نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية، تقريرا حول "الأوضاع المأساوية" التي تمر بها محافظة
حلب السورية، في ظل تقدم قوات النظام في أحيائها الشرقية؛ بفضل
القصف العنيف والعشوائي على المدنيين والمستشفيات. ونقلت الصعوبات التي يواجهها عمال الإنقاذ، وأسباب تراجع فصائل الثورة بعدما وجدت نفسها بمفردها في مواجهة الأسد وإيران وروسيا.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن إسماعيل عبد الله، المتطوع في منظمة القبعات البيضاء، وصف الوضع في حلب بأنه "مثل الجحيم"، وقال: "لقد كنا في الماضي نعتقد أن الأمور لا يمكن أن تصبح أكثر سوءا، ولكن القصف حاليا بات أكثر عنفا، وأشد فتكا".
وأضاف عبدالله أن "دخول الطائرات الروسية على الخط؛ أدى إلى إلحاق دمار كبير، وزيادة عدد الغارات بشكل ملحوظ، وهو ما مكّن قوات النظام والمليشيات الشيعية المساندة لها من التقدم"، مشيرا إلى أن ذلك "يمثل خطرا كبيرا بالنسبة لمنظمات الإغاثة وكل عناصر القبعات البيضاء؛ لأن النظام لا يعترف بعملهم الإنساني، ويصنفهم كمنظمات إرهابية".
وذكرت الصحيفة أن قوات النظام نجحت الاثنين الماضي، في التقدم في أحياء الصاخور والحيدرية والشيخ خضر، مدعومة بالآلاف من
المليشيات الشيعية القادمة من لبنان وإيران والعراق، فيما كانت الطائرات المقاتلة الروسية تدك المباني وتسويها بالأرض، فاسحة المجال لهذه المليشيات.
ورأت أن فصائل الثورة "أصبحت في وضع حرج، وتسجل تراجعا متواصلا، وخاصة بعد خسارة منطقة حي هنانو الاستراتيجية، وقد خسرت إلى حد الآن حوالي 40 بالمئة من المناطق التي كانت تسيطر عليها في الماضي"، مضيفة أنه "إذا تواصل تقدم قوات النظام؛ فإن حلب الشرقية ستنقسم إلى نصفين، وهو ما قد يعني انتهاء المقاومة في هذه المدينة، لتتحقق بذلك تهديدات الأسد الذي توعد بتحقيق حسم عسكري في هذه الحرب الأهلية".
وأشارت إلى أن حلب تحتل مكانة رمزية هامة في
الثورة السورية، حيث نجح الثوار في عام 2012 في شن هجوم مفاجئ والسيطرة على حوالي نصف المدينة، "ورغم تعدد المحاولات؛ فقد عجز النظام لفترة طويلة عن استعادة هذه المناطق، ولكن في اليومين الأخيرين فقط فرّ حوالي 10 آلاف مدني من هذه المنطقة، خوفا من تقدم قوات النظام".
وبينت أن هؤلاء المدنيين يواجهون معضلة أخرى بعد خروجهم من حلب، حيث إن أغلبهم مضطرون للتوجه نحو منطقة الشيخ مقصود الكردية، التي تسيطر عليها قوات "
سوريا الديمقراطية" التي تمثل تحالفا بين الآشوريين والتركمان والعرب، وتسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردي، "ولطالما انتقد سكان حلب هذه المليشيات؛ لأنها بالنسبة لهم عبارة عن مجموعة من المرتزقة والمجرمين، الذين لا يتوانون عن التعاون مع نظام الأسد لتحقيق أهدافهم".
ونقلت الصحيفة عن ياسر يوسف، من "كتيبة نور الدين الزنكي"، قوله: "خلال السنوات الماضية؛ تمكنّا من مقاومة نظام الأسد بواسطة وسائلنا البسيطة، ولكن اليوم تغيرت الأوضاع؛ لأننا نحارب
إيران وروسيا، ولولا هذا التدخل لسقط بشار الأسد" منذ زمن.
واعتبرت الصحيفة أن دخول
روسيا في هذا الصراع "شكّل نقطة تحول حاسمة أدت إلى ترجيح كفة النظام السوري. ففي شهر أيلول/ سبتمبر الماضي أعلن الكرملين عن إطلاق عملية عسكرية في سوريا، مستعملا فيها نظام دفاعات جوية متطور؛ للسيطرة على الأجواء السورية، وحاملات طائرات عبرت البحر المتوسط؛ في أكبر حملة عسكرية تقوم بها روسيا منذ نهاية الحرب الباردة".
وأشارت إلى أن فصائل الثورة في حلب "تواجه موقفا صعبا للغاية، حيث إن الطائرات السورية والروسية تشن قصفا عنيفا وعشوائيا لتسوية كل شيء بالأرض، ولا يبدو أن روسيا مستعدة لوقف هذا القصف قبل القضاء تماما على ما تصفها بـ(المنظمات الإرهابية)، على غرار جبهة فتح الشام وحلفائها في محافظة إدلب".
وأكدت الصحيفة أن فصائل الثورة السورية "كانت أمامها بعض الفرص لوقف القتال، وتثبيت مكاسبها على الأرض، لتجنب التطورات الأخيرة التي لا تصب في صالحها، حيث كانت منظمة الأمم المتحدة قد احتضنت عدة جولات للتفاوض في جنيف، إلا أن وفد المعارضة في ذلك الوقت، بقيادة محمد علوش؛ رفض المقترحات المقدمة للتسوية مع النظام"، وقال علوش وبقية قادة الفصائل الثورية حينها: "لن نقبل بوجود الأسد في فترة انتقالية".
وأضافت: "ربما يشعر هؤلاء اليوم بالندم، بعدما شاهدوا ما ألحقه التدخل الروسي من أضرار في بلادهم، وكيف أنه قلب المعطيات على الأرض".
وحذرت الصحيفة من أن المدنيين في حلب هم من يدفعون ثمن هذه الحرب المتواصلة، حيث إنهم إذا لم يموتوا تحت قصف الطائرات السورية والروسية؛ فإنهم سيموتون من
الجوع، "ويحذر كثيرون من أن سقوط حلب بأكملها في يد قوات النظام بات مسألة وقت فقط، لتواجه الثورة السورية بذلك نكسة يصعب تحملها".
وختاما؛ أكدت الصحيفة أن "إسماعيل عبد الله وبقية رفاقه في منظمة القبعات البيضاء، لم يكونوا يلقون بالا لهذه الحسابات السياسية وتطورات المعركة، ولكنهم الآن باتوا قلقين حول مصيرهم في حال سيطرت قوات النظام على كامل شرق حلب؛ لأنهم سيكونون مستهدفين، وسيعاملون على أنهم إرهابيون".