رفض رئيس الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، دعاء "فتاة العربة"، منى بدر، له بأن يعطيه الله "على قد نيته"، طالبا منها أن تدعو الله له بأن يعطيه "من فضله"، لكنها عاودت الدعاء له مجددا، ما دعاه إلى تكرار طلبه منها، رافضا دعاءها بالصيغة التي قالتها، لدى تكريمه لها، بينما طالب الإعلامي إبراهيم عيسى، السيسي، بالاعتذار لها وللملايين أمثالها، من نساء مصر، ممن تسببت سياساته في معاناتهن.
وقال المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، علاء يوسف إن "السيسي ناقش خلال اللقاء مع السيدة منى بدر، صباح الأحد، ما يُمكن توفيره لها من احتياجات بهدف تحسين ظروفها المعيشية".
وأضاف أن "الرئيس أشار إلى قيام وزارة الإسكان بتوفير شقة مجهزة بكامل الأثاث لها ولأسرتها، ووجه بمساعدتها في تعلم قيادة السيارات، على أن يتم توفير سيارة نقل بضائع لها؛ لتقودها بدلا من جر عربة البضائع، متكفلا بتحمل تكلفة تأثيث شقة نجل شقيقها حتى يمكنه من الزواج"، وفق بيان رسمي أصدره.
وكان السيسي استقبل، صباح الأحد، بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة، منى السيد إبراهيم بدر، صاحبة صورة "جر عربة البضائع"، بالإسكندرية، بعدما انتشرت صورتها، وهي تجر عربة البضائع بيديها لتكسب قوت يومها، الأمر الذي دفع السيسي لطلب لقائها وتكريمها، حيث وعد بمنحها شقة، ورحلة عمرة، وعربة جديدة، معتبرا إياها "نموذجا مشرفا وقدوة عظيمة لجميع المصريين".
وأذاع التلفزيون المصري، مساء الأحد، نص اللقاء، وترحيب السيسي بها، وكان الإعلامي عمرو أديب، ألقى الضوء على تجربتها، في برنامجه "كل يوم"، عبر فضائية "أون تي في" الاثنين الماضي، حيث ظهرت الفتاة، وهي تجر عربة لكسب قوت يومها، في حين يجاورها شباب يجلسون على المقاهي.
وطالب أديب رئاسة الجمهورية باستضافة الفتاة، وتكريمها، الأمر الذي استجابت إليه رئاسة الجمهورية، واستدعت الفتاة للقصر، وفق وسائل الإعلام المحلية.
ماذا دار في لقاء السيسي ومنى؟
وفي اللقاء، دعت الفتاة الله بأن "يعطي السيسي على قد نيته"، ليفاجئها بالرد قائلا: "لا.. قولي "من فضله" أحسن.. لأن فضل ربنا أكتر من النية"، لتكرر الفتاة الدعاء مرة أخرى، وهو ما دفع السيسي إلى الضحك، قائلا: "برضه.. تاني.. نفس الدعوة".
وكما بدا في مقطع الفيديو المسجل، المعمم على الإعلام المحلي، من قبل مؤسسة الرئاسة، فقد بدأت الفتاة اللقاء بالدعاء للسيسي بالقول: "ربنا يعينك.. ويعينَّا".
وانتقدت منى "الناس اللي بتقعد على القهوة (المقهى)، وتدخن السجائر، ولا يبحثون عن لقمة عيشهم".
ولما أنبأها السيسي بأنه تقرر ذهابها لأداء العمرة، وسألها: "مبسوطة؟"، أجابت: "مبسوطة أن أنا شفتك".
فقال: "أنتِ دلوقتي بقيتي مثلا في مصر، وقدوة عظيمة جدا".. فقالت: "لازم الناس تشتغل وتتعب.. هم مش لاقيين شغل علشان قاعدين على القهوة.. بس كده".
فسألها: "طب تقولي لهم إيه؟".. فأجابت: "أقول لهم: لازم تجروا على لقمة عيشكم، وبالحلال".
وأخذت الفتاة تدعو للسيسي قائلة: "ربنا يعينَّا ويعينك.. ويخلِّي ليك عيالك.. ويديك (يعطيك) على قدِّ (قدر) نيتك". (الدقيقة الرابعة والثانية رقم 35 من المقطع).
فقاطعها السيسي سريعا: "لا.. يديني من فضله أحسن". فقالت: "ويديك من فضله، ومن عنده.. من عند الله"، فعقَّب السيسي: "اللهم آمين".
ثم سألها: "عايزة تقولي إيه للمصريين؟".. فقالت: "عايزة أقول لهم: اشتغلوا واتعبوا.. ويشوفوا أكل عيشهم عشان يشوفوا الدنيا ماشية معاهم".
