نشر قبل فترة قصيرة التقرير السنوي لمجلة R&D Magazine الذي يتحدث عن الدعم أو الإنفاق على البحث والتطوير على مستوى العالم. وقد بدأت المجلة بنشر تقريرها السنوي منذ عام 1959، وكان مقتصرا على الولايات المتحدة، ثم تطور ذلك التقرير ليشمل دول العالم منذ عام 2005. ويتوقع تقرير عام 2016 زيادة في الإنفاق على المستوى العالمي بنسبة 3.5 في المئة ليصل حجم الإنفاق إلى 1.948 تريليون دولار. وتجدر الإشارة إلى أن البحوث العلمية تصنف إلى طيف واسع من الأنواع، ما بين "البحوث الأساسية" Basic Research من جهة، و"البحوث التطبيقية" Applied Research من جهة أخرى.
وفي حين يرتكز اهتمام "البحوث الأساسية" على إنتاج المعارف الجديدة Creation of New Knowledge، لمحاولة فهم، أو تقديم تفسيرات ونظريات تتعلق بالظواهر والقضايا التي يتعامل معها الإنسان، أو يتأثر بها، سواء أكانت ظواهر طبيعية، أم اجتماعية أم إنسانية، فإن البحوث التطبيقية، تعنى بإنتاج المعارف التي يمكن استخدامها وتطبيقها مباشرة لإيجاد حلول لمشكلة، أو ظاهرة محددة. وبالتحديد يقصد بمصطلح "البحث والتطويرResearch and Development-R&D الاستفادة من البحوث الأساسية والتطبيقية في عمليات تطوير وإنتاج سلع، أو خدمات أو عمليات صناعية جديدة. فجميع الحلول والسلع والخدمات الاقتصادية التي نستفيد منها أو نستخدمها اليوم كانت -في الغالب- مبنية على معارف جديدة نتجت عن بحوث أساسية تمت قبل عقود من الزمن، ثم تحولت -فيما بعد- إلى تطبيقات من خلال براءات اختراع نتجت عن البحوث التطبيقية.
وعودا على تقرير الإنفاق على البحث والتطوير لعام 2016، يلاحظ أن إنفاق الدول الآسيوية (وتشمل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية) يمثل أكثر من 40 في المئة من الإنفاق العالمي، وتشارك أمريكا الشمالية بنحو 30 في المئة من الإنفاق العالمي، في حين يشكل إنفاق الدول الأوروبية نحو 20 في المئة، أما دول الشرق الأوسط فلا يكاد يتجاوز إنفاقها 2 في المئة من إجمالي الإنفاق العالمي.
أما على مستوى الدول، فتأتي الولايات المتحدة في المقدمة من حيث حجم الإنفاق البالغ 516 مليار دولار، أي ما يعادل 26 في المئة من الإجمالي العالمي، تليها الصين بقرابة 400 مليار دولار، أي 20 في المئة من الإنفاق العالمي. وتجدر الإشارة إلى أن قطر تأتي في المرتبة الـ26، والسعودية في المرتبة الـ32، ومصر في المرتبة الـ38.
وبناء على نسبة الإنفاق إلى الناتج المحلي الإجمالي GDP، تأتي كوريا في المرتبة الأولى عالميا بأكثر من 4 في المئة، وهذا هو أحد أسرار بزوغ شمس كوريا في فضاء الصناعة خلال العقدين الماضيين، تليها إسرائيل (3.93 في المئة)، ثم فنلندا (3.55 في المئة)، ثم السويد (3.4 في المئة)، فاليابان (3.39 في المئة). أما الدول العربية التي دخلت قائمة الأربعين الأكثر إنفاقا، وهي: السعودية ومصر وقطر، فنسب إنفاقها إلى الناتج المحلي الإجمالي صغيرة نسبيا لا تتجاوز (0.4 في المئة)، باستثناء قطر التي تصل نسبة إنفاقها إلى (2.7 في المئة) من الناتج المحلي الإجمالي.
ولا شك أن البون الشاسع بين الدول العربية والدول الصناعية الآسيوية، كوريا والصين على وجه الخصوص، يعكس التحديات التي تواجه الدول العربية، ويشير إلى ضرورة زيادة الإنفاق على البحث العلمي، إذا أرادت الدول العربية اللحاق بركب الدول الآسيوية. ومن المحزن أن اليابان وكوريا كانتا قبل عقود قليلة تنظران إلى مصر بإعجاب وتطمعان في الاستفادة من تجربتها، ولكن أين مصر الآن من تلك الدولتين من حيث الإنتاج الصناعي أو حجم الناتج المحلي الإجمالي؟!
وختاما، فعلى الرغم من وجود كفاءات مميزة في الجامعات العربية، فإن مشاركتها في عملية البحث والتطويرResearch and Development - R&D محدودة جدا، لأن الأمر يتطلب وجود بنى تحتية متينة، ودعم مادي كبير، ونظم إدارية متطورة، وقيادات بحثية ثاقبة النظر، وهذا ما لا يتوافر في وطننا العربي!
الاقتصادية السعودية