ذكرت مجلة "بوليتيكو" أن النائب المسلم
كيث إليسون، النائب في الكونغرس عن ولاية مينيسوتا، المتحدث القوي والمنظم السياسي الذي يتمتع بدهاء، كان يقترب من الفوز برئاسة اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، لولا ما ظهر من تقارير صحافية تشير إلى علاقته بجماعة أمة الإسلام، وإعجابه بزعيمها الحالي
لويس فرخان.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن إليسون كتب في صحيفة طلابية عام 1995، أن فرخان "قدوة" للشباب الأمريكي الأسود، وبدأ الصحافيون بعد ذلك يبحثون في تاريخه، حيث كشفوا عن تعليقات له حول إسرائيل، قالها في عام 2010، واصفا إياها بأنها "بلد سكانه سبعة ملايين نسمة يسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط"، وهو ما دعا إلى شجب من رئيس رابطة التشهير، وأحد المتبرعين الكبار لحزب الديمقراطي حاييم سابان، ما وضع عملية انتخابه لرئاسة اللجنة محلا للشك.
وتنقل المجلة عن إليسون، قوله: "كل شيء لعبة عادلة ومثيرة، وعمري اليوم 53 عاما"، وأضاف في لقائه مع "بوليتيكو"، أن إعجابه بلويس فرخان بدأ عندما كان طالبا، وبعد ذلك تراجع هذا الإعجاب، وقال: "عندي أربعة أطفال، وأصغرهم عمرها 20 عاما، وبعض الأشياء التي تريد أن تتهمني بها كتبتها عندما كنت أصغر منها، حسنا، في نقطة ما، كلنا بشر تطورنا على مدار 25 عاما، لكننا نريد تجميد بعضنا في الزمن".
ويعلق مراسل المجلة غلين تراش، الذي قابله، قائلا إن "إليسون رجل منفتح وجذاب للتحدث معه، ويستمتع بالحديث عن نفسه، وتوضيح مواقفه، وقد فعل ذلك في مذكراته التي صدرت مؤخرا، ولم يوافق على ما يبدو على ما قلته بأن كل ما يقوله ويؤمن به المسؤول السياسي في شبابه يجب أن يكون جزءا من لعبة عادلة، وتساءل إليسون، الذي تحول من الكاثوليكية إلى الإسلام، قائلا: (لكن كل كلمة)".
ويستدرك التقرير بأنه رغم الدعم الذي حظي به إليسون في البداية من التقدميين الشعبويين إليزابيث وارين وبيرني ساندرز، إلا أن الجدل أدى إلى بروز منافسين، ففي الأسبوع الماضي قفز وزير العمل توم بيريز، أحد رجال باراك
أوباما، إلى السباق، مشيرا إلى أن الحملة يقودها رجال محسوبون على أول رئيس أمريكي أسود، وهو ما أثار غضب إليسون.
وتلفت المجلة إلى أن هؤلاء الناشطين ينظرون إلى مينسوتا على أنها الولاية المرتبطة بسياسة الهوية، التي يعتقدون أنها جعلت هيلاري كلينتون تدفع ثمن السباق إلى البيت الأبيض، مشيرة إلى قول أحد حلفاء أوباما القدماء: "كلنا يحب كيث"، وتساءل قائلا: "لكن، هل هو حقيقة الرجل الذي نريده الآن، في وقت نحاول فيه جذب المحرومين البيض من الطبقة العاملة، وتعبئتهم حول رسالتنا عن المساواة الاقتصادية؟".
ويقول تراش: "مع أن النقطة الخلافية كانت هي لويس فرخان، إلا أن مضمون النقاش حول انتخاب إليسون يتعلق بمستقبل الحزب الذي عانى من هزيمة مدهشة في صناديق الاقتراع، لم يشهدها منذ أجيال، وبعد سنوات من التعفن في ظل إدارة فريق باراك أوباما، المهووس بالماركة السياسية".
ويضيف الكاتب أن "بيريز، بالإضافة إلى مسؤولين معروفين في الحزب، وهما ريموند باكلي من نيوهامبشير، وجيمي هاريسون من ساوث كارولينا، يقومون بمحاولة تعلم الدروس الصعبة من فوز دونالد
ترامب، وهي الحاجة إلى إنعاش عمل الفروع المحلية للحزب في الولايات كلها، وهو عمل يعاكس استراتيجية أوباما، التي قامت على توسيع تأثير الحزب للحد الأقصى بين الأقليات العرقية والجماعات الليبرالية في المدن الساحلية".
