تصعيد لأكراد إيران ضد السلطات وحرب تهدد بمزيد من الغليان

نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا يتحدث عن التصعيد للأكراد الإيرانيين في هجومهم ومعركتهم مع النظام الإيراني، مشيرة إلى أن الحرب تهدد بمزيد من الغليان.

وأشار الموقع البريطاني الذي كتبه، فلوريان نيهوف، إلى أن تصعيد مسلحي الأقلية الكردية جاء وسط مخاوف من انضمام المزيد من المجندين إلى صفوفهم؛ بفضل المكاسب التي تحققت للكرد في كل من العراق وسوريا.
 
 وفيما يلي نص التقرير بترجمة خاصة لصحيفة "عربي21":

بالنسبة لرجل محظوظ كُتب له أن يكون على قيد الحياة، يتسم خضر باكدمان بالسكينة. يسرد قائد المغاوير المخضرم، متحدثا عبر الهاتف من مقر قيادته في بلدة كويا العراقية، بكل هدوء، تفاصيل مواجهة دموية أخرى وقعت مع القوات المسلحة الإيرانية.
 
كان باكدمان يقود في السادس من أيلول/ سبتمبر مجموعة من المقاتلين الأكراد في عملية تسلل إلى داخل بلدة سردشت غرب إيران، عندما اندلعت نيران المدافع فجأة، وتعرضت وحدته إلى وابل من الرصاص.
 
وعن ذلك تحدث إلى ميدل إيست آي قائلا: "باغتنا النظام الإيراني عندما كنا داخل البلدة نسعى للاجتماع مع ناس من جماعتنا. تمكنا من الإفلات من الكمين بعد قتال عنيف".
 
اضطر هؤلاء الأكراد، الذين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران، إلى أن يتركوا وراءهم جثتين لاثنين من رفاقهم قتلا أثناء الاشتباك، بينما سحبوا معهم وهم يلوذون بالفرار نحو منطقة آمنة داخل العراق أربعة من المقاتلين الذين أصيبوا بجراح في المعركة.
 
باتت مثل هذه الاشتباكات الفتاكة أمرا روتينيا بالنسبة لهذا القائد، الذي يعدّ إحدى الشخصيات العسكرية الرائدة في الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران منذ عام 2015، عندما بدأ الحزب بإرسال مجموعات من مقاتليه إلى داخل إيران.
 
فلقد تكررت الاشتباكات بين هذه المجموعات، التي تتسلل عبر الحدود الجبلية من جهة، والجيش الإيراني ووحدات الحرس الثوري من جهة أخرى.
 
يتخذ الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران من إقليم كردستان داخل العراق مقرا له منذ أن أجبر على الخروج من إيران في ثمانينيات القرن الماضي، وظل طوال تلك الفترة وحتى وقت قريب خامدا لا يقوم بأي نشاط.
 
يقول باكدمان إن القهر المستمر الذي يتعرض له الأكراد وانتهاك حقوقهم هو ما حفز الحزب على استئناف نشاطه، وإن الهدف الأساسي من التسلل إلى داخل إيران هو التحريض والتعبئة السياسية؛ لتوسيع قاعدة الحزب في روجهيلات، وهو الاسم الذي يطلقه الأكراد على مواطنهم في شمال غرب البلاد.
 
يقول باكدمان: "بتنا في صراع مسلح مع النظام الإيراني؛ لأننا لم يعد لدينا خيار آخر. نحن على أتم الاستعداد لإنهاء هذا الصراع من خلال الحوار والوسائل السلمية، إلا أن النظام الإيراني لا يتجاوب مع المبادرات السلمية، ويصر على حرمان الأكراد من حقوقهم".
 
دور المكاسب الإقليمية في التحريض
 
يقول النشطاء المؤيدون للأكراد إن الحكومة في طهران تمارس التمييز بشكل منتظم ضد الأكراد وضد الأقليات الأخرى. لم يزل أكراد إيران محرومين من التمثيل العادل في العملية السياسية، ويعانون من الإهمال الاقتصادي، ناهيك عن أن النظام في إيران يواجه بالقمع العنيف أي محاولة تبذل للوقوف إلى جانب حقوق الأقليات.
 
يقول تيمور ألياصي، رئيس جمعية حقوق الإنسان في كردستان إيران، التي تتخذ من جنيف مقرا لها، إن إخفاق الحكومة الإصلاحية للرئيس حسن روحاني في الوفاء بتعهدات قطعتها سابقا على نفسها بتحسين وضع الأكراد أثارت السخط.
 
ويضيف: "إن عجز الإدارة الإصلاحية والمعتدلة في الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك حكومة روحاني، بالإضافة إلى زيادة وتيرة القمع المستخدم ضد الشعب الكردي، هو ما دفع الأكراد الإيرانيين إلى إعادة التفكير في استراتيجية المقاومة التي ينتهجونها".
 
