أكد
مركز القاهرة لدراسات
حقوق الإنسان أن تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها قطاعات واسعة من الشعوب العربية، واستمرار التهميش السياسي، والنزاعات المسلحة، عظّم من قدرة التنظيمات العنيفة والمتطرفة على تجنيد أعضاء جدد في صفوفها، وأدى إلى خلق وضع كارثي غير مسبوق في المنطقة على صعيد المعاناة الإنسانية وحقوق الإنسان.
وحذر -في تقريره الصادر الخميس حول حالة حقوق الإنسان في 11 دولة عربية- من تصاعد "العنف في المنطقة وانتشار الأيديولوجيات المتطرفة، في ظل استمرار الفشل في مواجهة الخطاب الديني العنيف والإقصائي الذي تتبناه العديد من الحكومات، والمتغلغل في المؤسسات الدينية والتعليمية الرسمية، فضلا عن التأثير النوعي للتوتر السني/ الشيعي، وانهيار النظم القضائية الوطنية، وتزايد عجز النظام الدولي لحقوق الإنسان عن مواجهة التدهور".
فحسبما يقول مدير مركز القاهرة، بهي الدين حسن، في مقدمة التقرير، الذي حمل عنوان "حقوق الإنسان تحت الحصار"، فإن "حكام دول المنطقة يزعمون أنهم مضطرون لتقييد الحقوق والحريات؛ لأن مكافحة الإرهاب لها الأولوية، باعتباره الخطر الأعظم على الشعوب العربية والعالم، ولكن الحقيقة أن شعار التصدي للإرهاب لا يشكل إلا ثمنا لشراء صمت
المجتمع الدولي على جرائم الحرب وضد الإنسانية وحقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومات العربية يوميا بحق مواطنيها وشعوب أخرى".
وأضاف "حسن": "مقارعة التمدد الإيراني في المنطقة، خاصة في سوريا ولبنان والعراق واليمن، والتصدي للمذهب الشيعي، والتأكد من دفن الربيع العربي، هي أولويات المملكة العربية السعودية وبعض إمارات منطقة الخليج، وليس القاعدة أو داعش، بينما أولويات سوريا تصفية المعارضة المعتدلة لا المتطرفة".
وأردف: "أما أولويات العراق، فهي استمرار تأمين هيمنة الطائفة الشيعية على السلطة والثروة على حساب السنة والأكراد، وأولويات الحكومة
المصرية قطع الطريق أمام احتمالات اندلاع موجة ليبرالية جديدة للربيع العربي وليس داعش".
واستطرد قائلا: "لقد صار استمرار وجود داعش عاملا تهديديا مؤثرا، وهو ضرورة حيوية لإضفاء مشروعية زائفة على حكومات بعض الدول العربية، وتقليل ضغوط شعوب المنطقة والمجتمع الدولي عليها؛ من أجل الإصلاح السياسي والاقتصادي، واحترام التزامات حقوق الإنسان".
ورصد التقرير السنوي السابع لمركز القاهرة في ثلاثة فصول حالة حقوق الإنسان في العالم العربي خلال عامي 2015 و2016؛ إذ يركز الفصل الأول على اتجاهات تطور وضعية حقوق الإنسان في كل من السعودية والبحرين وسوريا والعراق وليبيا والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومصر والسودان واليمن وتونس والمغرب.
بينما يقدم الفصل الثاني تحليلا لكيفية تناول مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لأزمات حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والأدوار التي لعبتها الحكومات العربية داخل المجلس؛ إذ يرصد تصاعد قدرة الدول الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان في العالم (منها السعودية ومصر) على إضعاف المجلس، وحماية أنفسهم وحلفائهم من الدول التسلطية داخل العالم العربي وخارجه من المساءلة داخل المجلس.
أما فصله الثالث، فيتناول جذور وأسباب تفشي ظاهرة العنف والإرهاب في المنطقة العربية، وفهم هذه الظاهرة في سياقاتها الإقليمية والدولية، لافتا إلى أن التحولات السياسية في المنطقة العربية منذ اندلاع الثورات والانتفاضات الشعبية في بعض بلدان المنطقة في 2011 تسير في اتجاهات متناقضة ودامية.
وقال: "في مصر، يسعى نظام السيسي إلى دعم منظومة حكم سلطوية عسكرية وإقصائية، مستخدما في ذلك كافة الأدوات الأمنية والتشريعية والقضائية، ومستغلا حالة القلق من الفوضى والعنف التي تسود قطاعات واسعة من الرأي العام".
وأكد أن "المؤشرات الحالية في مصر تشير أيضا إلى تصاعد الغضب وعدم الرضا عن أداء النخبة الحاكمة والأجهزة الأمنية، مع تزايد تخوفات العديد من السياسيين والمثقفين من أن غلق المجال العام، والتوسع في
انتهاكات حقوق الإنسان بهذا الشكل المتلاحق والمنهجي، ينتج عنه مخاطر على كيان الدولة المصرية، ويفاقم من التطرف والإرهاب في المجتمع".
وذكر التقرير أن "مرتكبي جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في العالم العربي يفلتون بأفعالهم من المحاسبة والعقاب، والمؤسسات القضائية في هذه البلدان إما غير قادرة -نتيجة الصراعات المسلحة وانهيار مؤسسات الدولة- أو تفتقد للنزاهة والاستقلالية المطلوبة لمحاسبة أفراد الأجهزة الأمنية والعسكرية".
وشدّد على أن المجتمع الدولي لا يضع المحاسبة والعدالة في أولوياته في التعامل مع قضايا هذه المنطقة، بل إن كثير من الأسلحة التي تستخدم من جانب منتهكي حقوق الإنسان -مثل السعودية ومصر والبحرين- تستورد من الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.