أعلن نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين،
أحمد الريسوني، أنه "ارتاح" لإزاحة الرئيس
محمد مرسي من رئاسة جمهورية مصر العربية، مشددا على أن ما جرى في مصر "انقلاب ودماء واستبداد وإلغاء لكل مكاسب الثورة"، كما أشاد بحركة النهضة وهاجم
السعودية وحذر من
إيران.
وقال أحمد الريسوني، الرجل الثاني في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح في حوار مع "الأيام الأسبوعية" المغربية، صدر الجمعة: "لقد كنت مرتاحا جدا لإزاحة مرسي من
الرئاسة وفرحت لذلك، لأنها كانت رئاسة في غير محلها".
رئاسة الإخوان خطأ
وتابع الريسوني أن "دخول الإخوان بهذه السرعة وبهذه القفزة الهائلة، كنت أعرف أنه عمل غير طبيعي، ولكن المشكلة طبعا ليست هي الانقلاب فقط وإزاحة مرسي، ولكن هي الدماء والاستبداد وإلغاء كل مكاسب الثورة".
وكشف الريسوني، أنه "قبل شهرين أو ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية في مصر حل مجموعة من قيادات الإخوان المسلمين بالمغرب، ونصحهم بعض الإخوان من الحركة ومن العدالة والتنمية، وأنا شخصيا نصحتهم، بألا يترشحوا للرئاسة".
وأضاف: "حتى بعد الرئاسة نصحهم بعض الإخوان من الحركة والحزب بأن يتخلى مرسي عن الرئاسة، وأن يدعم الإخوان مرشحا يكون فقط يحترم الحريات والديمقراطية، مثل عمرو موسى أو البرادعي، وهم تعجبوا واستهجنوا هذا الكلام الذي لم يكونوا يرون له مكانا، ولكن الآن يتمنون لو فعلوا ذلك".
وأوضح الريسوني، بأن "الجماعة منذ 80 سنة تعيش بين سجن ونفي وقتل، وتاريخ الدولة الحديثة في مصر هو تاريخ محاربة الإخوان المسلمين، منذ الأربعينيات وشغل الدولة الشاغل ووظيفتها الأساسية هي محاربة الإخوان المسلمين، بموجات تشتد وتخف".
وتساءل: "فكيف بالنسبة إلى هؤلاء في غضون شهور يستحوذون على مجلس الشورى، ومجلس الشعب ورئاسة الدولة والحكومة؟ لكنهم عاجزون رغم أن الشعب صوت عليهم، فالجيش والقضاء ضدهم، ورجال الأعمال والأقطاب والإعلاميون والفنانون ضدهم".
وتابع: "مصر فيها جيش عسكري وجيش أكبر منه يسمون فنانين، كل هذه الفئات والطبقات ضد الإخوان المسلمين، وهي التي تمسك بالدولة، وأنت تجلس على رأس الدولة، ما عساك تفعل؟".
أجاب قائلا: "لن تفعل شيئا سوى الفشل، وكان ممكنا أن يصبروا عليهم حتى يفشلوا تلقائيا، لكن أعداءهم لم يصبروا عليهم، خافوا من أن ينجحوا، ولذلك عجلوا بالانقلاب خشية نجاحهم، خافوا أن يتداركوا ويعالجوا نقصهم وعدم خبرتهم، فعجلوا بالإطاحة بهم حتى لا ينجحوا، ولا يراكموا تجربة مقدرة".
واعتبر الريسوني أنه "من الناحية السياسية كان ترشح الإخوان المسلمين للرئاسة غلطا، وكذلك الدخول في تحمل مسؤوليات الدولة بسرعة خارقة، من أعلى الهرم فقط، وإلا فإن جسم الدولة كان كله ضدهم، فكل موظفي الدولة عقيدتهم التي تربوا عليها هي معاداة الإخوان المسلمين ومحاربتهم، فكيف يمكن أن تحكم مع هؤلاء؟".
وأشار إلى أن عددا من العلماء خرجوا من الجماعة لأنهم لا يجدون مكانا لأفكارهم، ليس فقط لاتباعها بل حتى للاستماع إليها، فالإخوان المسلمون من الناحية الفكرية تنظيم مذهبي، وهذه المشاكل تعوق الإخوان المسلمين عن مسايرة متطلبات الزمان، وأن يجتهدوا وأن يفكروا باستقلالية، الآن وهم في هذه المحنة بدأ شيء من هذا، ولكن رغم ذلك مازالت القيادة الرسمية للحركة على ما ذكرته وعلى ما وصفته، مع العلم أن القيادة الحالية مع التقدير لمكانتهم وما قدموه من تضحيات فإنهم يعانون من ضحالة فكرية تماما، وأبرز أنه "مما زاد هذا الجمود الفكري، أن حركة الإخوان المسلمين ككثير من الحركات والأحزاب، ومنها اليسارية، لا تتيح حرية داخلية للمفكرين والعلماء، ولذلك فالشخص إذا أصبح عالما في جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن ينصرف لكي يبقى عالما، وإذا كان مفكرا لا بد أن ينصرف لكي يبقى مفكرا، لأنه داخل الجماعة ينبغي ألا تكون مفكرا ولا عالما، ولذلك يوسف القرضاوي ترك جماعة الإخوان المسلمين منذ 60 سنة، وترك الجماعة وتخاصم معهم، وانصرف عنهم مطرودا، والسيد سابق خرج منهم، والغزالي كذلك، وهم أبرز الشخصيات".
