في عام 1936 م نشر الدكتور طه حسين (1307– 1393 هـ، 1889– 1973 م) كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" وفيه قال: "إن السياسة شيء والدين شيء آخر، وإن وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول، ولقد التزمنا أمام أوربا أن نذهب مذهبها في الحكم، ونسير سيرتها في الإدارة، ونسلك طريقها في التشريع". ورغم أن طه حسين قد امتنع عن إعادة طبع كتابه هذا، وقال عنه في حديثه إلى الأهرام في أول مارس عام 1971 م: "ده كُتب عام 1936، وقدُم قوي، وعايز يتجدد، ويجب أن أعود إليه، وأصلح فيه وأضيف بعض حاجات"، رغم ذلك يقف المتغربون العلمانيون عند هذا الكتاب، وهذه العبارات متجاهلين تطور فكر طه حسين حول علاقة الإسلام بالسياسة والدولة والقانون والتشريع، وهذا المنهج التغريبي لو تعامل مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوقف بهم عند مرحلة عبادتهم الأصنام!. لقد كتب طه حسين - في صحيفة الوادي بتاريخ 20 أغسطس 1934 م، يقول: "إن خلاصة الدين المسيحي لا تحب السياسة، ولقد نصح الإنجيل بترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أما الإسلام فإنه لم يوص بأن يترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، وإنما جعل الأمر كله لله، وجعل سلطان قيصر مستمدا من سلطان الشعب، وسلطان الشعب مستمدا من سلطان الله، وجعل السياسة إذن أصلا من أصول الدين وركنا من أركانه". وفي مجلة الهلال - عدد ديسمبر 1940م - كتب طه حسين: "إن الدين الإسلامي كان وسيكون دائما أساس الحياة الخلقية للأمة الإسلامية، وقد كان في عصر طويل أساس الحياة السياسية والعملية لهذه الأمة أيضا، وهو الآن وسيكون دائما أساسا لهذه الحياة السياسية والعملية إلى حد بعيد". وبعد أن كان طه حسين عام 1925 يدافع عن كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي يرى أن الإسلام "دين لا دولة ورسالة لا حكم"، كتب - في صحيفة "النداء" بتاريخ 18 نوفمبر 1947 م - عن تأسيس الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم للدولة، عقب الهجرة فقال: "وعندما بلغ محمد دار هجرته، بنى المسجد فأسس في الأرض أول بيت خالص للدين الجديد، وآخي بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، وأسس هذه الدولة التي نشرت في الأرض نور الدين الجديد، لقد أنشأ هو وأصحابه دولة ما زالت آثارها خالدة، وستظل خالدة إلى آخر الدهر، لا سبيل إلى إحصائها إلا أن تكون هنالك سبيل إلى إحصاء الخلود".
وفي كتاب "مرآة الإسلام" الذي نشره طه حسين عام 1960 - والذي يعد أهم ما ختم به حياته الفكرية - راجع فيه الكثير من آرائه السابقة، فقال: "إن القرآن دين وشرع، إن مصادر التشريع هي القرآن والسنة والإجماع والاجتهاد، وإن القرآن يشرع للمسلمين ما ينفعهم في الدنيا ويعصمهم من عذاب الآخرة، يشرع لهم من أمر الزواج والطلاق والميراث والوصية والبيع والشراء وغير ذلك مما تقوم عليه حياتهم الاجتماعية والفردية، فكل ما يعرض لهم من المشكلات يجب أن يردوه إلى الله ورسوله، يلتمسون له الحل في القرآن، فإن وجدوا هذا الحل فهو حسبهم، وإن لم يجدوا فعليهم أن يلتمسوه في سنة النبي، فإن لم يجدوه في السنة رجعوا إلى الأصل الثالث من أصول الأحكام وهو إجماع أصحاب النبي، فإن لم يجد المسلمون في القرآن ولا في السنة ولا فيما أجمع عليه أصحاب النبي حلا لبعض مشكلاتهم فعليهم أن يجتهدوا رأيهم، ناصحين لله ولرسوله وللمسلمين". هكذا تطور موقف طه حسين من علاقة الإسلام بالسياسية والدولة والقانون والتشريع، والغريب والعجيب هو تجاهل هذا التطور، ليس من المتغربين العلمانيين فقط، وإنما أيضا من الإسلاميين!!، وتلك إحدى العجائب في المناخ الفكري الذي نعيش فيه!.