الذي شكلته وترعاه دولة الإمارات العربية.
الأمر الثالث أن الذين دعوا إلى المؤتمر كانوا بعض أهل العلم الذين تم انتقاؤهم، واستبعد منهم علماء المملكة العربية
السعودية. الأمر الذي فهم أن الحساسية المشهودة بين القطرين الشقيقين، التي ظهرت في اليمن وفي سوريا، ألقت بظلالها على تمثيل المملكة في المؤتمر.
الأمر الرابع أن روسيا الراهنة لها معركة طويلة ضد الاتجاهات الإسلامية، وأن الاتجاهات
السلفية منتشرة بين مسلميها رد فعل على الغلو في محاربة التدين.
وهم هناك لا يعرفون سوى الوهابيين الذين لا يفرقون بينهم وبين الإخوان. والترحيب الرسمي يقصر الاحتفاء بالمتصوفة غير المشغولين بالسياسة أو بغيرها من أمور الدنيا.
الأزمة حدثت بسبب ما ورد في التوصيات في تعريف أهل السنة والجماعة. على أنهم: الأشاعرة والماتردية في الاعتقاد (هما من المدارس الكلامية ويمثلان الأغلبية بين المسلمين السنة)، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علما وأخلاقا وتزكية).
وحددوا المؤسسات الدينية العريقة عند أهل السنة، وحصروها فيما يلي: الأزهر والقرويين والزيتونة وحضرموت ومراكز البحث فيما بينها. إضافة إلى المؤسسات الدينية والعلمية في روسيا الاتحادية.
وواضح من ذلك التفصيل أنه تم إقصاء السعودية، بسلفييها وعلمائها ومراكزها الدينية وجامعاتها.
الأمر الذي يعطي للمؤتمر حكما وتوجهات مثيرة ومحيرة. (مشيخة الأزهر أصدرت بيانا اعترض فيه الإمام الأكبر على البيان، وذكر أنه في كلمته ضم السلفيين إلى أهل السنة).
لست في وارد الدفاع عن السلفيين، ولا مجال لمناقشة أفكار الأشاعرة والماتردية، لأن أكثر ما أزعجني في الموضوع هو تأثيره على وحدة الصف المسلم. ذلك أن بيان المؤتمر كان له رد فعله العنيف في السعودية.
ومن ثم، فإنه فتح الباب أمام احتمالات تأجيج الصراع بين الدولتين الشقيقتين، ناهيك عن أنه صراع لا لزوم له من الأساس. ناهيك عن أن الجميع مهزومون فيه، لأنه يستهلك طاقاتهم ومواردهم التي يفترض العقلاء أنه ينبغي توجيهها إلى ناحية أخرى.
يبقى السؤال المهم هو: هل هي حماقة سياسية فقط، أم أنها لعبة خبيثة لها ما وراءها، كما ذكر بعض الكتاب في السعودية؟
(عن صحيفة بوابة الشرق القطرية)