تجاهل رئيس الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، في اجتماعه السبت، بأركان حكومته، معاناة
المصريين من اختفاء عدد من السلع الاستراتيجية، في الأسواق، لا سيما السكر والدواء، برغم ارتفاع أسعارها، في السوق الموازية (السوداء)، حتى بلغ سعر كيلو السكر، قرابة 15 جنيها، فضلا عن ارتفاع أسعار الأرز، والفول، والعدس، والزيت، وغيرها من السلع الأساسية.
واكتفى السيسي في اجتماعه، الذي ضم كلا من رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والتموين، ورئيسي المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية؛ بتأكيد "ضرورة الحفاظ على مخزون استراتيجي من السلع يكفي لمدة ستة أشهر على الأقل".
وقال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، في بيانه: "إن الاجتماع ناقش الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لضمان توفير مختلف السلع الغذائية الأساسية بأسعار مناسبة في الأسواق".
وأشار إلى أن "الرئيس وجه بالاستمرار في تكثيف الرقابة على منافذ بيع وتوزيع السلع الأساسية بجميع المحافظات، وتعزيز التواجد الأمني للحد من محاولات الاستحواذ على البضائع وتخزينها بهدف رفع أسعارها".
وأضاف: "كما وجه الرئيس بأهمية توفير الكميات المناسبة من جميع السلع الغذائية الأساسية التى يستهلكها المواطنون".
وحرصت الصحف المصرية الصادرة، الأحد، على إبراز الاجتماع. وجاء عنوان صحيفة "الأهرام" كالتالي: "السيسي يحذر من تخزين السلع لرفع أسعارها".
وقالت "الأخبار": "السيسي: تيسير الإجراءات للمستثمرين.. وحوافز لمنتجي المواد الغذائية".
بينما قالت "الجمهورية": "قطاع الأعمال جاهز.. لاستيراد نواقص الأدوية".
السكر "يقفز" إلى 15 جنيها في السوق السوداء
وهكذا ذكرت صحيفة "الشروق"، الأحد، أن السكر واصل اختفاءه من الأسواق، فيما سجل سعر الكيلو بالسوق السوداء 14 و15 جنيها، نتيجة لإحجام تجار التجزئة عن بيعه.
ويبدو أن البعد الأمني، الذي يحرص السيسي على توجيه حكومته إليه باستمرار، قد أدى إلى نتائج عكسية، إذ قال نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة التجارية، عماد عابدين، وفق "الشروق"، إنه ما زال هناك تخوف عند تجار التجزئة والسوبر ماركت، من بيع وتداول السكر خوفا من المصادرات والمداهمات من قبل وزارة التموين.
وأوضح عابدين أن تجار التجزئة والسوبر ماركت والمحال الصغيرة هي الأكثر انتشارا، وتغطي جميع الشوارع والحارات والأزقة في مصر، سواء في العاصمة أو الريف، وبالتالي تسبب توقفهم عن بيع السكر في تفاقم الأزمة، مشيرا إلى أن هؤلاء التجار يحتاجون إلى تطمينات حتى يستطيعوا العمل.
وقال خالد عبدالمنعم، صاحب محل تجزئة بالهرم، إنه يرفض التعامل في سلعة محظورة مثل السكر، وأصبحت من الممنوعات، قائلا: "أجيب لنفسي وجع الدماغ ليه، بناقص من السكر، بدل ما أجيبه، واتحبس، وما أبعش حاجة، وأبقى عايز اللي يصرف علي".
واتهمت الصحيفة الحكومة بالتسبب في الأزمة. وحسبما نقلت عن مصدر في وزارة التموين، فإن وضع الحكومة لسعرين لسلعة واحدة سيتسبب في سوق سوداء، موضحا أن "الحكومة تبيع لمصانع التعبئة السكر بسعر 7 جنيهات، في حين تبيعه للقطاع الصناعي بسعر 10 جنيهات، وبالتالي سوف تتزايد الأزمة".