وبعد قليل أخذت تتحدث عن جهاز ابن أخيها للزواج، فقال لها السيسي: "مين اللي هيجيب الجهاز: هو أم هي (العروس)؟"، مردفا أنه (السيسي) سوف يشتريه له.
فدعت الفتاة قائلة: "ربنا يديك من فضله".. فقال: "اللهم آمين".. لكنها عادت لتقول: "ويديك على قدَّ نيتك".. فعلَّق قائلا: "برضه تاني".. مقهقا بهستيريا: "إيه تاني يا ست منى؟".. فقالت: "ويسترها معاك دنيا وآخرة".. فقال: "اللهم آمين".
وتابعت حديثها: "أنا أفضل أشتغل لآخر يوم في عمري.. البت زي الولد.. لازم تتعب، وتشقى؛ علشان تلاقي".
وهنا دعت مرة أخرى: "ويديك على قد...".. لكنها تجلجلت، وتذكرت نهيه لها عن هذ الدعاء بالنية، فقالت: "يديك (يعطيك) على قدَّ اللي أنت عاوزه".
فسألها: "عارفة أنا عايز إيه؟".. فقالت: "عايز الستر".. فقال: "عايز ستر مصر"، ليشيد السيسي باللي "بيشتغلوا ويدوا (يعطون) غيرهم، بينما أخذت هي تخاطب كل مصري بالقول: "لازم تجري عشان تشقى وتتعب.. كل ما تشقى وتتعب هتلاقي خير، والبلد تتصلح، وتبقى في خير وسعادة".
وعاد السيسي لسؤالها: "أنتِ ما بتأكليش"، فقالت: "آكل مرة واحدة في الصباح، وأبقى عليها حتى أعود للغداء مع أختي".
واختتم السيسي حواره معها قائلا: "أنا بأتعجب على قدرة ربنا في خلقه.. بأنه خلَّى الست منى مثلا لينا كلنا".
وأخذ يعدد ما تم منحه لها: "الشقة والفرش والعمرة، والعربية، وفرش أختك.. أنا هاجيب لكِ (العربية) من معايا".
وسألها: "مش عايزة حاجة ثانية؟"، فأجابت: "مش عايزة غير الستر من عنده"، فاختتم حواره معها قائلا: "اللي أنت بتعمليه ده يا ست منى قمة الشرف.. تسمحي لي أوصلك للعربية". وقام بتوصيلها للسيارة، وفتح باب السيارة بنفسه لها.
استغلال دعائي فج للحوار واللقاء
وتوسعت الصحف ووسائل الإعلام المصرية، في نشر تفاصيل اللقاء، الاثنين، واعتبرته "لفتة إنسانية فريدة من قِبَل السيسي"، مشيرة إلى أنها لفتة تكررت منه كثيرا، وأن للسيسي ستة مواقف عبرت عن مساندته للمرأة، وأن "الرئيس يقدم النموذج والمثل في تعامله مع المصريين".
وأجرت العديد من الصحف والفضائيات حوارات مع الفتاة، التي صرحت بأنها تشعر بالسعادة؛ لأن الجميع أطلق عليها عبارة: "أنتِ بمائة رجل"، التي قالها لها السيسي.
وأسبغ موقع :"دوت مصر"، المملوك للمخابرات المصرية، على السيسي، تعليقا على اللقاء، أوصافا مثل: "يفتح الباب".. "يحمل الدرع".. "يقبل الرأس".. مواقف كثيرة ظهر فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي يقدر ويهتم بمواطنيه، ليضرب المثل ويثبت أنه "جنتل مان" في كل تصرفاته".
وقال موقع "اليوم": "آخرهن فتاة التروسيكل.. 5 غلابة في حضرة السيسي، وعددهن الموقع بأنهن ضحية التحرش بميدان التحرير، والحاجة زينب المتبرعة بالذهب، وسيدة البرلمان التي صرخت للسيسي بإنقاذ ابنها، والحاجة صيصة.. 40 عاما في زي الرجال، وأخيرا: "فتاة التروسيكل".
ومن جهتهم، رأى مراقبون أن اللقاء بين السيسي ومنى؛ مصطنع من قبل السلطات في هذه الآونة، التي بلغت فيها شعبية السيسي أدنى درجاتها، وذلك بهدف الدعاية له، وسط ملايين المصريين الكادحين، من الذين ازدادوا فقرا ومعاناة تحت حكمه، بسبب السياسات الاقتصادية المؤلمة التي يتبعها.