حركة النهضة
وأشاد الريسوني بالمواقف الأخيرة لحركة النهضة التونسية، قائلا: "حركة النهضة كذلك عاشت وضعا شبيها، وإن كان ذلك بشكل أقل، ولكن الحركة تراجعت إلى الوراء من تلقاء نفسها، لأن رئيس الحكومة والوزير يصدران قرارات ولا تنفذ، والجميع ضدها في الإدارة والمسؤولين والموظفين".
واعتبر أن قيادة الإخوان الحالية "ضحلة مقارنة بالشيخ راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في تونس فإنهم لامعون في الفكر، ومثقفون حقيقيون".
وزاد أن قرار النهضة فصل الدعوي عن السياسي: "أقول لك بكل صراحة إن أكبر تأثير في هذا القرار بالنسبة لحركة النهضة في تونس هو التأثير المغربي، وتأثير حركة التوحيد والإصلاح، وأنا شخصيا كنت قبل سنة أو أقل في تونس، وطلبوا مني أن ألقي محاضرة في مقر حركة النهضة لقياداتها، وأن أحدثهم بالخصوص عن تجربة الفصل بين الحركة وحزب العدالة والتنمية، وحدثتهم وشرحت لهم كيف تم ذلك، وكيف جاء، وإشكالاته ومزاياه، ولكنني كنت أشرح بطريقة حيادية، دون أن أدعوهم إلى ذلك، لكنهم في الأخير طلبوا مني رأيي بشكل صريح، قالوا نحن مقبلون على حسم هذا الأمر في مؤتمرنا المقبل، وهو أهم موضوع سنناقشه في صفوف الحركة، فقل لنا رأيك، فاضطررت أن أقول لهم إن خيار الفصل الذي تعتمده حركة التوحيد والإصلاح هو الاختيار الرشيد، وهذا هو الصواب، وهذا ما دلتنا عليه التجربة التي تعتبر ناجحة".
وسجل أن "القرار الذي اتخذته حركة النهضة كنا نتابع ولادته شيئا فشيئا، وكنا نتوقعه مسبقا، واستحسناه، وأنا شخصيا كتبت عنه، والحقيقة أن النهضة في مؤتمرها الأخير اتخذت قرارا ظاهرا ومبطنا، القرار الظاهر هو الفصل بين الدعوي والحزبي وليس السياسي، وما زالت تفكر كيف تدبر هذا الفصل، هل الدعوي تتركه لمن شاء، أم هي تدبره بواسطة جزء من أعضائها".
وأقر أن "القرار الباطن فهو إنهاء علاقتها السياسية وارتباطها التنظيمي بالإخوان المسلمين، فحركة النهضة كان ارتباطها معروفا بالإخوان المسلمين، وهي في تطورها ونشأتها كانت ممثلة في التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وجزء منه، وإن كانت من أكثر الفروع تمتعا بتميزها وخصوصياتها التونسية ولكنهم في النهاية هم أعضاء في التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، لكن في مؤتمرها الأخير، قررت النهضة أن تكون حزبا وطنيا لا أقل ولا أكثر، هذا القرار ليس معلنا بشكل صريح، لأنه يحدث إحراجا للإخوان المسلمين وهم في محنة، ولكن عمليا فإن حركة النهضة قطعت علاقاتها التنظيمية بحركة الإخوان المسلمين".
الخوف من دخول السعودية
قال الريسوني: "هناك مثل دعنا نوجهه إلى من يهمه الأمر: من ساءت أفعاله ساءت ظنونه، فأنا أحيانا أرى شخصا يسيء الظن، هذا على فرض أنه أساء الظن، وإلا فهناك بعض الناس يقولون حتى ما لا يظنون، ويعرفون أنه كذب ويصرون على ترويجه، وإلا كيف سيحاربونني".
وزاد: "في مرة سألني أحد أصدقائي كيف حالك مع آل سعود، فقلت له أنا لا علاقة لي مع آل سعود بتاتا، وأنا كنت أشتغل مع مجمع الفقه الإسلامي الدولي، فالسعودية تمنح فيزا الدخول والخروج، لا أقل ولا أكثر، وبعد ذلك لا تعرف ماذا أفعل، ولا أنا أعرف ماذا يفعلون، فهي منظمة دولية ولحسن الحظ أنها جاءت على جنبات البحر، في طرف السعودية بجدة، لم نذهب إلى الرياض، ولا غيرها، ولم تكن لي علاقة بآل سعود، وإدارة المجمع هي إدارة دولية، بها مغاربة موظفون هم من يذهبون لسحب تأشيرات الدخول والخروج".