ربيع كردي في المنطقة
 
ثمة عامل آخر ساهم في إثارة الاضطرابات في روجهيلات، ألا وهو المكاسب التي حققها الأكراد في البلدان الأخرى، كما يقول ألياصي.
 
ففي العراق، اكتسبت حكومة إقليم كردستان قدرا كبيرا من الحكم الذاتي، وهي لا تخفي تطلعها نحو الاستقلال وتناضل علانية في سبيل ذلك. أما في سوريا التي مزقتها الحرب، فقد اقتطع الأكراد لأنفسهم منطقة في شمال البلاد ينوون الاحتفاظ بسيطرتهم عليها مهما كلفهم ذلك.
 
وفي تركيا، يشكل اندلاع الحرب من جديد بين حزب العمال الكردستاني والحكومة عامل إلهام لأولئك الذين يؤمنون بحتمية الحل العسكري للمشكلة الكردية في إيران.
 
ويبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران وصل إلى قناعة بأن الوقت سانح للجوء إلى القوة، انتصارا للحقوق الكردية ودفاعا عنها. 
 
للعام الثاني على التوالي، أرسل الحزب جنوده عبر سلاسل الجبال الشاهقة والوعرة التي تفصل ما بين إيران والعراق بمجرد أن يسر انصهار الثلوج في الربيع مهمة القيام بهذه الرحلة الشاقة.
 
يشاطر هؤلاء الرجال في رحلتهم، بما يتمتعون به من خبرة في تسلق الجبال واختراقها، المهربون الذين يأتون إلى الجمهورية الإسلامية بالبضائع الممنوعة، مثل الخمور.
 
يطلق الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران اسم البشمرجة على مقاتليه الذين اشتبكوا مع قوات الأمن الإيرانية أربع مرات هذا العام، حسبما يقول باكدمان. وردا على ذلك، قامت إيران بقصف مواقع الحزب داخل العراق مرارا وتكرارا، كما قامت بتعزيز الحمايات على طول الحدود.
 
ما يسعى إليه الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران من محاولة لتعزيز وجوده داخل إيران ليس بالأمر الهين، فإيران تواجهه بقوات عسكرية منيعة وجهاز أمن محكم.
 
يقول يوست هيلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية: "يمكن وصف ما يجري بأنه لا يتجاوز غزة دبوس، غزة سريعة في الخاصرة الإيرانية من قبل مجموعة كردية كانت خاملة خامدة لما يقرب من خمسة وعشرين عاما، وأعيد بعثها الآن من جديد. تراودني شكوك بأن إحياءها يعود الفضل فيه إلى خصوم إيران في المنطقة. ولكن أشك أن بإمكانها الاحتفاظ بقدرة قتالية معتبرة".
 
كما أن طريق الحزب محفوفة بالمخاطر؛ نظرا لأنه يعتمد على أراضي حكومة إقليم كردستان كقاعدة لانطلاق عملياته وشن هجماته داخل إيران، بينما ليس من مصلحة أكراد العراق، ولا يرون من المناسب، إغضاب جارتهم القوية، بينما ينخرطون في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، ويسعون لانتزاع الاستقلال من بغداد.
 
هذا بالإضافة إلى أن الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب السياسي الذي يسيطر على مناطق إقليم كردستان الشرقية المحاذية لإيران، كان دوما يرتبط بعلاقات وثيقة مع طهران.
 
وقد عبرت حكومة إقليم كردستان عن انزعاجها من تجدد نشاط الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران المعادي لطهران.
 
وكان الناطق باسم حكومة إقليم كردستان، جيلوان قزاز، صرح بما يلي: "لا نريد لأراضي حكومة إقليم كردستان أن تستخدم لتهديد أمن أي من الأقطار المجاورة لنا. هذا بوضوح شديد هو موقف حكومة إقليم كردستان، وهو الموقف الذي بُلغ به الجميع، بما في ذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران".
 
جبهة جديدة في حرب قديمة
 
إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران ليس الحركة الكردية المعارضة الوحيدة التي تدفع باتجاه التغيير في إيران، بل من أكثر الجماعات عدوانية وشراسة حزب الحرية الكردستاني، الذي يشتهر باللغة الكردية باسم "باك".
 
وكان هذا الحزب، الذي يتمتع بولاء المئات من عناصر البشمرجة، هرع إلى نصرة القضية الكردية حينما هاجم تنظيم الدولة الإسلامية مناطق حكومة إقليم كردستان في عام 2014.
 
ينتشر مقاتلو الحزب في الجبهة في كركوك، وقريبا من الموصل، حيث ساهموا في منع تقدم تنظيم الدولة الإسلامية على مدى العامين الماضيين.
 
