ما إن أعلنت قناة
الجزيرة القطرية عن موعد بث فيلم وثائقي يتناول قضية
التجنيد الإلزامي في
الجيش المصري، والظروف التي يعيش فيها المجندون، حتى انتابت مؤيدي الانقلاب حالة من الغضب الشديد، حيث اعتُبر الفيلم بمنزلة تقويض للصورة التي يحاول النظام العسكري ترويجها عن الجيش في مصر.
ويستعرض فيلم "العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر"، حياة جنود يخضعون للتجنيد الإلزامي في الجيش المصري، وكيف يتعرضون لمعاملة قاسية وتمييز واضح بين الجنود والضباط، إلى جانب استغلال المجندين في المشروعات الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة، بدلا من التدريب العسكري.
وبموجب القانون المصري، فإن الشباب الذكور الحاصلين على شهادات جامعية يخضعون لتجنيد إلزامي لمدة عام واحد، فيما تمتد المدة للحاصلين على شهادات متوسطة إلى عامين، بينما يخضع غير الحاصلين على أي مؤهل دراسي لتجنيد مدته ثلاث سنوات.
"شوشوا على جزيرة الشيطان"
وشنت وسائل الإعلام المؤيدة للانقلاب؛ هجوما شرسا على قناة الجزيرة، وقالت إن الفيلم اعتمد على صور مفبركة وشهادات غير حقيقية لمجندين مجهولين.
وقالت صحيفة "اليوم السابع"، في تقرير لها الخميس" إن "جزيرة الشيطان تهاجم خير أجناد الأرض"، وهاجمت قطر، التي قال إنها "لا تعرف معنى الجيوش الوطنية لأنها تحتمي بالمرتزقة"، حسب قولها.
أما الإعلامي تامر أمين، فقال في برنامجه "الحياة اليوم" على قناة الحياة، مساء الخميس، إنه سعيد بـ"سقوط القناع عن قناة الجزيرة، وما وصلت إليه من "البجاحة"، حتى يتأكد كل المصريين أنها تسعى لتدمير الجيش المصري، كما فعلت من قبل مع الجيشين العراقي والسوري"، كما قال.
وأطلقت قناة النهار المؤيدة للانقلاب وسما جديدا بعنوان: #العسكرية_المصرية_شرف، وآخر بعنوان: #الجيش_المصري_مصنع_الرجال، للرد على قناة الجزيرة، والدفاع عن سمعة الجيش المصري والخدمة العسكرية الإلزامية، وحذرت من أن "الجزيرة تحرض بهذا الفيلم الشباب المصري على التمرد ورفض الالتحاق بالقوات المسلحة، في محاولة للإخلال بالأمن القومي المصري".
أما صحيفة "الوطن"، فنقلت عن النائب في مجلس النواب، مصطفى بكري، مطالبته للحكومة بالتشويش على بث القناة ومنعها من التواصل مع الشعب المصري والتأثير على نظرته للقوات المسلحة، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد الجزيرة بسبب هذا الفيلم.
فيلم مضاد
من جانبه، اعتبر اللواء نصر سالم، مدير جهاز الاستطلاع الأسبق بالمخابرات الحربية، أن قطر تهدف إلى "ضرب النسيج الوطني" المصري بهذا الفيلم، نافيا، بحسب ما نقلته عنه صحيفة الدستور المصرية، وجود أي معاملة سيئة للمجندين في الجيش المصري.
كما نقلت الصحيفة عن الخبير العسكري اللواء محمد الشهاوي اتهامه للجزيرة بأنها تحاول "التأثير على الروح المعنوية لجنود القوات المسلحة وفقا لحروب الجيل الرابع".
وطالبت أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة، ليلى عبد المجيد، السلطات المصرية برفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة قطر، بتهمة تشويه الجيش المصري والدولة المصرية، وفق قولها لصحيفة اليوم السابع.
من جهتها، ردت وزارة الدفاع المصرية، بفيلم مضاد لفيلم الجزيرة، نشرته عبر حسابها على يوتيوب، حيث يحاول الفيلم تقديم صورة مغايرة تماما للحياة داخل الجيش المصري.
واعتمد الفيلم، الذي حمل عنوان "يوم في حياة مقاتل"، على مشاهد تمثيلية وتعليق صوتي باللهجة المصرية؛ لوصف يوم في حياة مجند في أحد مراكز التدريب التابعة للجيش المصري.
وفي محاولة لإثبات حسن معاملة المجندين و"العلاقة الطيبة" التي تربطهم بقادتهم، نقل الفيلم شهادات الجنود حول المزايا التي يكتسبونها داخل الجيش المصري، ومدى سعادتهم بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية.
"أوضاع مزرية"
لكن، في أحاديث خاصة لـ"عربي21"، علق شبان مصريون، أنهوا فترة التجنيد الإلزامي، على ما تناوله فيلم الجزيرة، مؤكدين أنه يكشف حقيقة الأوضاع المزرية للمجندين في الجيش المصري.
وقال "م.ب" وهو مهندس خدم في عام 2015، في وحدة حرس حدود بوسط سيناء، إن عشرات المجندين في وحدته كانوا يعانون من انعدام الإمكانيات، ونقص حاد في إمدادات الطعام والمياه، حتى إن البدو المقيمين قريبا منهم في تلك المنطقة النائية، كانوا يشفقون عليهم ويمنحونهم بعض الخبز الجاف حتى لا يهلكوا جوعا، وفق قوله.
أما "م.ح" (مدرس) فقال، إن القاعدة المتبعة في الجيش أن من لا يملك واسطة فسوف يتم توزيعه ليقضي خدمته العسكرية في مناطق نائية، تفتقر إلى أي خدمات، مشيرا إلى أنه كان محظوظا بالخدمة في أحد المقرات العسكرية المركزية بالقاهرة عام 2011، بعدما توسط له ضابط قريب له برتبة لواء.
بدوره، قال ح.ح" (محاسب) إنه قضى في الجيش 13 شهرا كاملة، بين عامي 2012 و2013، وخرج بعدها دون أن يتعلم إطلاق النار، موضحا أن الضباط لا يهتمون إلا بتدوين تقارير غير حقيقية بأن الجنود قاموا بالتدريب على إطلاق النار، لرفعها لرؤسائهم، بحسب تأكيده.
وكشف أن ما حدث معه في المرة الوحيدة التي جرب فيها إطلاق النار، هو أن صف الضابط المكلف بتدريبهم طلب منهم إطلاق الرصاص في الهواء، واهتم فقط بتسليم فوارغ الطلقات ليتم تسجيلها في الدفاتر، وبعد هذا اليوم لم يمسك بالسلاح مجددا حتى انتهاء فترة تجنيده، كما قال.