انتقد القيادي البارز في حركة
النهضة عبد الحميد الجلاصي بشدة ما أسماه "الإغراق السياسي" الذي يمارسه حزب نداء
تونس، شريك حركته في الحكم، معتبرا تكليف رئيس الحكومة يوسف الشاهد على رأس "النداء" والتحوير الجزئي للمحافظين الأخير تغلغلا في مفاصل الدولة.
وتابع الرجل القوي سابقا في النهضة، الأربعاء، في تصريح له على إذاعة "إم أف أم" بقوله إن الشراكة بين حزبي "النهضة" و"النداء" تقتضي قدرا من الثقة، وقال: "ما نخدموش مخاخنا على بعضنا" (لا نتذاكى على بعضنا)، في إشارة إلى تكليف الشاهد برئاسة "النداء" بعد تكليفه برئاسة الحكومة.
وعبر الجلاصي، الذي شغل منصب نائب رئيس "النهضة" سابقا والمحسوب على "صقور الحركة"، عن قلقه من تغول "
نداء تونس" من خلال تركيز السلطات الثلاث (رئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان) في يده، "وهو الذي يشهد صراعات وتجاذبات بين شقوق داخله"، وفق تعبيره، مضيفا أن "ما يدعو إلى الخشية أكثر هو التسميات من داخل نداء تونس التي طغت على تشكيل حكومة الشاهد على غرار خطط كتاب الدولة والمستشارين".
من رئاسي إلى "رئاسوي"
وأشار إلى أن هناك انزلاقا عن مبادئ دستور 2014 في ما يتعلق بنظام الحكم من رئاسي إلى "رئاسوي"، في إشارة إلى كيفية ممارسة الرئيس الباجي قايد السبسي صلاحياته التي نص عليها دستور الجمهورية الثانية.
وأضاف الجلاصي أن موضوع الصلاحيات تتجاوزه بكثير مسألة تعيين المحافظين، الذي جرى قبل أيام ولم تتحصل فيه "النهضة" إلا على مشاركة واحدة من بين 12 محافظة شملها التحوير الجزئي.
واعتبر الجلاصي في تصريح سابق لصحيفة "الشارع المغاربي"، التحوير الجزئي للمحافظين "مدخلا لعودة منظومة حزب التجمع المنحل وإيجاد حلول لأزمات النداء المتعاقبة في اتجاه تسخير الدولة لصالح الحزب"، وفق تعبيره.
تحجيم "النهضة"
وحذر مما وصفه بـ"العودة إلى فترة ما قبل الثورة"، من خلال "ربط الحزب بالدولة وسيطرة حزب واحد على كامل مفاصلها"، معبرا عن تخوّفه من "الانزلاق نحو النظام الرئاسوي واستقواء النداء بالدولة لا فقط لضمان التسويات والترضيات وإنما أيضا لتحجيم النهضة"، على حدّ قوله.
وكانت رئاسة الحكومة التونسية أعلنت نهاية الأسبوع الفائت عن إجراء تحوير جزئي في سلك المحافظين حظي فيه نداء تونس بنصيب وافر من التعيينات، وهو ما علّق عليه الجلاصي بأنه "تغلغل الحزب الواحد في الدولة والإغراق السياسي".
وعبر الجلاصي، في تصريحه الإذاعي، الأربعاء، عن خشيته من التداعيات السلبية "لإقحام الحكومة والدولة في مشاكل حزب النداء الذي يعيش هذه الأيام على وقع صراع جديد بين شقين داخله"، موجّها حديثه إلى "الندائيين" بقوله: "أقول لإخوتي في النداء: علينا أن نكون صرحاء مع بعضنا، فنحن شركاء".
لسنا أغبياء
وقال: "نحن طيبون لكننا لسنا أغبياء ولن نسمح بأن تؤثر الصراعات على الدولة"، لافتا إلى أن الأزمات المتتالية لـ"النداء" ساهمت بقدر كبير في قصور حكومة الحبيب الصيد وفشلها، مشيرا إلى أن "النداء" وحكومة الشاهد "يسيران على ما يبدو في النهج نفسه وهو ما سيعصف بمكسب الشفافية والديمقراطية الذي تراجع"، وفق تعبيره.
ورأى مراقبون أنّ تصريح الجلاصي إشارة واضحة إلى عودة "صقور النهضة" إلى الواجهة بعد أشهر قليلة على ابتعادها عن الأضواء وصومها عن التصريحات الإعلامية، إثر المؤتمر العاشر للحركة الذي جرى في أيار/ مايو الفائت.
توافق الشيخين
وبرزت حملات قوية في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، المحسوبة على تيار الصقور داخل "النهضة"، حمّلت مسؤولية الحضور الضعيف للحركة في التحوير الجزئي للمحافظين لـ"خيار التنازلات غير المبررة والتوافق بين الشيخين الغنّوشي والسبسي".
لكن المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري قيس سعيد، قلل في تصريح لـ"
عربي21" من تأثير هذه التصريحات والحملات على الوضع الداخلي لـ"النهضة" وعلى التحالف القائم بين "النهضة" و"النداء".
المواعيد الانتخابية
وتابع بقوله: "في الوضع الراهن لن يكون هناك ارتداد مباشر لا على (النهضة) ولا على التحالف بين الحزبين، ولكن قد تتطور الأوضاع في المستقبل خاصة إذا تحركت بعض الأطراف داخل (النداء)، التي دعت من قبل إلى عدم التحالف مع النهضة، وقتها يمكن أن تظهر بعض الآثار على (النهضة) وعلى العلاقة بـ(النداء)".
ولفت إلى أن ردود الفعل التي تصدر من النهضويين ضد بعض التصريحات أو المواقف قد لا تبدو متناغمة مع المواقف الرسمية لحركة النهضة، "لكنها لن تغير على الأقل في الوضع الحالي من التوازنات القائمة داخل الدولة خاصة أن الاتفاق بين قيادتي الحركتين ما زال مستمرا"، مشيرا إلى أن اقتراب بعض المواعيد الانتخابية يمكن أن يقلب الموازين ويغيّر علاقة الحزبين ببعضهما.