نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للمبعوث الأمريكي السابق في الشرق الأوسط دينيس روس، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب، كسابقيه من رؤساء أمريكا، يطمح إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ترامب قال مؤخرا: "أحب أن أكون الشخص الذي يحل السلام بين
إسرائيل والفلسطينيين.. وعندي من الأسباب ما يجعلني أعتقد أنني قادر على فعل ذلك"، لافتا إلى أنه من الواضح أن جلب السلام إلى الأرض المقدسة أمر يستهوي الرؤساء الأمريكيين.
ويلفت روس إلى أنه "بالرغم من وضع فرانكلين روزفيلت الصحي، إلا أنه اختار أن يجتمع بالملك السعودي عبد العزيز بن سعود في مصر، بعد مؤتمر يالطا؛ لأنه كان يعتقد بأنه يستطيع إقناعه بإعطاء (جزء من
فلسطين) لليهود، (دون التأثير على مصالح العرب بأي شكل من الأشكال)، بالإضافة إلى أن دوايت أيزينهاور أطلق مشروع جاما، ووظف روبرت أندرسون للعمل سرا مع ديفيد بن غوريون وجمال عبدالناصر لتحقيق السلام، وأحبط كثيرا عندما فشل المشروع، وسافر ريتشارد نيكسون، بالرغم من معاناته من التهاب الأوردة، إلى مصر وإسرائيل وسوريا في آخر أيام رئاسته، معتقدا أنه قد يستطيع تشكيل زخم لصالح السلام، كما أن تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل كان هاجس جيمي كارتر، الذي قال لاحقا: (قضية الشرق الأوسط استهلكت عقلي)، والخطة الوحيدة التي حملت اسم الرئيس الأمريكي الأربعين كانت خطة ريغان للسلام في الشرق الأوسط في 1 أيلول/ سبتمبر 1982".
ويقول الكاتب: "كوني مبعوث بيل كلينتون للشرق الأوسط، رأيت كيف كان تحقيق السلام العربي الإسرائيلي مهمة تبناها، وقاده ذلك إلى استضافة ياسر عرفات وإيهود باراك في كامب ديفيد في صيف عام 2000، وبعدها بخمسة أشهر جاءت مبادئ كلنتون لإنهاء الصراع، وقد يكون جورج بوش الابن حضر متأخرا، لكنه استضاف مؤتمر أنابوليس، أما باراك أوباما فجعل السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أولوية منذ بداية رئاسته، وأبدى حزنه بعد ذلك لفشل وزير خارجيته جون كيري في التوصل إلى صفقة سلام، بعد جهد مكثف دام تسعة أشهر، انتهى في ربيع عام 2014".
ويضيف روس: "انجذب الرؤساء تاريخيا لصنع السلام لأسباب موضوعية وغير موضوعية، فمن ناحية موضوعية اعتقد معظمهم -بشكل خاطئ- بأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو مصدر الصراعات الإقليمية كلها، ولذلك يجب حله، أما الجانب غير الموضوعي فهو وجود جاذبية خاصة لفكرة إحلال السلام في منطقة ولدت فيها الحضارات، وتعد مهدا للأديان السماوية الثلاث، حيث كان الصراع في الأرض المقدسة يسيطر دائما على اهتمام العالم واهتمام الرؤساء الأمريكيين، بالإضافة إلى أن تعقيد القضية قد يكون مصدرا آخر لجاذبيتها، وهذا ما يعكسه وصف ترامب لحل القضية بأنها (الصفقة القمة)".
ويتساءل الكاتب قائلا: "هل تستطيع إدارة ترامب أن تنجح حيث فشل الآخرون؟ لقد فاجأ ترامب العالم عندما فاز في الانتخابات الرئاسية، وإن كان يريد أن يفاجئ العالم في التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فهو بحاجة لإبقاء النقاط الآتية في باله:
أن يكون مستعدا للالتزام بالدبلوماسية، حتى لو كان ذلك يعني التقدم بخطوات بطيئة، ففي غياب الدبلوماسية فإن العنف يملأ الفراغ، ويعمق عدم الاعتقاد بأن الصراع يمكن أن ينتهي أبدا، ونهج الكل أو لا شيء لا ينتج شيئا في المحصلة.
جس النبض سرا، وأن يكون الهدف تحقيق شيء أكيد، والأهم من ذلك عدم إطلاق مبادرات علنية قبل التأكد من إمكانية نجاحها، وبالنظر إلى مستوى عدم التصديق بإمكانية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن إعادة الشعور بتلك الإمكانية قد تكون الهدف الأهم.
ولذلك يجب تصميم الجهود لجعل كل طرف يتعامل مع الشكوك، ويبين أن التغيير ممكن، فمثلا قد يتعامل الإسرائيليون مع الشكوك الفلسطينية بالإعلان أنه لن تكون هناك سيادة إسرائيلية شرق الجدار الأمني، وأن إسرائيل لن تبني مستوطنات خارج التجمعات الاستيطانية، وتستطيع السلطة الفلسطينية التعامل مع الشكوك الإسرائيلية بالإعلان عن أن هناك حركتين قوميتين بحاجة إلى دولتين لشعبين، وبتوقفها عن محاولة نزع الشرعية عن إسرائيل في المحافل الدولية.
تركيز
عملية السلام ليس فقط من القمة إلى القاعدة، بل هناك حاجة لبذل جهد في العمل من القاعدة إلى القمة، عن طريق تحسين الاقتصاد الفلسطيني والبنية التحتية وبناء المؤسسات، الذي هو لصالح الطرفين، وقد يغير حالة النفور العميقة، التي يحس بها الشعب الفلسطيني، وكان ما تم فعله في جانب بناء الدولة أو دبلوماسية السلام من القاعدة إلى القمة قليل جدا.
إعادة التفكير في المقاربة الثنائية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فالفلسطينيون ضعاف جدا ومنقسمون جدا ليتمكنوا حتى من الحضور إلى طاولة المفاوضات؛ والحكومة الإسرائيلية والشعب مقتنعون تماما بأنهم لا يحصلون على أي شيء ذي قيمة مقابل التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين، ولن يقدموا أي شيء، ولذلك يجب التأكد سرا إن كان غطاء الدول العربية ممكنا في المفاوضات.
والمفارقة أن الطرفين بحاجة للعرب، حيث يحتاج الفلسطينيون إلى غطاء لمجرد التفاوض دون التنازل عن شيء، ويعتقد الإسرائيليون أن العرب وحدهم القادرون على تعويضهم عن التنازلات التي يقدمونها للفلسطينيين.
الإدراك بأن المغامرة الإسرائيلية والفلسطينية والعربية للسير في طريق السلام قد تتأثر بمصداقية أمريكا في مواجهتها لتهديدات إيران من ناحية، والإسلاميين السنة من الناحية الأخرى، فلا أحد سيكشف نفسه إن لم يشعر بالأمن والثقة في أمريكا.
ويخلص روس إلى القول إنه "في المحصلة، فإن الموازنة بين أمن إسرائيل وسيادة الفلسطينيين تحتاج غالبا إلى مقاربات جديدة؛ دور الدول العربية في الوفاء بالمسؤوليات الأمنية الفلسطينية، ومعايير قائمة على الأداء لتحديد جدول للانسحاب الإسرائيلي، وترتيبات استئجار طويل الأمد للسماح للوجود الإسرائيلي والفلسطيني كل في دولة الآخر، وقد يكون ذلك مفتاحا للنجاح".