في ما وصفه أطباء وحقوقيون بـ"القصف المنهجي"؛ فقد استهدف القصف الجوي للنظام الروسي وسوريا خلال الأسبوع الماضي، خمسة مشافٍ ميدانية في شرق مدينة
حلب المحاصرة، والخاضعة لسيطرة المعارضة، لتصبح حلب الشرقية "بلا مشافٍ".
ورأى مراقبون أن هذا القصف العنيف ليس لأهداف عسكرية، بل هو ضمن المنهجية الروسية العسكرية في الحرب، ولأهداف أخرى طويلة الصراع.
خمسة مشاف في أيام
وأكد الطبيب محمد ياسر الطباع، الناطق الرسمي باسم الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما)، استهداف خمسة مشاف خلال ثلاثة أيام، ما أدى لخروجها جميعا من الخدمة.
وقال إبراهيم أبو الليث، مدير المكتب الإعلامي للدفاع المدني السوري في حلب، إن الأيام الخمسة الماضية شهدت مقتل أكثر من 300 شخص وإصابة أكثر من 950، بالقصف الجوي الكثيف.
وأكد أبو الليث، في تصريحات لـ"
عربي21"، خروج جميع مشافي حلب من الخدمة، مشيرا إلى أنه لم يتبق سوى بعض المستوصفات والنقاط الطبية، غير المعدة لاستقبال هذا العدد الكبير من الجرحى.
وأضاف أنه "على سبيل المثال، حصلت الجمعة عملية فتح بطن في أحد الممرات بسبب عدم التجهيز"، مؤكدا أن هذا الوضع الخطير يتسبب بكارثة صحية على المدى الطويل، موضحا أن الكوادر الطبية وقفت "عاجزة" أمام الحالات الكثيرة التي وصلت إلى المشافي، بسبب قلة الإسعافات والتجهيزات الطبية.
وأشار الطباع، بقوله لـ"
عربي21"، إلى أن الأطباء كانوا يخلون ما يستطيعون إخلاؤه من الكوادر والأجهزة الطبية إلى نقاط طبية مؤقتة، "لأنهم أطباء ميدانيون يعملون في ظروف صعبة"، مؤكدا أن الكوادر الطبية من أطباء وممرضين ومسعفين، بمعظمها سليمة، باستثناء بعض الإصابات في مشفى عمر بن عبد العزيز الذي تم استهداف غرف وطوابق مختلفة منه مع صعوبة الإخلاء المباشر.
قصف منهجي
بدوره، أكد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن المشافي تستهدف بشكل منهجي ومنظم ومتعمد بعد تحديد أماكنها استخباريا، وليس قصفا عشوائيا، موضحا أن هذا "من أعلى أنواع الجرائم لأنها استهداف لأعيان مشمولة بالرعاية، وخصوصا المشافي والمدارس لأنها تكون مكتظة، ما يحقق أكبر عدد من المدنيين القتلى والجرحى".
وأكد عبد الغني، لـ"
عربي21"، أن هذا الاستهداف يمثل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية من النظام السوري وروسيا.
ونقل الطباع عن رئيس المجلس الطبي في حلب الحرة، قوله إن "الأطباء لن يخرجوا حتى يخرج آخر شخص من حلب"، موضحا أن بقاء الأطباء مهم جدا لثبات المدنيين، لأن خروج المشافي والأطباء يتسبب بالذعر بين الناس ويدفعهم للخروج، ولذلك "هم مصرون على البقاء".
عقوبة وتهجير
وحول دوافع هذا القصف المنهجي، رأى عبد الغني أنه يمثل "عقوبة للمجتمعات الحاضنة على الكفاح المسلح"، مشيرا إلى أنه يحمل في طياته عدة جرائم، منها: "القتل والتدمير واستخدام أسلحة غير مشروعة مثل الغازات السامة، والقصف المتعمد وغير المتعمد والحصار"، لتصل في النهاية إلى "التهجير والتشريد القسري"، الذي يؤدي إلى "التغيير الديمغرافي".
