لقيت الدعوة التي أطلقها نائب المرشد العام لجماعة
الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، عبر صحيفة "
عربي21"، إلى "حكماء الشعب المصري"، أو "حكماء الدنيا"، لرسم صورة واضحة للمصالحة بين أطراف الأزمة المصرية.. صمتا مطبقا من قبل أركان نظام حكم رئيس الانقلاب، عبدالفتاح
السيسي، في وقت انطلقت فيه أذرعه الإعلامية والبرلمانية والسياسية والأمنية في تشويهها، والتشكيك فيها، وإعلان رفضها، واعتبار أن الإخوان قد رفعوا بها "الراية البيضاء" أمام النظام.
ووصف برلمانيو السيسي تصريحات منير بأنها "مؤامرة لكسب التعاطف الدولي، وأنها دليل على انهيار الجماعة"، بينما رأى عدد كبير ممن يُطلق عليهم "إخوان السيسي"، ويقدمهم إعلامه باعتبارهم "إخوانا منشقين أو سابقين"، أن التصريحات غامضة، ووصفها خبراء أمن، موالون للسيسي أيضا، بأنها "بحث عن ملاذ آمن بعد أن ضاقت على الإخوان الأرض بما رحبت"، وفق زعمهم.
ماذا قال منير وأكده لاحقا؟
وكان إبراهيم منير قال في حوار مع "
عربي21"، السبت: "تعلمنا من ديننا، ونؤمن بما جاء في كتاب الله - عز وجل- وفي سورة الأنفال بقوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)".
وأضاف: "أعلن الانقلاب العسكري حربا على مصر كلها وقتل آلافا واستباح الأعراض والدماء بغير حق، ونقول ونحن جادون: فليأتنا من حكماء شعبنا أو من حكماء الدنيا، من يرسم لنا صورة واضحة للمصالحة، التي يعلقها البعض في رقبة الجماعة ورقاب الفصائل الشريفة المعارضة للانقلاب التي تحقق السلم والأمن بكل الأمة المصرية، دون مداهنة أو خداع أو كذب على الناس، وعندها تكون ردود الفعل".
وفي مداخلة هاتفية، مساء السبت، ببرنامج "مصر النهارده" الذي يقدمه الإعلامي محمد ناصر على شاشة قناة "مكملين" الفضائية، أكد نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، صحة المقابلة التي أجراها، مع "
عربي21".
وأشار إلى أن "شروط
المصالحة التي يمكن للإخوان الموافقة عليها واضحة جدا، وعلى رأسها عودة شرعية الشعب المصري، وهي شرعية الانتخابات التي جرت عام 2012 (الرئيس والمجالس التشريعية والنيابية) كما كانت، ثم نترك للمؤسسات الشرعية المنتخبة أن تكون هي صاحبة الكلمة الأولى في هذا الموضوع، وقد يشاركها آخرون، إلا أن الكلمة الأولى لها في هذا الأمر"، حسبما قال.
نظام السيسي يلزم الصمت وأذرعه ترد
ولزم نظام السيسي الصمت تجاه التصريحات السابقة لمنير، واكتفى بتحريك أذرعه المختلفة للرد عليها، سواء إعلاميين، أم برلمانيين، أم سياسيين، أم أمنيين، أم باحثين يطلق عليهم في الإعلام المصري وصف "إخوان"، أو "جهاديين"، أو "منشقين".
قائد مليشيا السيسي الإلكترونية: أرفض الصلح
وعلّق قائد مليشيا السيسي الإلكترونية، الكاتب إبراهيم الجارحي، في تدوينة، عبر حسابه بموقع "فيسبوك"، قائلا: "كلام واضح وقبل ما الدولة ترد على مناورة المصالحة مع الإخوان.. أنا أرفض أي مصالحة مع جهة تلاعبت بالأمن القومي، وقتلت وهددت وتآمرت على مقدرات هذه الأمة مع أعدائها في الداخل والخارج".
