نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للمعلق المعروف ديفيد غاردنر، يتحدث فيه عن ظاهرة
المليشيات في الشرق الأوسط.
وبقول الكاتب إن "تغيير أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد انتخاب ترامب سيظهر أثره في واقع المنطقة، الذي ذابت فيه قطع كبيرة، أو ما أطلق عليه المؤرخ إريك هوبسباوم (المليشياوية)، ويعني هذا في حالة دعم ترامب نظام الأسد في
سوريا، بناء على فكرة خاطئة، وهي أنه يقاتل
تنظيم الدولة، وسيحول الدعم الأمريكي من مليشيات وشركاء وجيوش خاصة إلى جيوش أخرى".
ويشير غاردنر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "ظاهرة المليشيات ليست جديدة في الشرق الأوسط، ففي أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1990) دعمت إسرائيل فصيلين مارونيين، ودعمت أنظمة عربية الفصائل الفلسطينية، وقامت إيران بإنشاء
حزب الله، الذي تحول إلى أقوى مليشيا في العالم، وفي المقابل، فإن الوضع (المليشياوي) الحالي مدهش، وبدأ يظهر كأنه المعيار القاتل، وليس هذا بسبب أن إيران هي المجربة المليشياوية، ولأنها في تحالف مع روسيا".
ويقدم الكاتب خريطة للمليشيات في المنطقة، ويقول إن "الولايات المتحدة تدعم في الوقت الحالي الأكراد وقوات عربية (قوات سوريا الديمقراطية) وهي ضعيفة اليوم، ومع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فقد تكون القوات الموالية للنظام قد سيطرت على حلب، ما يعني دعم الأسد والتحالف مع الطيران الروسي والمليشيات الشيعية على الأرض، التي ينسق الحرس الثوري عملياتها، القوة التي تنفذ وتستكشف للحرس الثوري في إيران، الدولة التي عدها الرئيس المنتخب دولة عدوة".
ويلفت غاردنر إلى أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري، والمسؤول عن العمليات الخارجية، بقيادة الجنرال قاسم سليماني، قام بتشكيل تحالف من المليشيات الشيعية في كل من
العراق وسوريا.
ويعلق الكاتب قائلا إن "الحديث عن الأمور بشكل صريح كالذي يقترح نظاما في وسط فوضى حقيقية، التي يسهم اللاعبون الآخرون فيها، وبشكل واسع".
وييبن غاردنر أن "روسيا، الراعي الرئيسي لنظام الأسد، وبالتعاون مع إيران، تحاول إعادة بناء الجيش السوري، لكن خسائره الفادحة التي تكبدها في السنوات الماضية تعني أن روسيا مضطرة للاعتماد على الحرس الثوري وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية والأفغانية".
وينوه الكاتب إلى أن "الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي رغم تردده في وضع قوات على الأرض، أرسل آلافا من جنود القوات الخاصة؛ لإعادة بناء الجيش العراقي، لا يزال يعتمد على المقاتلين الأكراد من قوات حزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا والبيشمركة في شمال العراق، واصطفت أمريكا في المعركة لاستعادة الموصل مع إيران، وهذا لأن الحكومة الشيعية، التي تسيطر على بغداد، والتي ساعدت الولايات المتحدة على إنشائها بعد عام 2003، موالية لإيران، وأضعف من أن تستطيع السيطرة على المليشيات التي شكلتها إيران، والتي تتمركز غرب الموصل".
ويفيد غاردنر بأن "تركيا، العضو في حلف الناتو، والمشاركة في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، تكرس جهودها لصد التقدم الذي حققه المقاتلون الأكراد؛ بسبب دعم الأمريكيين لقوات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تتهمه تركيا بأنه فرع لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا، ولتحقيق هذا فقد دعمت المقاتلين السوريين، بمن فيهم الجماعة الإسلامية السنية أحرار الشام، ومع تكثف الجهود لاحتلال الموصل، فإن تركيا تقوم بتدريب جيش سني خاص، يقوده محافظ نينوى السابق".
ويجد الكاتب أنه "بعد سقوط الموصل، الذي ربما يحصل في بداية العام المقبل، فإن التدافع للحصول على مناطق من عدد من المليشيات ورعاتها سيجعل من العراق الموحد أمرا مستحيلا، ومن المؤكد أن تحدث الفوضى ذاتها بعد سقوط الجزء الشرقي من حلب واستعادة الرقة، معقل تنظيم الدولة القوي في سوريا، وسيصبح وجود أمراء الحرب أمرا شائعا".
وينقل المقال عن الخبير في جيوش الشرق الأوسط توبياس شنايدر، الذي يشك في أن الدولة والجيش في سوريا لا يزالان قائمين، قوله: "لأول مرة تحولت الدولة السورية الشمولية المركزية المكونة من أجزاء مختلفة -طائفية رعوية- إلى مناطق تتمتع باستقلال سياسي واقتصادي عن دمشق".
ويذهب غاردنر إلى أن "هذا كله يعطي دفعة لجهود تنظيم الدولة في إقناع السنة لشن حرب ضد التحالف الغربي الصليبي المشين والشيعة، ولو أرادت دعاية تنظيم الدولة دليلا لإثبات هذا، فقد قدمه لهم حزب الله قبل 10 أيام".
ويخلص الكاتب إلى القول إنه "في القصير، البلدة القريبة من الحدود مع لبنان، التي سيطر عليها حزب الله، بعد معركة دموية في عام 2013، لربط دمشق مع المناطق الساحلية، التي يسيطر عليها نظام الأسد، نظم حزب الله استعراض (نصر)، وعرض فيه دبابات روسية الصنع وصواريخ مضادة للطائرات ومدرعات أمريكية الصنع، قد يكون غنمها من المقاتلين السوريين، أو من الموالين لإسرائيل في جنوب لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي، ففي وسط لعبة أمراء الحرب في الشرق الأوسط ما تزرعه تحصده في النهاية".