شهدت
علاقات مصر والسعودية محطات من الخصام والمصالحة منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل بن عبد العزيز، مرورا بعهد أنور السادات والملك خالد بن عبد العزيز، وانتهاء بعهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز.
وترصد "عربي21" أهم هذه المحطات في إطار زمني على مدار الستين عاما الماضية.
فقد اتسمت علاقة الرياض والقاهرة بالود بعد تأسيس الملك عبد العزيز آل سعود المملكة عام 1932. ووقّع الملك فيصل بن عبد العزيز، في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 1955، اتفاقية دفاع مشترك مع جمال عبد الناصر في القاهرة، وقدمت الرياض في 27 آب/ أغسطس 1956 100 مليون دولار للقاهرة لبناء السد العالي، بعد سحب الأمريكيين عرضهم.
العدوان الثلاثي
وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 (إنجلترا- فرنسا- إسرائيل)، وقفت
السعودية بجانب مصر، وفي 30 تشرين الأول/ أكتوبر، أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان، ومنحت الطائرات المصرية حق اللجوء إلى شمال غرب المملكة؛ لإنقاذها من القصف، ووضعت الرياض مقاتلات نفاثة من طراز فامبير تحت تصرف القاهرة، وشارك في تلك الحرب الملك سلمان والملك فهد والأمير محمد بن عبد العزيز.
حرب اليمن بداية التوتر
وبدأ توتر العلاقات السياسية بين البلدين حين أرسل جمال عبد الناصر في 26 أيلول/ سبتمبر 1962 الجيش المصري إلى اليمن؛ لدعم الثورة اليمنية التي قامت على حكم الإمامية، في الوقت الذي أيدت فيه السعودية الإمام اليمني محمد البدر حميد الدين. ولم تدم الأزمة طويلا، حيث انتهت بالصلح بين عبد الناصر والملك فيصل في مؤتمر الخرطوم، بعد نكسة 1967، وعندها ساهمت السعودية في نقل الجيش المصري من اليمن.
دعم مالي بعد نكسة 67
وعادت العلاقات للود ثانية، إثر العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن عام 1967، حيث دعا الملك فيصل الزعماء العرب إلى ضرورة الوقوف إلى جانب الدول الثلاث، وتخصيص مبالغ مالية كبيرة لمواجهة العدوان، واستمر ذلك حتى وفاة عبد الناصر عام 1970.
معركة البترول وحرب أكتوبر
وفي بداية عهد الرئيس أنور السادات، شهدت العلاقات أزهى عصورها، حيث استمر الدعم السعودي لمصر حتى حرب 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وقام الملك فيصل بقطع إمدادات البترول عن أمريكا والدول الداعمة لإسرائيل، كما زار مصر، وطاف عددا من المدن، فيما استقبله المصريون استقبالا حافلا وهتفوا: "مرحبا ببطل معركة العبور (السادات) وبطل معركة البترول (فيصل)".
"كامب ديفيد" والانتكاسة الثانية
وجاء توقيع السادات لاتفاقية "كامب ديفيد" مع إسرائيل عام 1979، والاعتراف بالدولة الإسرائيلية مقابل استرداد سيناء، ليعصف بعلاقات البلدين، حيث قرر الملك خالد بن عبد العزيز في 23 نيسان/ أبريل 1979 قطع العلاقات
الدبلوماسية مع مصر، وكان رد السادات عنيفا، وشن هجوما حادا على السعودية.
مبارك وفهد وعلاقات هادئة
وشهدت العلاقات المصرية السعودية علاقات هادئة طوال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك والملك فهد بن عبد العزيز، حيث عادت العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مرة أخرى عام 1987، كما أنه لم تشهد العلاقات أي توترات خلال عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز حتى نهاية حكم مبارك في 11 شباط/ فبراير 2011.
ثورة يناير
ومع انطلاق شرارة ثورة يناير 2011، تقلب الموقف السعودي من الثورة بشكل أغضب الثوار، ورغم أنه في اليوم الثاني للثورة شن مدير الاستخبارات السعودية السابق الأمير تركى الفيصل هجوما على نظام مبارك، إلا أن الملك عبد الله تدخل إثرها، معلنا دعمه لمبارك.