يقف هاجِر، القائد العسكري في حزب الحرية الكردستاني، على سفح تلة مطلة على بلدة بعشيقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، ومن موقعه المحصن يتحدث عن رؤية حزبه للمستقبل.
 
يقول وهو يستند إلى جدار من أكياس الرمل بينما يراقب رجاله عبر المناظير مواقع عدوهم المتخندق في موقع تفصلهم عنه مسافة لا تكاد تتجاوز سبعمائة متر أسفل الوادي: "عندما تنتهي مهمتنا في هذا المكان سوف نعود إلى إيران؛ لأننا بحاجة لاستكمال مهمتنا القتالية هناك".
 
تمكن رجال هاجِر من صد خمسة وعشرين هجوما شنها عليهم عناصر الدولة الإسلامية خلال وجودهم على السفح، حسبما يقول هذا القائد، وقتلوا أعدادا من مسلحي الدولة الإسلامية في قتال شرس دارت رحاه أثناء الليل، وفجروا مهاجمين انتحاريين باستخدام قنابل صاروخية، وتبادلوا النار مع القناصة، وتخندقوا ليحموا أنفسهم من طلقات مدافع الهاون؛ ولذلك فهم لا يشعرون بالهيبة من الاشتباك مع القوات العسكرية الإيرانية فيما بعد.
 
بينما يتطلع الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران إلى إقامة حكم ذاتي داخل المناطق الكردية داخل إيران، على نهج حكومة إقليم كردستان في العراق، إلا أن الهدف المعلن لحزب الحرية الكردستاني هو الاستقلال.
 
يقول هاجِر: "لا تشغل بالنا المشكلات الصغيرة، مثل عدم السماح لنا بالقراءة أو الكتابة باللغة الكردية، إنما نقاتل لأن هذه هي أرضنا، ولا يحق للإيرانيين السيطرة على أرضنا. ينبغي أن تكون لنا بلادنا الخاصة بنا، وهذا ما نقاتل من أجله".
 
على الرغم من أن معظم مقاتلي حزب الحرية الكردستاني يرابطون داخل العراق، إلا أن الجماعة قامت حتى الآن بشن ست هجمات ضد قوات الأمن داخل إيران، وذلك بحسب ما صرح به أحد قادة الحزب لوكالة الأسوشييتد بريس هذا الشهر.
 
بالإضافة إلى ذلك، هناك مجموعة أخرى لها نصيب فيما يحل في المنطقة من اضطراب، وتعدّ فرعا منبثقا عن حزب العمال الكردستاني، إنها المجموعة التي تسمى "حزب الحياة الحرة الكردستاني".
 
حسبما يقول هيلترمان، أوقف حزب الحياة الحرة الكردستاني حملته العسكرية في روجهيلات في السنوات الأخيرة؛ نظرا لأن إيران تدعم حكومة بشار الأسد في سوريا، وهذه بدورها دخلت فيما يشبه ميثاق حياد بحكم الأمر الواقع مع الحركة الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني داخل سوريا.
 
ولذلك؛ بادر حزب الحياة الحرة الكردستاني بتوجيه مقاتليه نحو روجافا، وهو الاسم الذي يطلق على القطاع الكردي داخل سوريا، حيث يكتسبون مهارات وخبرات قتالية مهمة من خلال المشاركة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.
 
فيما لو طرأ تغير في الظروف داخل سوريا فمن المحتمل أن يعود حزب الحياة الحرة الكردستاني ليركز اهتمامه على إيران، الأمر الذي سيعزز الجبهة الكردية مع إيران بمجموعة قتالية أخرى على درجة عالية من الجاهزية.
 
وفي ذلك يقول هيلترمان: "منذ عام 2012 وحزب الحياة الحرة الكردستاني فيما يشبه الهدنة مع إيران، وذلك كثمرة للصفقة التي أبرمتها إيران مع حزب العمال الكردستاني استجابة للأزمة التي نشبت في سوريا. فيما لو أعيد تفعيل حزب الحياة الحرة الكردستاني فإنه سيشكل قوة أهم وأعظم أثرا وفعالية من الحزب الديمقراطي الكردستاني في إيران".
 
لقد تمكنت إيران، وهي الحليف العسكري الأساسي في الحرب التي تشنها بغداد على تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك في المعركة التي يخوضها بشار الأسد للبقاء على قيد الحياة، من إبقاء الصراع بعيدا عنها.
 
إلا أن تداعيات الصراع الإقليمي على مشكلتها الكردية -التي مازالت تنتظر الحل- يمكن أن تتسبب في انتشار رقعة سفك الدماء، وانتقالها إلى داخل حدود الجمهورية الإسلامية.