نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا، تقول فيه إن أكاديميين من جامعة هارفارد قاموا بإجراء دراسة جديدة، كشفت عن الوضغ النفسي للطيارين المدنيين.
وتذكر الصحيفة أن الدراسة تكشف عن أن مئات الطيارين المدنيين، وربما الآلاف، يعانون من
الاكتئاب، ويفكرون في الانتحار، أو إيذاء النفس.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه تم إجراء هذه الدراسة، عن طريق استطلاع رأي طيارين، دون أن يكشفوا عن هوياتهم، بعد أن قاد مساعد الطيار الألماني أندرياس لوبيتز على طائرة جيرمان وينغز، الطائرة للارتطام بجبل، حيث قتل 149 مسافرا العام الماضي.
وتبين الصحيفة أن الدراسة، التي نشرت في "جورنال أوف إنفيرومنتال هيلث"، أو مجلة الصحة البيئية، وجدت أن 4.1% خطرت في بالهم "أفكار بأن الموت أفضل لهم، أو بإيذاء أنفسهم على مدى الأسبوعين السابقين"، مشيرة إلى أنه إذا كان هذا يعكس حجم المشكلة بدقة، فإنه يعني أن أكثر من 5700 طيار من 140 ألف طيار على مستوى العالم يحملون هذه المشاعر.
ويلفت التقرير إلى أن هذه الدراسة تأتي في الوقت الذي صوتت فيه طواقم
الطائرات على الخطوط البريطانية على الإضراب، حيث قال اتحاد "يونايت" إن الكثير منهم غير مؤهلين للطيران؛ بسبب "الضغط والاكتئاب".
وتنقل الصحيفة عن الباحثين في الدراسة، قولهم إن النتائج الرئيسية كانت "مفاجئة"، وأضافوا: "مئات الطيارين الذين يمارسون عملهم يقومون بإدارة اكتئابهم وأفكارهم الانتحارية، دون إمكانية العلاج؛ خوفا من أن يؤثر ذلك سلبا في وظائفهم".
ويفيد التقرير بأن الاستطلاع، الذي تضمن تعبئة استمارة، ضم أسئلة حول عدة موضوعات، بما في ذلك
الصحة العقلية، وتم عمله دون الحصول على أي معلومات حول هوية المستطلعين؛ للحصول على إجابات صحيحة من المشاركين من أنحاء العالم كله، مشيرا إلى أن من بين 1848 طيارا، من الذين أجابوا عن الأسئلة حول الصحة العقلية، فإنه يبدو أن 233 (12.6%) يعانون من الاكتئاب، وحوالي 75 (4.1%)، قالوا إنه خطرت في بالهم "أفكار بأن الموت أفضل، أو بإيذاء أنفسهم خلال الأسبوعين السابقين"، ومن هؤلاء 49 عملوا طيارين في الشهر السابق للدراسة.
وتنوه الصحيفة إلى أن 24 طيارا منهم قالوا إن المشكلة "جعلت من الصعب جدا بالنسبة لهم العمل، أو الإيفاء باحتياجات البيت، أوالتفاعل في علاقات صحية مع الناس"، لافتة إلى أن الباحثين أبرزوا مشكلة التحرش الجنسي واللفظي، التي يتعرض لها
الطيارون، وقال الباحثون إن "الطيارات الإناث أبلغن عن أيام أكثر يعانين فيها من التعب النفسي، بالإضافة إلى أن عددا منهن عانين من الإصابة بالاكتئاب أكثر من الطيارين الذكور".
وتقول الدراسة: "ازدياد حالات الاكتئاب بين ضحايا التحرش الجنسي أو اللفظي في دراستنا، يوفر دليلا إضافيا على وجودها بين الطيارين، والآثار السلبية التي تتركها على الضحايا، والحاجة الملحة لإنهاء هذا الشكل من المضايقات، ومساعدة هذه الفئة من العاملين".
