مخاطر كثيرة تعرض لها
مصريون حاولوا عبور البحر المتوسط إلى
أوروبا بطريقة غير شرعية، فمنهم من مات غرقا، ومنهم من تعرض للاعتقال والإهانة، وكلهم تكبدوا خسائر مالية كبيرة.
رغم كل ذلك لا يزال مصريون يسعون وبكل حماس، إلى العبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط، حتى ولو اضطروا إلى "التضحية بكل شيء".
فهؤلاء يرون في هذه
الهجرة مخرجهم الوحيد من "جحيم
الفقر" إلى "جنة أوروبا"، التي يعتقدون أنها ستتيح لهم "ثراء سريعا"، كما حدث مع مصريين تمكنوا من العبور إلى شمال المتوسط.
فالأطفال في قرى تابعة لمحافظات مصرية عدة معروفة بتصديرها مهاجرين غير شرعيين، هم أيضا يسكنهم هذا الحلم، حتى إن أحدهم علّق على القانون الذي سنّه البرلمان للحد من هذه الظاهرة بقوله: "هسافر بأي طريقة، وبأي ثمن، والبحر طرقه واسعة".
القانون الجديد
القانون الجديد الذي أقره مجلس النواب المصري في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، قضى في مادته السادسة بالسجن وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه -تساوي 3 آلاف دولار أمريكي- ولا تزيد على 200 ألف جنيه -تساوي نحو 11800 دولار أمريكي- على "كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها".
وهذا القانون هو أبرز استجابة مصرية لتكرار حوادث غرق مهاجرين غير شرعيين خرجوا من مصر، وأبرزها غرق مركب كان يقل 400 مهاجر من جنسيات متعددة قبالة ساحل مدينة رشيد في أيلول/ سبتمبر الماضي؛ ما أودى بحياة 236 منهم.
فيما دعا رئيس الانقلاب في عبد الفتاح السيسي، الاتحاد الأوروبي إلى تحمل العبء مع بلاده باعتبارها دولة عبور للمهاجرين، وذلك بتبني استراتيجية شاملة، تتضمن معالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لظاهرة الهجرة.
دولة مصدرة للهجرة
وبحسب تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، في حزيران/ يونيو 2016، تحتل مصر المركز العاشر بين البلدان المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين، لكنها تشكل معبرا لـ 78% من إجمالي المهاجرين إلى أوروبا، بإجمالي 7000 شخص، منهم 1815 وصلوا إلى إيطاليا وحدها بين كانون الثاني/ يناير وأيار/ مايو الماضيين.
ووفق "هيئة إنقاذ الطفولة" يصل 25% من الأطفال المصريين المهاجرين إيطاليا دون مرافق، وتتراوح أعمارهم بين 17 و18 عاما، وأغلبهم من محافظات الإسكندرية والبحيرة والغربية والمنيا.
جغرافيا المهاجرين
وتشكل 21 قرية، موزعة على 6 محافظات، المصدر الرئيس للمهاجرين غير الشرعيين في مصر.
في محافظة الغربية توجد 6 قرى، وهي: ميت بدر حلاوة، وميت حبيب، وكلا الباب، وأبو صير، وشبرا ملس، ودلبشان، إضافة إلى 4 قرى في الدقهلية، وهي: ميت الكرما، وبساط كريم، وميت زنقر، ونوسا.
وفي الدقهلية توجد قريتان، هما: اجهور، وسندبيس. أما بقية القرى فهي: العيون، وشابرو في البحيرة، وبرج مغيزل، والسكري، والجزيرة الخضراء، والزعفران في كفر الشيخ، وسيدي براني في مرسى مطروح.
وفي جنوب مصر، تضم محافظة الفيوم قريتين رئيسيتين في تصدير المهاجرين غير الشرعيين، هما تطوان، وشدموه.
حلم الثراء السريع
في قرية "ميت بدر حلاوة" بمحافظة الغربية يقول طفل يدعى محمد السيد، وهو يصر على السفر رغم أنه لا يزال في العقد الثاني من عمره.
هذا الطفل لا يأبه بالقانون الجديد كما يقول: "القانون لن يمنعني من السفر مثل شقيقي الأكبر، الذي حقق ثروة كبيرة في وقت قصير".