وأوضح عبد الغني أن هذا التهجير القسري حصل بالفعل، مشيرا إلى أن الأحياء المحاصرة التي يسكنها الآن ربع مليون شخص، كانت مسكونة من مليون وربع شخص، أي أن هناك مليونا غادروا بالفعل، إلى مناطق سيطرة المعارضة أو النظام أو حتى تنظيم الدولة "الأكثر أمنا"، بحسب تعبيره.
وأكد الطباع ما ذهب إليه عبد الغني، موضحا أن هذه الخطوة تأتي ضمن سعي
روسيا لـ"تفريغ المدينة من أهلها"، كما حصل في الشيشان بحرق من يقاوم، وإخضاع من يبقى، بحرمانهم من أبسط حقوقهم بالحياة والعلاج، بينما أشار كل من الطباع وعبد الغني إلى أن هذه الخطة بدأت جنوب البلاد، واستمرت حتى الشمال.
وأشار الطباع، بتصريحاته لـ"
عربي21"، إلى أن "هذه الخطة لا تسعى لوقف القتال، بل لتفريغ المدينة، خصوصا أن معظم الاستهداف كان المشافي والنقاط الميدانية، لا على النقاط العسكرية".
رسالة للمجتمع الدولي
من جانب آخر، رأى عبد الغني أن هذا القصف الكثيف يمثل رسالة للمجتمع الدولي، بأننا "نستطيع فعل ما نريد بدون مانع ولا رادع، بانتهاكنا المستمر لأكبر الخطوط الحمراء".
وأشار إلى أن هذه الرسالة حققت هدفها، حيث أصبح هذا القصف "أقرب للاعتيادية والطبيعية"، حيث أصبح عبد الغني، والحقوقيون والسياسيون، يطالبون بـ"مجرد الإدانة"، بعدما كانوا يطالبون بوقف هذا القصف، لإشعار "المجرمين" بقليل من العبء.
وأوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنه لم يكن هناك أي إدانة على أي مستوى كبير، من المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، أو الأمين العام للأمم المتحدة، أو أي مسؤول عربي أو غربي، في "صمت مريب".
من يوقف المجزرة؟
وحول سؤال وقف المجزرة، رأى الطباع أن هناك حاجة للمناصرة والدعم والإعداد "لتوضيح حجم المأساة وخطورتها"، والتأكيد على فكرة أن ما يجري في
سوريا "ليس صراعا مسلحا بين طرفي نزاع، لكنه هجوم من نظام مجرم بدعم دول مجرمة على شعب أعزل"، معتبرا أن هناك "تناسيا أو تجاهلا مقصودا أو غير مقصود لهذه الحقيقة من الأمم المتحدة، التي لم تشجب ما جرى، بل دعت الأطراف لوقف النزاع".
وتساءل عبد الغني، الذي ترفع "الشبكة" التي يديرها التقارير الحقوقية للأمم المتحدة: "من يحمي المدنيين في سوريا؟ من يحمي المشافي؟"، محملا مسؤولية حمايتها للمجتمع الدولي بعد أن فشل النظام في حمايتها، وتحول لقصفها.
وأوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن مسؤولية حماية المدنيين تقع على مجلس الأمن، معتبرا أنه "لا داعي لوجوده إذا لم يقم بهذه المسؤولية التي تقع في صلب مهامه، لأن هذا يهدد السلم والأمن المجتمعيين ويؤثر على الأمن والسلم الدوليين، وينعكس على بقية دول العالم".
ودعا عبد الغني للتفكير بكيفية علاج هذه الأزمة والكارثة، وتأمين أكبر سلامة ممكنة للمدنيين، داعيا للضغط من المجتمعات المحلية وحملات منظمة، بلغات مختلفة، "لإقلاق المسؤوليين الغربيين"، للضغط على إدخال المساعدات الغذائية والطبية التي تقف على أبواب حلب، ويمنعها النظام وروسيا من الدخول.
ورأى أن هناك تقصيرا تجاه أهالي حلب الشرقية على المستوى العربي الشعبي، من حيث الحملات والمظاهرات، رغم أن ما يجري "اعتداء خارجي من دولة أجنبية على دولة عربية، وحصار على يد مليشيات شيعية إيرانية مشاركة في الأرض".