ظهرت فكرة تشكيل "مجلس السياسات الاستراتيجية" أول مرة في العام 2010، بعد الانتخابات التشريعية التي تقدمت فيها القائمة التي تزعمها إياد علاوي، أمام القوى السياسية الأخرى بما فيها التحالف الوطني الشيعي، لكن علاوي حينها لم يستطع تشكيل الحكومة بسبب تحالف الأحزاب الشيعية ضده.
بعد ذلك، اتفقت القوى السياسية على تشكيل "مجلس سياسات استراتيجية" برئاسة علاوي، ووظيفته مراقبة أداء السلطات العليا في
العراق. ولكن اعتراضات حول عدم دستورية المجلس أجبرت علاوي على رفضه، وانتهى المشروع حينها من دون تنفيذ.
ولكن الغريب في الأمر، أن ائتلاف دولة القانون، برئاسة نوري
المالكي، رئيس الوزراء السابق، هو من تريد تفعيل الفكرة مجددا، بعد أن كان السبب في تعطيله في العام 2010.
فخلال زيارة المالكي إلى إقليم كردستان في النصف الأول من آب/ أغسطس الماضي، أعلن عن اتفاق جزئي مع القوى الكردية على تأسيس المجلس.
ويقول القيادي في كتلة ائتلاف دولة القانون النائب، حسن الأسدي، في حديث لـ"عربي21": "تغيير موقفنا جاء بعد أن افتقد العراق إلى رؤية سياسية واضحة، فلكل كتلة رأي، وهذا يجر البلاد إلى فوضى عارمة تنعكس سلبا على المواطن، لا سيما أنه مقبل على مرحلة جديدة، وهي بعد تحرير الأراضي من داعش، وباتت قريبة جدا"، وفق قوله.
واعتبر الأسدي أن الاعتراضات السابقة ضد تأسيس هذا المجلس كانت بسبب "تضاربه مع الدستور وتداخله في عمل الرئاسات الثلاث (الجمهورية، الوزراء، البرلمان)، وفي وقتها كان غير ممكن، لا سيما ان البلاد كانت تريد أن تخرج من مأزق سياسي لا أن تضع نفسها في مأزق آخر".
في المقابل، استبعد النائب عواد العوادي، عضو كتلة الأحرار التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، أن تتفق الكتل السياسية على تشكيل المجلس. وقال لـ"عربي21" إنه يجب أن يأتي تشكيل المجلس كمقترح من قبل الحكومة إلى البرلمان، ومن بعدها يجري التصويت عليه داخل مجلس النواب، وهنا سوف تضع الكتل السياسية مصالحها وتراهن على التصويت عليه مقابل التصويت على قوانين أخرى"، كما قال.
من جهته، يرى المحلل السياسي العراقي باسم حربي؛ أن الأحزاب السياسية في هذه الفترة تخوض صراعا حقيقيا لم تشهده منذ أيام التغيير، أي بعد العام 2003، ويصعب لملمتها بسهولة".
ويضيف في حديث لـ"عربي2": "الأحزاب الشيعية الكبيرة في التحالف الوطني، وهي "دولة القانون" و"الأحرار" و"المواطن"، منقسمة إلى فريقين، الأول يضم "المواطن" بزعامة عمار الحكيم و"الأحرار" بزعامة مقتدى الصدر، والثاني يضم "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي. ويشهد الفريقان حربا إعلامية شديدة بسبب مطالب فريق الأحرار والمواطن بخروج المفسدين وتحرير الدولة من سطوة حزب الدعوة، وهو الجناح السياسي لائتلاف دولة القانون".
أما الأحزاب السنية في "تحالف القوى الوطنية"، الذي يضم كتلة "متحدون" و"العربية"، و"ائتلاف العراقية" فليست لديها مواقف واحدة، وغالبا ما تنتقد أحدها الآخر، ويظهر ذلك واضحا في الأزمة التي اندلعت قبل أسابيع قليلة بين رئيس البرلمان سليم الجبوري ووزير الدفاع خالد العبيدي، وكلاهما من السنة وينتميان إلى "تحالف القوى الوطنية".
كما أن الكتلة السياسية الكردية (التحالف الكردستاني)؛ باتت الآن مشتتة أيضا، بسبب الخلافات التي برزت بين الحزبين الكرديين، الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني. ويتركز الخلاف بين الحزبين حول مسألة بقاء البرزاني في رئاسة الإقليم أو إعطائها إلى شخصية من الاتحاد الوطني الكردستاني.
ومن هنا، يكشف القيادي الكردي وعضو مجلس النواب السابق، محمد خليل، المقرب من رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، أن الأخير بدأ بتحرك فعلي على الكتل السياسية الكبيرة من أجل تأسيس "مجلس السياسات الاستراتيجية"، الذي يُعتقد أنه سيكون بمنزلة المنقذ للكتل السياسية المتصارعة.
وأوضح خليل في حديث لـ"عربي21"، أن رئيس الجمهورية عرض فكرة تأسيس المجلس بمنظور آخر عن فكرته الأولى، حيث تضمن المقترح المعدل "أن يكون المجلس برئاسة رئيس الجمهورية فؤاد معصوم، وعضوية رئيس الوزراء حيدر العبادي، ورئيس البرلمان سليم الجبوري، ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ورئيس ائتلاف متحدون أسامة النجيفي، ورئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، والزعيم الشيعي مقتدى الصدر".
أما عن طبيعة عمل المجلس، فبيّن خليل أنه سيكون "كلجنة استشارية"، تراقب وتضع الحلول لكل الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بالبلاد، فضلا عن طرح المقترحات والقرارات والقوانين المهمة على هذه اللجنة ومناقشتها والخروج برأي موحد، وتكون قراراتها ملزمة، ويؤخذ بها وتعتمد في كل الأوقات، كما قال.
وأيد عضو كتلة "متحدون"، النائب طلال الزوبعي، فكرة تأسيس المجلس، موضحا في حديث لـ"عربي21"، أن "الدولة اليوم باتت غير موحدة، لا برلمانيا ولا شعبيا، فيمكن أن تكون بتأسيس مجلس السياسات إعادة لإدارة الدولة عبر التوافقات السياسية التي تساعد الحكومة على مكافحة الفساد وتفعيل القوانين المعطلة في البرلمان"، عبر التوافق بين القادة الكبار المنضوية في هذه المجلس، وفق تقديره.
وحتى إعلان فكرة تأسيس "مجلس السياسات الاستراتيجية" بشكل رسمي، فإن الكتل السياسية لا تزال في صراع محتدم فيما بينها، خاصة مع ضغط الشارع العراقي المطالب بالتغيير والإصلاح. كما أن التصويت على هذا المجلس من عدمه مرهون بما ستتفق عليه كل الكتل بعد وضع شروطها؛ التي تتوافق مع مصالحها، وهنا تبرز مشكلات جديدة أمام تأسيس المجلس، وفق مراقبين.