ومن جهتها رصدت صحيفة "المصري اليوم" قصر بيع السكر في المجمعات الاستهلاكية على البطاقات التموينية، وليس حرا، وهو الأمر الذي تكرر مع عدد من المواطنين، ما تسبب في حالة من الاستياء، ورفع بعض المجمعات لافتات تعلن "صرف السكر على بطاقات التموين وليس حرا".
وغير بعيد، كشف رئيس شركة النيل (الحكومية) للمجمعات الاستهلاكية، عادل الخطيب، في برنامج "الحياة اليوم"، عبر فضائية "الحياة"، السبت، وجود أزمة في الأرز بسبب ما وصفهم بـ"معدومي الضمير".
وقال: "للأسف بعض التجار والمزارعين يتعمد حجب الأرز عشان يعطش السوق، ويجبر الحكومة على شرائه بأسعار أعلى، ولكن الشركة القابضة للصناعات الغذائية لجأت إلى استيراد أرز من الهند، وهو مماثل للأرز المصري، سواء من حيث الشكل أو الطعم، حتى تسد الفجوة"، بحسب قوله.
تفاقم أزمة نقص الأدوية بالمحافظات
وفي تقرير بهذا العنوان، أكدت صحيفة "الوفد"، الأحد، أن "سوق الدواء المصرية تشهد حالة من الاختفاء لمعظم الأدوية المستوردة (أنسولين، وأنبولات صباغات الأشعة، والأدينوكور علاج القلب)، والمحاليل بأنواعها".
وأضافت "الوفد" أن أصحاب الصيدليات الخاصة بمحافظة الدقهلية أجمعوا على أن المشكلة بدأت منذ 6 أشهر حيث جاءت الأزمة تدريجية، وتزامنت مع ارتفاع الأسعار للدولار، وأن أسباب أزمة نقص المحاليل الطبية، وارتفاع أسعارها، ترجع إلى أنه في شهر أيار/ مايو 2015 تم غلق أحد المصانع المنتجة للمحاليل الطبية الوريدية، نظرا لوفاة أحد الأطفال بعد حصوله على جرعة من هذه المحاليل.
"صحة البرلمان": عشوائية الحكومة سبب اختفاء الأدوية
ورأى عضو لجنة الصحة بمجلس نواب ما بعد الانقلاب، سامي المشد، أن اختفاء الأدوية سببه عشوائية الحكومة في التعامل مع الأزمات الكبرى، وفق قوله، مؤكدا أن وزارة الصحة هي السبب في أزمة نقص الأدوية.
وأضاف، في برنامج "العاشرة مساء"، عبر فضائية "دريم" أن الدولة هي الملزمة بتوفير الأدوية للمرضى، مشيرا إلى أنه لا بد من التنسيق مع وزارة الصحة قبل قرار التعويم لتوفير الأدوية الناقصة في الأسواق.
وناشد المشد وزير الصحة بتوفير الأدوية الناقصة بأسرع وقت ممكن حتى لا تتفاقم الأزمة، مشددا على أن صحة المواطنين تتعرض للخطر، وأنه لا بد من إعادة الأسعار للدواء من قبل وزارة الصحة، لأن هناك فسادا وعشوائية، وفق قوله.
مواطنون ضد الغلاء: "الجمعة السوداء" نصب كبير
وكأنه يرد على السيسي الذي طالب حكومته بتكثيف الرقابة على الأسواق، صرح مؤسس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، محمود العسقلاني، بأن تخفيضات "الجمعة السوداء"، تعد أكبر عملية نصب شرائية تمت في السوق المصريه، بحسب وصفه.
وقال إن تخفيضات أول أمس كانت وهمية بعكس ما حدث من تخفيضات حقيقية في اليوم نفسه بدول أوروبية، مشيرا، في تصريحات تليفزيونية، إلى أن الشركات العالمية تدرك جيدا مدى أهمية مراعاة تحقيق هامش ربح مرهون بتكلفة الإنتاج والتصنيع، وأن الجزء الأعلى من الطبقة المتوسطة هم من شاركوا في حملة التخفيضات الوهمية بالأمس.
