وقف السيد "بنيامين
نتنياهو" رئيس وزراء الكيان الصهيوني يوم الخميس الموافق 22 سبتمبر 2016 على منبر الأمم المتحدة ... وقف يلقي خطابا تاريخيا مجيدا ... لقد وضع النقاط على الحروف، وقال ما ينبغي أن يقال في مثل هذا المقام.
لقد سبَّ منظمة الأمم المتحدة، وسخر منها في صلف – والحقيقة هذا حقه –، فبشّرَ البشرية بأن "التغيير قادم"، وبأن حرب الأمم المتحدة ضد إسرئيل قد انتهت (يقصد أن الأمم المتحدة قد هُزِمَتْ هزيمة ساحقة، وأن
إسرائيل انتصرت نصرا مظفرا).
يقول في بداية خطابه : "بدأت الأمم المتحدة كقوة أخلاقية وانتهت بمسرحية هزلية ومسخرة" !
ثم يهين السيد رئيس السلطة الفلسطينية قائلا : "مطالبة ومقاضاة بريطانيا على أمر وقع قبل 100 عام؟ ماذا يمكن أن نصف ذلك مسخرة؟ أم مدعاة للضحك؟".
يقول ذلك وإسرائيل ما زالت تحاسب الكون كله على ما جرى في الهولوكوست منذ عشرات السنين، وتأخذ تعويضات بمليارات سنويا حتى اليوم !
يواصل توبيخه لأبو مازن ولسائر الأمم قائلا : "هل تأخذون هذا الأمر بجدية؟ لقد دعمت الأمم المتحدة إقامة دولة يهودية عام 1947 لكن الفلسطينيين لا زالوا يرفضون الاعتراف بنا حتى بعد 70 عاما، وهذا هو أساس الصراع، إنه مواصلة الفلسطينيين رفضهم الاعتراف بدولة إسرائيل ضمن أي حدود مهما كانت، فالصراع لم يبدأ مع المستوطنات أو عليها، ولم يكن كذلك مطلقا لأنه مندلع ومتفجر قبلها بعشرات السنين".
يتحدث عن أن الأمم المتحدة بإصدارها قرار التقسيم تكون قد اعترفت بدولة (يهودية)، وهو أمر أعلنته إسرائيل منذ عدة أعوام فقط، (عن يهودية الدولة أتحدث).
* * *
بعد ذلك يحدثنا الإرهابي عن ثقافة السلام "عليكم تخيل مدى صعوبة التحرر من ثقافة الكراهية هذه، كيف يمكن لأي منا أن يتوقع من شاب فلسطيني أن يدعم السلام في حين تقوم قيادته بتسميم أفكاره وتحرضهم ضد السلام؟ نحن الإسرائيليين لا نقوم بذلك بل نربي أطفالنا ونثقفهم على مفاهيم السلام".
(هل تذكر صور أطفال إسرائيل يرسمون الرسومات الهزلية على الصورايخ التي تدك المدنيين في غزة وجنوب لبنان؟)
يواصل بعد ذلك توضيح الحقائق، فيقول إن التغيير حدث أسرع مما توقع ... فيرتطم السؤال برؤوسنا كالمطرقة .. عن أي تغيير يتحدث؟
لم يتركنا السيد "نتنياهو" نتساءل كثيرا، بل أجاب بسرعة، وأطلق رصاصة الرحمة على كل ضمير عربي إسلامي قائلا : "ستندهشون مما سأقوله، إن التغيير الكبير في النظرة إلى إسرائيل يحدث في مكان آخر ... هناك في العالم العربي، والسلام المبرم بيننا وبين الأردن ومصر أدّى إلى الاستقرار في شرق أوسط غير مستقر..
إن نظرة العرب لإسرائيل قد تغيرت، وأصبحت الدول العربية تعرف جيدا أن إسرائيل ليست عدوا، بل هي الحليف الحقيقي الأقرب في وجه إيران وداعش" !
التصفيق يعلو في الأمم المتحدة لهذا المجرم الإرهابي (طبقا لقرارات الأمم المتحدة)، ومن بين المصفقين (أو الحاضرين على الأقل) ممثل رسمي عن كل من
مصر والعراق والأردن، بل عن فلسطين ذاتها، فممثل ما يسمى (السلطة الفلسطينية) يجلس مستمعا لكلمة السيد رئيس وزراء إسرائيل، وليّ نعم السلطة (برغم هجومه وسخريته ممن يسمي نفسه رئيس السلطة الفلسطينية).
مندوب مصر لم يعترض، وكذلك لم يعترض أي مسؤول أممي برغم أن السيد رئيس الوزراء سخر من الأمم المتحدة، ومن مجلس حقوق الإنسان سخرية مهينة لاذعة.
* * *
لماذا تغضب الأمم المتحدة اليوم؟ لقد سَخِرتْ إسرائيل عمليا من عشرات القرارات التي أصدرتها المنظمة قبل ذلك في عشرات النزاعات والحروب، لا جديد اليوم سوى أن السخرية كانت من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.
يفتخر "نتنياهو" بإنجازات إسرائيل المتراكمة، وكيف تغيرت نظرة عشرات الدول في العالم كله لإسرائيل، يصف ذلك بأنه (ثورة في العلاقات الإسرائيلية بالعالم)، الصين، والهند، وروسيا، وللأسف ... إفريقيا.