وبعد سقوط نظام مبارك، رحبت السعودية بالانتقال السلمي للسلطة، وأبلغت المجلس العسكري الحاكم رغبتها في تقديم دعم مالي لحكومة تسيير الأعمال، وقام المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بزيارة السعودية -رغم الأوضاع الداخلية المتأزمة- لتأدية واجب العزاء في الأمير نايف بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي.
شرخ جماهيري
ورغم أن
الأزمات التي مرت بها علاقات البلدين كانت بين حكامها، إلا أن أول أزمة شعبية حدثت بعد أشهر من ثورة يناير، وعلى خلفية تشكيك الحكومة السعودية في نوايا الثوار وأهداف الثورة. ففي أيلول/ سبتمبر 2011، تظاهر مئات المصريين أمام سفارة السعودية؛ احتجاجا على أزمة تكدس آلاف المعتمرين المصريين عدة أيام في مطار جدة، ما اعتبره المتظاهرون سوء معاملة سعودية.
وإثر توقيف الرياض للمحامي المصري أحمد الجيزاوي؛ بتهمة حيازة مواد مخدرة، تظاهر مئات النشطاء أمام السفارة السعودية في القاهرة. وفي نيسان/ أبريل 2012، قررت الرياض غلق سفارتها بالقاهرة وقنصلياتها بالإسكندرية والسويس، واستدعت سفيرها أحمد قطان للتشاور، وهو الموقف الذي تداركه المجلس العسكري؛ بإرسال وفد من برلمان الثورة للرياض، التي تعهدت بتقديم 2.7 مليار دولار لدعم مصر.
الانقلاب العسكري
ورغم أن الرئيس محمد مرسي كان الرئيس المصري الأول المنتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، إلا أنه لم يرق للسعودية أن يحكم أكبر دولة عربية رئيس من جماعة الإخوان المسلمين؛ لذا سارعت الرياض إلى تأييد الانقلاب العسكري ضد مرسي في تموز/ يوليو 2013، وقدمت من الدعم ما يربو على 50 مليار دولار لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي على مدار أربع سنوات.
وإثر وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز في 23 كانون الثاني/ يناير 2015، بدأت الهوة تتسع بين البلدين، بسبب خلاف حول ملف سوريا ومصير بشار الأسد، الذي يدعمه السيسي ويرفض بقاءه الملك سلمان، الذي خلف أخيه، وواصل أيضا تقديم الدعم للنظام في مصر.
مصرية أم سعودية
وفي نيسان/ أبريل الماضي، استقبلت القاهرة الملك سلمان بن عبد العزيز بالترحاب، وتم الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، الذي تبعه تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو ما أثار غضبا شعبيا مصريا. ورغم أن سلطات الانقلاب تبنت وجهة نظر "سعودية الجزيرتين"، وتخوض صراعا قانونيا في المحاكم المصرية، إلا أنها لم تتمكن من التصديق على القرار، ولم تتخذ أي خطوات لتسليم الرياض الجزيرتين حتى الآن.
أهل السنة والجماعة
وظهر الغضب السعودي من مصر لأول مرة على مستوى النخبة، في 30 آب/ أغسطس الماضي، بعدما شاركت مصر برئاسة شيخ الأزهر أحمد الطيب في مؤتمر "من هم أهل السنة والجماعة" بالعاصمة الشيشانية غروزني، خاصة بعد استثناء المؤتمر التيارات السلفية من الانتماء لأهل السنة والجماعة، دون اعتراض الأزهر، ما دفع كتابا وعلماء سعوديين لمطالبة السيسي بإقالة شيخ الأزهر.
توتر وتلاسن
وعاد التوتر مصحوبا بالتلاسن الإعلامي بين الجانبين، وعبر صفحات التواصل الاجتماعي، إثر تصويت مصر لصالح مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا في 9 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما أثار غضب السعودية التي وصفت موقف مصر بـ"المؤلم".
وجاء الرد السعودي في اليوم التالي بإعلان شركة أرامكو السعودية وقف إمداد مصر بالمواد البترولية المتفق عليها بين البلدين في أيار/ مايو الماضي.
التقارب المصري الإيراني الروسي
وسببت حالة التقارب المصرية مع الجانبين الإيراني والروسي، وخروج نظام الانقلاب عن "الإجماع العربي"، قلقا سعوديا، خاصة أن هناك خلافا دائما وصراعا قائما بين الرياض وطهران في ملفات اليمن وسوريا والعراق.