مستنكرا وضعه داخل بلده، مضى السيد قائلا: "لا مستقبل في هذا الوطن، ولا بديل عن الرحيل مهما كانت التكلفة، ومهما كان الثمن.. هسافر بأي طريقة، وبأي ثمن، والبحر طرقه واسعة".
بينما حكى مسن، يدعى شوقي عبد الحليم، تجربة أولاده مع الهجرة: "أبنائي الأربعة هاجروا بالطريق نفسها منذ سنوات، وحققوا ثروة ضخمة، وبنوا مستقبلا لهم ولأبنائهم.. مفيش بيت في البلد إلا وبه مهاجرون بطرق غير شرعية".
هذه الظاهرة علّق عليها محامي من أبناء القرية، طلب عدم نشر اسمه، بقوله: "أطفال القرية يقدمون على الهجرة رغم ارتفاع تكلفتها، بحثا عن الثراء السريع وبناء المباني الشاهقة"، معتبرا أن "كل القوانين لن تمنع هؤلاء الأطفال من الهجرة".
الموت لا يخيف
في الفيوم توجد قرية تطوان، وعن أطفالها وشبابها يردد أبناء القرى المجاورة أنهم "لا يخشون الموت"، فهم "يصرون على الهجرة غير الشرعية عبر البحر رغم غرق أكثر من 150 شخصا من أبناء القرية خلال محاولتهم الهجرة"، علما بأن وكيل وزارة الصحة في الفيوم، مروان عبد الفتاح، نفى وجود إحصائية بعدد المفقودين من هذه القرية.
سكان قرية تطوان يبلغ عددهم قرابة الـ50 ألف نسمة، "40% منهم هاجروا إلي إيطاليا"، وفق تقديرات بعض أبنائها.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تغيرت ملامح الحياة في تطوان، فبعد أن كان يغلب على أهلها الفقر، ومنازلها متهالكة، فقد باتت تشتهر بالثراء، وطغى على أبنيتها قصور وفيلات مبنية على الطراز الإيطالي، حتى أطلق عليها "ميلانو الفيوم"، في إشارة إلي تأثير أبنائها المهاجرين في إيطاليا.
وبحسب "أشرف. ض"، وهو من أبناء القرية، فإن "تكلفة الرحلة (الهجرة غير الشرعية) تبلغ نحو 40 ألف جنيه مصري (2500 دولار أمريكي)، وتستغرق 36 ساعة في عرض البحر، انطلاقا من ليبيا".
الأسباب الحقيقة
الباحث المصري في شؤون الهجرة غير الشرعية، محمد عبد العزيز، يرى أن "القانون الجديد لن يحد من هذه الظاهرة؛ فهو يعالج الأزمة من الخارج، ولا يهتم بالأسباب الحقيقية لها".
موضحا أن "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة علي رأس هذه الأسباب".
مع عبد العزيز يتفق عضو مجلس النواب، هيثم الحريري، بقوله إن "تغليظ العقوبة في هذا القانون لن تحد من الهجرة، فعقوبة الاتجار بالمخدرات مثلا وصلت إلى الإعدام، ورغم ذلك لم تتوقف هذه التجارة".
وتابع الحريري: "الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية يأتي عبر تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وكذلك احترام حقوق المواطنين وحرياتهم حتى يشعروا بأن بإمكانهم بدء حياة حقيقة في مصر".
التضييق على الحريات
لكن بحسب أستاذ التخطيط الاستراتيجي والاقتصاد السياسي في جامعة القاهرة، الدكتور عماد مهنا، فإن "الأوضاع الاقتصادية المتردية لا تمثل الدافع الأول لهجرة الشباب، فهم يتكبدون مبالغ طائلة من أجل السفر، بينما السبب الرئيسي لهجرتهم هو التضييق على الحريات والوضع السياسي في مصر".
وبجانب أزمة اقتصادية خانقة وأوضاع أمنية متردية، تعاني مصر أزمة سياسية وانقساما مجتمعيا منذ الإطاحة بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا يوم 3 تموز/ يوليو 2013.
الأكاديمي المصري ختم حديثه للأناضول بأن "الرئيس السيسي أصدر قرارا بتوفير 200 مليار جنيه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وزعت على البنوك المصرية لتشجيع الشباب على العمل داخل مصر، والحد من الهجرة غير الشرعية، إلا أن الإجراءات المعقدة للبنوك، والتي تتطلب ضمانات لا يملكها أغلب الشباب، عرقلت حصولهم على هذه القروض".