"مغالطات الحكومة وحرمان الشعب من نعمة الستر"
وتعليقا على الأزمة بأبعادها، انتقد أشرف البربري، في مقاله، الأحد، بالعنوان السابق، الأداء الحكومي، متسائلا: "متى تتوقف الحكومة عن ترديد الأكاذيب لكي تداري فشلها وخطايا سياساتها التى أوردت البلاد مورد التهلكة الاقتصادية والأمنية والاجتماعية؟".
وحذر البربري من أن: "المعادلة الكارثية التي نواجهها حاليا عبارة عن: "حكومة عاجزة + سياسات فاشلة + استهداف لجيوب المواطنين على اختلاف مستوياتهم، يساوي حرمان ملايين المصريين، أبناء الطبقة شبه المتوسطة، من نعمة الستر التي يحاربون من أجلها".
وشدَّد على أن "أخطر ما يمكن أن تسفر عنه السياسات الاقتصادية غير الرشيدة التي تتبناها الحكومة هو القضاء على الطبقة المتوسطة التي تمثل قاطرة النمو الاقتصادي والسياسي والثقافي في أي مجتمع بعد أن تخسر هذه الطبقة "نعمة الستر" فتخرج من طبقة "المستورين" لتلتحق بالطبقات الفقيرة"، وفق وصفه.
100 رجل أعمال يحتكرون السلع بمصر
وفي السياق نفسه، كشف الخبير الاقتصادي، عادل عامر، في مقال بعنوان "مافيا الاحتكار.. والتلاعب بالأسواق"، أن "الذين يتحكمون في الأسواق معروفون بالاسم لدى أجهزة الدولة، ويمكن إثبات ضلوعهم في ارتكاب تلاعبات وممارسات أضرت بملايين المصريين، ووضعت البلاد في أزمات حقيقية لا يمكن السكوت عليها، أو تجاهلها لأي سبب من الأسباب".
وأضاف عامر أنه "إذا كانت بعض الأجهزة الرقابية على الأسواق تتحجج بأنها تقوم بدراسة ما تشهده السوق من ممارسات مضرة بالمستهلكين، فقد قمنا بتقصي آراء بعض المسؤولين والمراقبين لتجارة السلع الغذائية، للحصول منهم على أسماء أباطرة السوق؛ فوجدنا أن هناك نحو 100 رجل أعمال يفرضون سطوتهم على حركة تجارة السلع الاستراتيجية في مصر"، بحسب قوله.
"رهان سيئ على رجل مصر القوي"
وتأتي هذه الانتقادات المحلية لأداء حكومة السيسي، في وقت عدَّت فيه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية السيسي "رهانا خاسرا بكل المقاييس"، في افتتاحيتها، السبت، مشككة في إمكان تحقيق استقرار في مصر في ظل حكمه.
وقالت الصحيفة إنه "برغم تبنيه إصلاحات ليبرالية أوصى بها صندوق النقد، إلا أن الجنرال لا يملك إلا القليل من الخيارات، لا سيما بعد أن قطعت المملكة السعودية سخاءها، وتسبب نقص العملة الأجنبية في اختفاء سلع أساسية من المتاجر مثل السكر وزيت الطهي، إضافة إلى قرار تعويم العملة، الذي خفض الجنيه إلى أكثر من 50% مع تقليص دعم الوقود".
وساقت "واشنطن بوست" ثلاثة أسباب تجعل الرهان على السيسي يبدو بعيد المنال، أهمها أمية السيسي الاقتصادية، إضافة إلى الفساد الواسع المترسخ داخل نظامه والجيش، وأخيرا التاريخ المصري الحافل بالانتفاضات الشعبية ضد الإجراءات التقشفية.
وأضافت أن رهان صندوق النقد والولايات المتحدة على جنرال مصر من المرجح ألا يؤتي ثماره، مشيرة إلى أن السيسي ربما يحظى بدعم أكبر من إدارة ترامب المقبلة؛ وبرغم هذه العوامل إلا أن نجاح السيسي في تحقيق استقرار لاقتصاد مصر يبدو أمرا مشكوكا فيه في ظل خنق المجتمع، بحسب تعبيرها.