* * *
سيلتقي السيد رئيس الوزراء بالعديد من رؤساء الدول الإفريقية، في الوقت الذي يتهرب قادة العالم (وإفريقيا) من لقاء رئيسنا، رئيس جمهورية الأمر الواقع، قائد الانقلاب العسكري في مصر، المشير العسكري الذي لم يطلق رصاصة طوال حياته إلا في صدور المصريين ... السيد عبدالفتاح "سيسي" !
* * *
لم يتمكن أحد من انتقاد نتنياهو إلا الصهاينة أنفسهم، فقد علقّ رئيس المعارضة في الكنيست الإسرائيلي "إسحاق هيرتزوغ" بأن الإشكالية في خطاب "نتنياهو" تكمن في أن "العالم توقف منذ زمن عن الإصغاء إليه"، مضيفاً "من غير الواضح أي نتنياهو يجب علينا أن نصدق؟ ذلك الذي تحدث عن استعداده لحل سياسي؟ أم ذلك الذي لم يتقدم خلال السنوات الخمس من ترأسه للحكومة أي خطوة فعلية لمبادرة من هذا النوع؟".
* * *
لا ينسى السيد رئيس الوزراء أن يصفعنا قبل أن ينهي كلمته، بأنه يرجو أن تصبح العلاقات العربية الإسرائيلية (علنية)، هكذا يقولها بكل بجاحة، يوبخ جميع الأنظمة العربية (التي نعرفها جميعا)، تلك التي تبيت في فراش إسرائيل ليلا، وتتظاهر بالعِفّة صباحا.
كل ما قاله عن علاقاته واختراقاته للأنظمة العربية إنجازات متراكمة من حقه أن يفخر بها، وهي إنجازات بدأت في عهد السادات، ثم تأسست في عهد مبارك، لكنها تضاعفت عشرات المرات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013.
إنجازات إسرائيل ما كانت لتتم لولا قيادات الجيش المصري المنقلب، ولا حياة لمصر إلا بإعادة الجيش إلى ثكناته إلى الأبد، وبإقامة حياة ديمقراطية تكفل العيش الكريم للمصريين، لكي تتفجر طاقاتهم وإبداعاتهم في سائر المجالات.
* * *
إن الكبوة التي تمر بها الثورة المصرية اليوم لها آثار مدمرة على الإقليم كله، وعلى القضايا الكبرى في العالم العربي والإسلامي، ولكن الثوار ما زالوا يتنازعون بينهم أمرهم، ويتجادلون في أمور تافهة، ويتصارعون على فتات الفتات.
يتجادلون في هوية الدولة ... في وقت لم يبق فيه من الدولة إلا حطام حطام، يتصارعون على قيادة مزعومة ... في وقت لا يملك فيه أحد قدرة القيادة، يشتبكون في رواية الأحداث التاريخية لمحطات الثورة ... في وقت نرى فيه مستقبل الثورة كله في مهب الريح !
ما أتفه صراعات النخبة أمام عمق حديث "نتنياهو" !
ما أحقر صراعاتنا أمام توحد سائر الحالمين بحلم الدولة اليهودية !
لو كنا نحب هذا الوطن فلنستفد من عدونا، من صهاينة إسرائيل، أو صهاينة العرب، أو صهاينة مصر.
لا أعني أن نصبح سفاحين انتهازيين مثلهم، بل أن نتعلم منهم أي شيء، في التخطيط طويل الأجل، أو متوسط المدى، أو حتى التخطيط قصير الأجل.
تخطط إسرائيل لمائة عام مقدما، بينما نحن كنا نسير بقوة الدفع التاريخي، واليوم أصبحنا جمادا لا تكاد تشعر فيه برد فعل لأي حدث مهما عظم.
فلنتعلم منهم توحيد الصف، أو ترتيب الأولويات، أو حتى إلقاء الخطابات !
لا تنتظروا خيرا من أنظمة تعتمد في وجودها على تحالفها وتطابق مصالحها مع إسرائيل، بل اعتمدوا على توحيد صفوفكم لإسقاط تلك الأنظمة الهشة التي لا تقوى على الصمود في وجه شعب متحد عدة أيام.
* * *
خلاصة خطاب "نتنياهو" في الأمم المتحدة، بحضور ممثل النظام المصري، أننا تمكنا من هزيمة مصر والعرب، ومن الاستيلاء على الحكم في العواصم العربية الكبرى، وذلك من خلال مجموعة من الحكام الخونة، أولهم السيد عبد الفتاح "سيسي"، وأصبحت الجيوش العربية مجرد ميليشيات تعمل لصالحنا، تماما مثلما كانت ميليشيات "أنطوان لحد".
هذه خلاصة خطاب هذا الإرهابي الإسرائيلي على منبر الأمم المتحدة ... ولا يجد أي منصف تعليقا على هذا الخطاب سوى جملة واحدة : صدق "نتنياهو" !
ملحوظة بين يدي الموت : جريمة جديدة في مصر، غرق مئات من المصريين والسوريين والسودانيين المهاجرين إلى أي مكان يحترم آدميتهم، وبكل صفاقة وسادية يتفاخر المتحدث باسم القوات المسلحة بإغراق المركب، وإفشال عملية التسلل ... هذه هي انتصاراتكم العسكرية، دائما على أهلكم وذويكم البسطاء العُزّل ...!
عزائي لذوي المظلومين وأحبابهم، أما الظلمة فنعدهم بيوم قريب يتحقق فيه قصاص عادل ... فوالله الذي لا إله إلا هو لقد طغيتم في الأرض وأفسدتم أكبر الفساد.
عبدالرحمن يوسف
موقع إلكتروني : www.arahman.net
بريد إلكتروني :
[email protected]