لم تعد الدولة هي الفاعل الرئيس المحتكر للقوة الإكراهية في التفاعلات الإقليمية، بل برزت أدوار فواعل عنيفة من غير الدول، خاصة خلال مراحل التحول من الثورات إلى الصراعات، مثل الميليشيات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، والكتائب المناطقية، والقوى المذهبية التي كونت ما يشبه "الجيوش الموازية".
وقد تحدث جون برينان مدير الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال مؤتمر للاستخبارات نظمته جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية في 27 أكتوبر 2015، قائلا: "الحل العسكري مستحيل في أيٍّ من هذه الدول، ومن الخطأ الذهاب مباشرة باتجاه البحث عن تسوية نهائية في الوقت الراهن، بل يجب اعتماد استراتيجية الخطوات الصغيرة عبر السعي إلى خفض درجة التوتر وتقليص حدة النزاع وبناء الثقة بين الأطراف الراغبة في التوصل إلى تسوية سلمية".
تناولت نظرية العمق الاستراتيجي معادلة قوة الدول، وخطورة قصور النظرية الاستراتيجية، والإرث التاريخي للدول، وبنت منهجيتها على أهمية التوازنات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
وتركز النظرية على أهمية فهم أي دولة تاريخها وجغرافيتها (الزمان والمكان) بشكل عميق وصحيح، كأساس متين لا غنى عنه لصياغة نظريتها الاستراتيجية.
وتؤكد النظرية محورية "الهوية" و"المسؤولية" للدولة، وأهمية أن تكون هوية دول الخليج العربي متناسقة مع ثقافة الشعب، تناولت نظرية العمق الاستراتيجي معادلة قوة الدول، وخطورة قصور النظرية الاستراتيجية، والإرث التاريخي للدول، وبنت منهجيتها على أهمية التوازنات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
وتركز النظرية على أهمية فهم أي دولة تاريخها وجغرافيتها (الزمان والمكان) بشكل عميق وصحيح، كأساس متين لا غنى عنه لصياغة نظريتها الاستراتيجية.
نظرية العمق الاستراتيجي بإخراج دول الخليج من دول الدور الهامشي ودور التابع إلى الدور المركزي والرئيس، معتمدا على معادلة القوة وعناصرها، في تحقيق الدول ذاتها بين الدول الأخرى، التي تعتمد على:
1ـ المعطيات الثابتة التي يصعب تغييرها الجغرافيا والتاريخ وعدد السكان والثقافة.
تستطيع دول الخليج العربي من موقعها الجغرافي أن تحقق الريادة والعلو، فهي بين القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتشكل أهمية كبيرة بل إن الاستراتيجية الاقتصادية إلى جانب الموقع الجغرافي قد رسخت تلك الأهمية وجعلتها أكثر شدة وحساسية.
وكما هو معروف أن دول الخليج العربي تتحكم في مضيق باب السلام (هرمز) جنوب الخليج، وحتى منطقة الفاو جنوب العراق.
وعند النظر من زاوية القوى الجيوسياسية البرية المعتمدة على خط الحزام المحيط نجد أن منطقة الخليج العربي تشكل مركز الحزام المحيط بأوروبا وآسيا، وتشتمل على المقدرات الرئيسة لمختلف أنواع التدخلات الموجهة نحو أوراسيا.
وعندما نتناول الخليج العربي من زاوية الجيوسياسية البحرية نجد أنه يقع في بؤرة الاستراتيجيات التي تنهجها القوى ذات المحور البحري تجاه القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، وقد أصبح مهما بالنسبة للاستراتيجيات ذات الثقل البحري، كما بات بمنزلة قاعدة عسكرية لتحقيق الهيمنة الاستراتيجية الموجهة نحو القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا وبحارها، ويمتلك أهم المعابر المائية مثل معبر مضيق هرمز ومضيق باب المندب.
وتحتل دول الخليج المكان المميز في قلب العالم القديم وعلى البحار والمضايق الأكثر أهمية في العالم، وعلى طرق مرور الطاقة.
ولكن المشكلة تأتي من أن الحدود السياسية داخل الشرق الأوسط تُشبه جدارا مخلخل البناء مفكك اللبنات، وتدرك القوى الدولية أن تحريك أية لبنة من لبنات ذلك الجدار المُخلخل يعني انهياره، وهي بطبيعة الحال لا ترغب في البقاء تحت حطام جدار متهدم، ولتحقيق هذا الهدف تعمل على تحريك لبناته المختلفة في آن واحد، وهو ما يستتبع تنوع ألعابها الدبلوماسية، إذ يتحتم على هذه القوى المداومة على إعادة تقييم أوضاعها بالنسبة للقوى الأُخرى داخل وسط مرن.
إن جغرافيا الصراع في الشرق الأوسط في نهاية عام 2016 تشير إلى تشكل خرائط مختلفة وحدود جديدة بواسطة فاعلين قدامى وجدد تختلف عما كان سائدا قبل عقود، بعد سقوط الحدود الفاصلة بين بؤر الصراع في سورية والعراق، ودعم بعض القوى لميليشيات متصارعة، وعدم اعتراف الميليشيات المسلحة بخطوط الحدود، وتنامي الميول الانفصالية للفاعلين العنيفين، وتصاعد الدور الروسي الجديد في الإقليم، على نحو يعكس الإقامة في أرض لا خريطة لها. ومن هنا يجب على دول الخليج تأكيد قوتها الشاملة والاستفادة منها لمواجهة الأوضاع المتغيرة إقليميا ودوليا.