قام وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بزيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، ليجري في اليوم الأول مباحثات مع نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، كما استقبله رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان في اليوم الثاني بقصر يلديز التاريخي في إسطنبول.
هذه الزيارة، التي جاءت بعد فتور طويل أصاب العلاقات التركية الإماراتية جراء الانقلاب العسكري الذي أسقط الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي في مصر، لم تكن مفاجئة، بل كانت هناك تطورات مهَّدت الطريق لها.
قد يرى بعض المراقبين أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي لتركيا جاءت لقناعة أبو ظبي بضرورة مراجعة حساباتها وتصحيح أخطائها في هذه المرحلة الحساسة، التي تفرض على دول الخليج وتركيا التكاتف، ونبذ الخلافات الجانبية؛ للحفاظ على أمنها واستقرارها، إلا أن هذا الاحتمال أراه ضئيلا، نظرا للعقلية التي تهيمن على قادة الإمارات وسياساتها الخارجية.
إذن، ما الذي تغير في العلاقات التركية الإماراتية لنرى عبد الله بن زايد في أنقرة وإسطنبول؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من التذكير بأن تدهور العلاقات بين البلدين لم يكن رغبة تركية، بل الإمارات هي التي نصبت العداء لتركيا ورئيسها وحكومتها المنتخبة؛ لوقوف أنقرة إلى جانب الشرعية والديمقراطية وإرادة الشعب في مصر ضد الانقلاب العسكري، الذي دعمته أبو ظبي بالمال والإعلام.
وكانت تركيا تفضِّل استمرار العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات، على الرغم من اختلاف موقفيهما من أحداث مصر، كما استمرت علاقات تركيا مع دول أخرى تختلف معها في ملفات عديدة، مثل إيران وروسيا.
التقارب الذي تشهده العلاقات التركية السعودية في الآونة الأخيرة يأتي على رأس التطورات التي قلبت التوازنات وأجبرت الإمارات على التراجع عن مهاجمة تركيا ورئيسها وتطبيع علاقاتها مع أنقرة؛ لأن استراتيجية أبو ظبي منذ فترة طويلة مبنية على اختراق السعودية وتحريضها ودفعها إلى الواجهة؛ لتتستر وراءها خلال المواجهة. ولذلك، هي بحاجة إلى تجنب التصادم مع الرياض والتظاهر بالتوافق التام والانسجام الدائم مع مواقف المملكة حتى ولو اختلفت معها وحاولت أن تحفر لها حفرة، لأنها تدرك جيدا أنها غير قادرة على القيام بأي دور يذكر ولا يبقى لها أي وزن إن اختلفت وتصادمت مع السعودية.
ومن التطورات التي مهَّدت الطريق إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي لتركيا، فشل "مشروع السيسي" في مصر فشلا مدويا ليخيِّب آمال ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد الذي تبنى هذا المشروع من أوله وأراد استنساخه في أماكن أخرى، إلا أنه لم ينجح، بل أصبح يشكل عبئا كبيرا على رعاة الانقلاب يصعب تحمله.
"مشروع السيسي" نجح في إسقاط الرئيس المنتخب بانقلاب عسكري، لكنه بسبب غباء الانقلابيين أخفق في تحقيق الأمن والاستقرار وحل المشاكل الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة في مصر، على الرغم من كل الدعم السخي الذي قدمته دول الخليج المموِّلة للانقلاب إلى القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، بدأ الانقلابيون ابتزاز السعودية؛ من خلال الوقوف إلى جانب خصوم الرياض في سوريا والعراق، الأمر الذي أثار غضب السعوديين بمن فيهم هؤلاء الذين كانوا يرون السيسي قائدا منتظرا للتخلص من جماعة الإخوان المسلمين. وهناك مشاريع أخرى للإمارات على غرار "مشروع السيسي"، مثل "مشروع دحلان" في فلسطين، و"مشروع حفتر" في ليبيا، إلا أن كل هذه المشاريع لم يكتب لها النجاح حتى الآن، ما أدَّى إلى بدء انكماش الدور الإماراتي المنتفخ إلى حجمه الطبيعي.
لا شك أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد لتركيا فتحت صفحة جديدة في العلاقات الثنائية بين أنقرة وأبو ظبي، ولكن المهم ما سيسجل في هذه الصفحة الجديدة بعد الآن. وما لم تقطع الإمارات علاقاتها مع تركيا وتنصب العداء لها، فإن أنقرة ستسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين قدر الإمكان، مع استمرار التباين والاختلاف في بعض الملفات؛ لأن التوافق التام في جميع القضايا والملفات ليس شرطا لاستمرار العلاقات بين الدول، وإلا لما بقيت علاقات بين دولة وأخرى على وجه الأرض.