إعلاميو السيسي: تصريحات متناقضة
وقالت صحيفة "اليوم السابع" المقربة من السلطات: "الإخوان تطرح دعوة متناقضة للمصالحة.. تعرف عليها"، زاعمة أن الدعوة حملت بقدر هائل من التناقض، إذ زعم منير أن الجماعة جادة فيما سماه بالمصالحة، لكنه هاجم الأوضاع في مصر بعنف في الوقت ذاته"، بحسب الصحيفة.
وقالت صحيفة "الوطن": "دولي الإخوان يدعو للمصالحة.. وخبراء: مؤامرة لتجميل صورة التنظيم"، زاعمة أن عددا من الخبراء رفضوا دعوة أمين التنظيم الدولى للإخوان ونائب المرشد العام، للمصالحة مع الدولة، وقالوا إن الأمر "مؤامرة لتجميل صورة الإخوان في الخارج".
ومن جهتها، قالت صحيفة "الفجر": "الإخوان تدعو إلى المصالحة مع النظام المصري"، ناقلة تصريحات نائب المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين"، إبراهيم منير، دون أن تطلق وصف "الإرهابية"، أو "المحظورة" على الجماعة.
وشنت صحيفة "الدستور" هجوما حادا على "منير"، فقالت: "محلل الإخوان يعاود الظهور عبر بوابة المصالحة.. إبراهيم منير يطرح على الدولة فكرة التهدئة.. ويؤكد: الحل بأيدي حكماء الأمة .. وخبراء يرسمون سيناريو تخيليا حال نجاح الفكرة".
وأضافت "الدستور" أنه "رغم غموض الدعوة وتوقيتها، وعدم اتضاح موقف الدولة منها سواء بقبولها أو رفضها أو حتى تجاهلها، كان "للدستور" محاولة في رسم سيناريو تخيلي حال قبولها طلب الجماعة".
ومن جهته، علق موقع "دوت مصر" بالقول: "خبراء يجيبون.. لماذا طالبت جماعة الإخوان بالمصالحة في هذا التوقيت؟".
واتهم الموقع، إبراهيم منير، بأنه يسعى إلى تحقيق المزيد من المكاسب داخليا وخارجيا، بعد سيطرته على أغلب المكاتب الإدارية للجماعة في مصر.
أما موقع "أهل مصر"، فتساءل: "مصالحة أم تسوية؟"، قائلا: "انتهى زمن المكابرة.. علينا الاعتراف بأننا بحاجة إلى السلام.. هكذا رفع الإخوان المسلمون الراية البيضاء، أمام النظام المصري".
وفي سياق متصل، نقلت الصحف الموالية للسلطات، كالوطن، واليوم السابع، والبوابة، والفجر، تعليقات عدد ممن يعتبرهم المراقبون "إخوان السيسي"، الذين يقدمهم إعلامه باعتبارهم إخوانا سابقين، أو منشقين عن الجماعة.
وأبرزت تلك الصحف، ومواقع إخبارية موالية للسلطات، ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية عن الباحث كمال حبيب، من قوله إنه ربما تكون هناك رغبة لدى مجموعة القياديين القدامى أو التنظيميين في جماعة الإخوان في العودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وبناء جسور مع الدولة.
ووصف حبيب "تصريحات منير" بأنها "مفككة ومضطربة ومشوشة وتعكس خوف الإخوان من تنفيذ أحكام الإعدام".
وذكر أن فكرة المصالحة لا تزال غامضة، لأن نائب مرشد جماعة الإخوان لم يقل مع من سوف يتصالح، وتحدث في سياق تصريحاته عن "شرفاء في الجيش"، لكنه لم يحدد من هم هؤلاء الشرفاء.
ومن جهته، وصف هشام النجار، تصريحات منير، بأنها "كلام غامض، ولا يحدد مسارا، ويحمل أكثر من تأويل".
بينما أكد ثروت الخرباوي أن المصالحة مستحيلة. وكتب تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، قائلا: "لم تكن هناك خصومة من آدم ضد إبليس، لكن الخصومة كانت من إبليس ضد آدم، فهل يمكن أن يحدث صلح بين أبناء آدم وإبليس؟! هذا صلحٌ مستحيل".