وينقل التقرير عن رئيس سلامة الرحلات في اتحاد طياري الخطوط البريطانية الدكتور روب هانتر، قوله إن الطيارين يتمتعون، بشكل عام، "بصحة جسدية وعقلية جيدة جدا.. لكن، كما هو الحال في مجالات الحياة كلها، فإن بعض الطيارين يعانون من الاكتئاب ومشكلات نفسية أخرى، وهذه مشكلة موجودة في كثير من الوظائف، إن لم يكن كلها، التي تعد فيها السلامة ضرورية".
ويضيف هانتر: "إن الدروس التي نحتاج لأن نتعلمها من (جيرمان وينغز) ومن الدراسة، هي أن على الجميع أن يعمل على إزالة الوصمة المرتبطة بالصحة العقلية، ويجب ألا يخشى أحد من مناقشة حالته أو الإخبار عنها.. وكغيرها من مساحات سلامة الطيران، فإن تغيير الثقافة أمر صعب، لكنه ضروري، فنحتاج إلى إيجاد جو من الدعم والتفهم، ويجب أن يشعر الطيارون بأن بإمكانهم (مناقشة مشكلاتهم أو الإبلاغ عنها) دون خوف".
ويورد التقرير نقلا عن مديرة برنامج الصحة في مكان العمل في مؤسسة "مايند" الخيرية مادلين ماكغيفرن، قولها إن الدراسة تظهر أن على شركات الطيران "تقييم الصحة العقلية للطيارين بشكل منتظم؛ لتستطيع التعرف إلى أي مشكلات صحية، وعما إذا كانت قد تؤثر في مقدرتهم على الطيران".
وتستدرك ماكغيفرن قائلة: "يجب عدم تعميم افتراض حول الخطر بالنسبة للناس الذين يعانون من الاكتئاب، أو أي مرض عقلي أو جسدي آخر... فلا بد أن هناك طيارين عانوا من مشكلات صحة عقلية، لكنهم مارسوا مهنتهم بأمان لعقود، فيجب أن يكون التقدير بحسب الحالة"، مشيرة إلى أن المواقف تجاه الصحة النفسية قد تمنع الناس من الحديث مع المقربين إليهم، "ناهيك عن الشركة التي توظفهم".
وتضيف ماكغيفرن: "من الضروري أن يتوفر في كل مكان عمل -بما في ذلك شركات الطيران- بيئة يشعر الموظفون فيها بأنهم قادرون على الحديث عن مشكلاتهم النفسية؛ ليتم اتخاذ إجراءات لتوفير الدعم اللازم لهم..، ويمكن للناس الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية أن يقدموا، وهم يقدمون فعلا، إسهامات مهمة في مكان العمل، بما في ذلك الوظائف الأكثر تحديا ومتطلبات، التي عادة ما ترتبط بالطيران"، بحسب الصحيفة.
وتنقل الصحيفة عن اتحاد "يونايت"، قوله إن "أكثر من ثلثي (طواقم الطائرات) يذهبون للعمل في حالة لا تؤهلهم للطيران؛ لأنهم لا يتحملون التكلفة المادية لأخذ إجازات مرضية"، وأضاف أن 84% من الموظفين قالوا إن ظروفهم المادية منذ الانضمام لشركة الخطوط البريطانية تسببت لهم "بالضغط والاكتئاب"، لافتا إلى أن بعضهم "ينامون في السيارات بين الرحلات؛ لأنهم لا يستطيعون دفع تكاليف الوقود للذهاب إلى البيت"، وقال المدير المحلي لاتحاد "يونايت" مات سميث: "الرواتب المنخفضة قضية تؤثر في السلامة".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول الخطوط البريطانية: "السلامة أولويتنا دائما، ونحن نحافظ على أعلى معايير السلامة، ونحقق بل نتفوق على القواعد الدولية والأوروبية والبريطانية".