وينوه التقرير إلى أن إليسون يؤمن بهذه الاستراتيجية، لكنه يركز على دراسة الأسباب التي أدت إلى فشل حملة كلينتون في تحقيق النصر، ويعتقد أن المستقبل هو في العمليات التي تركز على تعبئة عالية للناخبين بين الجماعات التي تم استهدافها في أعوام 2008 و2012 و2016، ويقول إليسون: "بالطبع يجب أن تكون لدينا مظلة كبيرة تشمل الجميع، وعلينا إشراك الجميع، لكننا لا نقوم بعمل جيد كما هو متوقع في أي من القطاعات"، ويضيف: "هناك ملايين من الناس سجلوا للتصويت، أو يحق لهم التصويت ممن لم يشاركوا في الاقتراع، وبعض هؤلاء نساء بيضاوات، ونساء متعلمات، وبعضهن نساء سوداوات، ورجال سود، تخرجوا من الكليات، وبعضهم من اللاتينو".
وتورد المجلة أن إليسون يرى أن المسألة لا تتعلق بموضوع واحد، أو حتى التركيز على الاقتصاد، لكنها تكمن في تحفيز الاهتمام الكافي ودفع قاعدة الحزب، ويقول إليسون: "لو كانت مشكلتنا في قلة المشاركة في الانتخابات، فإنني سأكون الشخص المناسب لحل هذه المشكلة".
ويقول تراش: "مثل بقية الديمقراطيين الذين تحدثت إليهم، فإن إليسون معجب بمهارات ترامب السياسية، ويرى أن هناك ربحا سياسيا بتبني رسالته البسيطة والواضحة، لكنه لا يرى أي فائدة من التعاون معه، خاصة في مشاريع البنية التحتية، التي يريد إقامتها، وسيتم تمويلها من الحوافز الضريبية، وهي مثل (حصان طروادة)، ويجب على الديمقراطيين معارضتها".
ويفيد التقرير بأنه عندما سُئل إليسون عن ترامب، وعما إذا كان خطابه الذي تحدث فيه يعبر عن عنصرية، كما أشار عدد من القادة السياسيين الأفرو أمريكيين، فإن النائب المسلم هز كتفه، وقال: "هناك عنصرية، وهناك من لا يراعون الحساسيات العنصرية، وهناك من هم معادون للعنصرية"، وأضاف: "هناك مستويات، وأعتقد أنه شخص يمكنه التلاعب بالعرق من أجل الحصول على شيء يريده، وهذا أمر سيئ بحسب رأيي، وهو نوع من الانحطاط، ولا يمكن الإعجاب به، وربما كان خوفه من لون البشرة هو ما يجعله كذلك، وسأكون مرتاحا للاعتقاد بأن هذا ربما كان صحيحا، وفي الوقت ذاته، ماذا في ذلك؟ لأن القوة التي حصل عليها من أناس يؤمنون بمواقف عنصرية تجعله يؤمن بما يؤمنون".
وتبين المجلة أن "مواقف إليسون العنصرية، التي أصبحت محل نقاش، تطورت بناء على مسار تقليدي للشباب السود في الكليات، ومن أبناء جيله، فهو ابن الثمانينيات من القرن الماضي، وشاهد انفجار العنف والقتل داخل المجتمع، وجرائم المخدرات في مدينته الأم ديترويت، ومدينته التي تبناها منيابوليس، وبحث عن طرق ليواجه هذا كله".
ويقول إليسون للمجلة: "وهكذا، مثل ما حدث في عام 1991، تم ضرب رودني كينغ أمام عدسة الفيديو، 50 ضربة تقريبا، كلها مسجلة، ووقفت الشرطة تتفرج"، وأضاف: "كان يحدث هذا في أنحاء البلاد كلها، وفي عام 1995 في منيابوليس، المعروفة بالمدينة الهادئة، تحولت إلى مدينة الجريمة، وفي ديترويت كان معدل البطالة عاليا، وكانت درجة العنف المجتمعي مرتفعة، وكانت علاقات الشرطة مع المجتمع مروعة، وكان هناك الكثيرون يأتون للحديث حول هذا الموضوع، وكان فرخان واحدا منهم".