وأوضح: "سألني مرة صديق تركي عن العلاقة التي تربطني بالسعودية، فقلت له إن رئيسنا في المجمع الفقهي الدولي هو رئيس تركي، هو أكمل الدين أحسن أغلو".
وزاد: "من حيث الوهابية كنت أخالفها وأواجهها في عقر دارها وأفكاري هي أفكاري، ومازلت أواجهها، وحيثما حللت وارتحلت".
وأفاد: "مرة جاءني صحفي يمني يعمل في جريدة (عكاظ) يطلب أن أكتب شيئا بمناسبة الذكرى الثانية لتولي الملك عبد الله الحكم، وما هي إنجازاته ومعجزاته...، فقلت له أتتخذني هزؤا؟ متى عرفتني أمدح الملوك والرؤساء، فأنا لم أتكلم في يوم من الأيام عن أمير قطر أو عن ملك السعودية السابق أو الحالي، أنتقد السياسات المنحرفة، ولا أمدح لا دولة ولا أميرا ولا سلطانا، وهذا معروف من المحيط إلى المحيط، ومن يعرف شيئا ضدي فليخرجه، وهذه هي علاقتي بالسعودية، وتعرفون مواقفي من السعودية في كثير من المناسبات، أنا على يقين إذا طلبت منهم التأشيرة فإنهم لن يمنحوها إلي، أو يرجعونني من المطار، وإلا يمكن أن يعتقلوني، فأنا غادرت السعودية منذ مدة، وأنتقدها، وأنا مستاء من سياستهم غاية الاستياء، فقد دمرت أهل السنة، في اليمن وفي عدد من الدول، وأكبر دمار لحق بأهل السنة جاء من السعودية، وهذا أقوله دائما، وحينما دعم الملك عبد الله الرئيس المصري الانقلابي عبد الفتاح السيسي، كتبت ضده شخصيا، وسميته باسمه، حتى إن بعض أصدقائي السعوديين كانوا يطلبون مني أن أخفف، لأنهم يريدون أن تبقى علاقتهم معي، فلما أقول ما أقول، فهم يتحرجون، وينصحونني بأن أخفف ولكني أحدد مواقفي بناء على فكري وديني".
الخطر الإيراني
حذر الريسوني من الخطر الإيراني: "للأسف الخطر الإيراني صحيح، ولا يحتاج إلى تحليل أو استنتاج أو تخمين، أو رجم بالغيب، هذا للأسف نعيشه اليوم، فإيران للأسف أدخلت الطائفية إلى العالم الإسلامي بقوة، أنا مكثت 30 سنة لم أكن أنتقد إيران، ولم أكن أذهب إليها وكنت أدعى إليها مرارا، ولزمت نوعا من الترقب وكنت أناصر إيران بالنسبة لامتلاكها للمفاعلات النووية، وفي حربها مع صدام، وكنت أعتبر أنه هو الذي ظلم وبدأ الحرب".
وتابع: "في المواقف، نقدر إيران في الكثير من مواقفها بجانبنا، ولكن الآن مضى من الوقت ما يكفي ومن الوقائع ما يكفي، في سوريا وفي العراق واليمن، ودول عديدة جدا، إيران ثبت بالقطع واليقين أنها دولة طائفية، تعمل لطائفتها ومذهبيتها لا أقل ولا أكثر، والإسلام عندها يتمثل في الطائفة الشيعية والتشيع، وما سوى ذلك مستعدة أن تحارب الجميع".
وأوضح أن إيران "تتحالف لأجل هذا مع الشياطين، تحالفت مع بن علي ومع حافظ الأسد وتتحالف الآن مع السيسي، وتتحالف مع الديكتاتوريين والانقلابيين والفاسدين، متى كان ذلك يفتح لها ثغرة لكي تدخل إلى المجتمع المصري أو السوري أو التونسي، فهي دولة طائفية ومتعصبة لا ترى الإسلام إلا في التشيع، ولا ترى مصلحة إلا في الشيعة والدولة الإيرانية الشيعية، ولكن الأدهى والأمر أنها انتقلت من التبشير والدعاية والاختراق السياسي والمالي إلى السلاح، الآن يقوم الشيعة بالزحف المسلح واستولوا على العراق وسوريا ولبنان واليمن بالسلاح، فإذن الخطر أصبح حقيقيا ويرى بالعين المجردة، ولا يحتاج إلى تحريات ولا إلى مخابرات، ولذلك أنا الآن لا أتردد في انتقاد إيران وسياستها وقطعت جميع اتصالاتي بكل ما يمت إليها بصلة".