أما سامح عيد، فقال إن السلطة والجماعة، غير قادرين على إعلان المصالحة "صراحة"، ولكن ربما يكون هناك "تسوية" على مستوى العمل والواقع، وليس على مستوى التصريحات المعلنة، كالسماح للإخوان بالتواجد في العمل السياسي ولو بشكل فردي، وليس تحت غطاء الجماعة.
وحول لماذا دعا "منير" إلى المصالحة في هذا التوقيت، قال عيد إن نائب المرشد لديه هذه الرغبة منذ فترة، ويرفض العنف، ويريد تحقيق مكاسب سياسية، والعودة إلى مصر، حسبما قال.
وقال الباحث السياسي، رفعت سيد أحمد، إن الظروف الذاتية التي يمر بها الطرفان، لا تسمح بإتمام المصالحة بينهما، مضيفا أنها تحتاج على الأقل إلى عقد حتى تدخل حيز التنفيذ.
وقال عز الدين دويدار، في تدوينة عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، السبت، إن المطروح من إبراهيم منير هو إعلان استسلام المهزوم للمنتصر في مقابل العفو عنه بشروط المنتصر في إطار ما يجود به المنتصر في غياب أي قدرة لك على انتزاع أبسط أهدافك أو حقوقك.
أما القيادي السابق بتنظيم الجهاد، أمل عبد الوهاب، فقال إن تصريحات إبراهيم منير، أمر كان متوقعا؛ لأنه لا يوجد خيار أمامها (جماعة الإخوان) للعودة مرة أخرى، إلا بالمصالحة، لا سيما بعد الضربات الموجعة التي تعرضوا لها، وبالتالي لا بد من تقديم تنازلات، وأهمها نبذهم للعنف، وتقديم شبابهم الذين شاركوا في أحداث العنف قربانا للمصالحة، وفق زعمه.
نواب السيسي: مؤامرة"لكسب التعاطف الدولي
من جهتهم، رأى عدد من أعضاء "مجلس نواب ما بعد الانقلاب" أن تصريحات منير "مؤامرة" لكسب التعاطف الدولي"، ودليل انهيار الجماعة.
وقال النائب علاء عبدالمنعم، إن "ما طرحه منير مؤامرة لكسب التعاطف الدولي، بعد أن اتضح للعالم أن هذه الجماعة إرهابية، وبالتالي فلا أحد في مصر يملك الموافقة على هذه المبادرة سوى الشعب الذى أضير منهم في أبنائه من الجيش والشرطة، لذا فإن مبدأ المصالحة غير مطروح".
وعلق النائب مصطفي بكري، على الدعوة بالقول إنها "دليل انهيار الجماعة، ومحاولتها البحث عن وسيلة للوجود مرة أخرى"، بحسب وصفه.
وفي سياق متصل، شكك خبراء أمن وسياسيون موالون للسيسي في دعوات الإخوان للمصالحة على لسان منير.
وعلّق الخبير الأمني، خالد عكاشة، مدير المركز الوطني للدراسات الأمني، قائلا، عبر حسابه على "فيسبوك": "عرض الإخوان للمصالحة.. بحث عن ملاذ آمن بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت".
وغير بعيد، قال الخبير بالشؤون السياسية محسن حامد، إن المصالحة مع جماعة الإخوان مرفوضة شعبيا، فلا يوجد بيت في مصر إلا وفيه شهيد أو مصاب تعرض لإرهاب التنظيم، من كل أجنحته العسكرية سواء في سيناء في حرب مباشرة مع الجيش المصري أو في المحافظات في صورة ضحايا للتفجيرات، بحسب زعمه.
وأكد أنه يرفض رفضا قاطعا هذه المصالحة، مهيبا بالسيسي بعدم الاستجابة إلى هذه المراوغات والالتزام بوعده الذي أطلقه قبل انتخابه للرئاسة عندما أعلن على الملأ وقال نصا: "ما فيش إخوان في عهدي".