ويذكر الكاتب أن نقاد إليسون يرفضون روايته حول علاقة الانجذاب التي استمرت 18 شهرا بفرخان، التي تبعتها سنوات من الشجب لحركة أمة الإسلام، ويشيرون إلى خطابات وقصاصات صحف، قالت إن علاقته مع أمة الإسلام امتدت طويلا أكثر مما يقول، لافتا إلى أن الموضوع بالنسبة لإليسون هو مرحلة انتقالية، بدأت بدور دافع فيه عن مسيرة المليون، التي دعا إليها فرخان عام 1995.
ويعلق إليسون قائلا: "من الصعب على الناس، الذين ليسوا جزءا من التجربة، فهمها، لكن هناك لحظات في حياتك عندما يقوم البعض بالحديث بطريقة صريحة وشجاعة ضد الظروف التي ترى أنها مثيرة للاستفزاز، تجعلك تشعر بأنك عرضة للأذى".
ويضيف إليسون: "عندما بدأ الهجوم على المسيرة، رددت وحاولت الدفاع عنها، واعتقدت أنه من الضروري الدفاع عن الرجل الذي دعا إليها، واكتشفت أن ذلك الدفاع لم يكن في محله، لماذا؟ لأنني اكتشفت أن هؤلاء كانوا جيدين في جمع المال، واستخدام المنبر لاستثمار الغضب، دون أن يقدموا للناس شيئا في المقابل، وقاموا بتحميل الآخرين المسؤولية، أي جعلهم كبش فداء، وليس فقط اليهود، لكن غيرهم من المثليين والوعاظ السود والمسلمين الآخرين، والقائمة طويلة".
ويورد التقرير أنه عندما أشار الصحافي إلى أن هناك تشابها بين خطاب فرخان وترامب، ابتسم إليسون، وعدل جلسته، وقال: "سأقول لك هذا: إنهما متحدثان جذابان، ويعبران عن ألم الناس، ولوم الآخرين هو حيلة قديمة".
ويفيد تراش بأن "إليسون، كونه واحدا من نائبين مسلمين في الكونغرس، الثاني هو أندريه كارسون (عن ولاية إنديانا)، فإنه قضى وقتا طويلا في الدفاع عن دينه، وتوضيح أن معتقداته لا تستدعي منه الدفاع عن الجهاد العالمي، وفي محاورة سيئة في عام 2006 تحداه غلين بيك قائلا: (اثبت لي أنك لا تتعاون مع أعدائنا)، ولا يزال يتعرض لهذا في الطريق، ويرد بأخذ نفس عميق، وشرح ما يتطلبه دينه منه، وإن كانت هناك أرضية مشتركة بين الشعائر الإسلامية من جهة والمسيحية واليهودية من جهة أخرى".
وتذهب المجلة إلى أنه "مثل خطاب أوباما، فرؤية إليسون متجذرة في الإرث المشترك ونشوئه بصفته أسود، ومثل أوباما، فإن جذره الاستثنائي يذهب أبعد من تلك الحدود، حيث قضى معظم وقته شابا يشرح بصبر لزملائه في المدرسة أنه لم ينشأ في غيتو فقير يتيما، ولا يعرف الكتب، فكان والده طبيبا نفسيا معروفا في ديترويت، أما والدته فكانت اختصاصية اجتماعية، بالإضافة إلى أن معظم أسلافه من ميتشغان ولويزيانا نشأوا في ظل عائلة متماسكة كانت تقدر التعليم".
ويجد التقرير أن "هذا لا يعني وجود تجارب مختلفة داخل هذه النشأة في طبقة متوسطة، فوجد في صباه أن جده لوالدته، الذي كان يملك عقارات، لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ويتذكره إليسون بأنه من أذكى من عرف، حيث كان يعمل في مصنع، ووفر ماله، واشترى عقارات للتأجير، وكان يطلب من إخوانه كتابة الفواتير للمستأجرين".
وتختم "بوليتيكو" تقريرها بالإشارة إلى أن إليسون عاد ذات مرة إلى البيت لتغيير ملابسه، وسأل أمه ببراءة عن السبب الذي يجعل جده بحاجة إلى مساعدة في أعماله المكتبية، وعما إذا كان يعاني من مرض في عينيه، فأجابت أمه غاضبة: "لا تخجل من جدك، فحيثما جاء جدك لم يكن يُسمح له ولأمثاله بالذهاب إلى المدرسة، فقد كان مجبرا على العمل في الحقول عندما كان في سنك".