وأضافوا أن اللقاء رسالة غير مباشرة للمصريين أيضا، بحتمية تحمل الصعوبات، تأكيدا لتصريحات السيسي الدائمة التي تطالب المصريين بالعمل، بغض النظر عن المعاناة والمشقة بالمهن كافة، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية المتردية في البلاد.
عيسى للسيسي: "احتفاء على ايه.. اعتذر لها"
ومن جهته، علق الإعلامي إبراهيم عيسى، على اللقاء، في برنامجه "مع إبراهيم عيسى"، عبر فضائية "القاهرة والناس"، مساء الاثنين، مهاجما السيسي بضراوة، ومحملا إياه المسؤولية عن وجود الملايين من أمثال "منى بدر" بين نساء مصر، بسبب فشل سياساته، وإفقاره للمصريين، مطالبا إياه بالاعتذار لها.
وقال عيسى: "لقينا منى بدر.. طيب.. شغلها لا علاقة له بسيدة ولا برجل.. هذه البضائع يجرُّها إما سيارة أو حصان، وليس بني آدم.. المفروض.. كونها تشتغل الشغلانة دي.. اللي فيها الشقاء والتعب.. المفروض أن إحنا نعتذر لها.. أنا والمجتمع المصري، وأيا من كان يملك قرارا في هذا البلد".(يقصد السيسي).
وأضاف: "نعتذر لها، ويعتذر (لم يحدد يقصد من؟).. لعشرة ملايين "منى بدر".. إن إحنا عملنا فيها كده.. ده مشهد إدانة لمجتمع، وليس إعلاء وتعظيم.. ده مشهد إدانة لمجتمع وسياسة بلد وسياسة حكومة ونظم سياسية تدير مصر.. مش مشهد تعظيم.. المجتمع حرم منى بدر من كل تتطلبه فتاة".
واستطرد عيسى: "طيب احتفينا بمنى بدر.. طيب وبعدين.. هنعمل أيه مع ملايين منى بدر"، مشيرا إلى أن 33 بالمائة من الأسر في مصر تعولها نساء".
وأضاف: "حرمنا منى كمجتمع وسياسة من الحياة.. مش حالة إنسانية.. ده مشهد موجع لنا كسياسة، وليس حالة إنسانية.. حفاوة بحالة.. لماذا؟ مش نحيي منى.. دي يمشي فيها محافظ.. وغيرها آلاف وملايين.. نغير الوجع ده.. نهتم بالجانب الخيري.. المحافظ يعطيها شقة.. الدولة مش مهمتها خيرية..
طيب وكم مليون منى بدر هناك؟
وشدَّد على أن "هذه الصورة تدعونا إلى مراجعة سياساتنا، وتجعل من هذا المشهد جارحا لمصر، مؤلما لسياستها، كاشفا لسياسييها، طاعنا في حكومتها"، مردفا: "الرئيس بيقول لها هنجيب لك عربية.. دي مش شغلتها، ومش شغلة بني آدم".
وتابع: "عشرين سنة تجرُّ.. فيما ليس هو مهمتك كبني آدم أصلا.. احتفاء بإيه.. بشقاء امرأة.. مصر كلها شقيانة، وطالع عين اللي خلفوها.. ما يغروكوش إن إحنا فرحانين بماتش.. معديين موضوع ما فيش سكر.. ما هي كانت رايقة يوم 24 يناير و25 يناير الصبح".
وأردف: "ما فيش رجل سياسة في البلد.. مشهد منى بدر يدين بلدا وحكومة وشعبا.. ويستحق اعتذارا لها وللمصريات الشغالات الشقيانات.. ونخلص إلى أنه هناك سياسات لابد أن تتغير، وأن مصر لا يجب أن تدار بالأعمال الخيرية".
وتابع: "كلها سياسات خاطئة بالصورة دي.. ومنى بدر تحتاج لاعتذارنا؛ لأننا حرمناها من أنوثتها"، مشيرا إلى "المسؤولين في الدولة اللي سياسات الإفقار وسياسات التعليم اللي بتطلع غير المؤهلين..وإهمال الشرائح والطبقات الاجتماعية".
وأردف: "كل هذه السياسات قادت إلى مشهد منى بدر تجر سيارة أو بضائع لا هي شغلتها كإنسانة وبني آدمة، ولا هي مهمة بني آدم أصلا".
واختتم تعليقه الموسع بالقول: "المفروض المشهد ده يتحول إلى سياسة.. إلى قرارات بمنع النساء والأطفال من جر مثل هذه السيارات والبضائع.. هذه سياسة لا تودي لأي حاجة، و"منى بدر" عنوان على فشلنا مش عظمتها"، حسبما قال.