تثير الضربات المتفرقة التي ينفذها
تنظيم الدولة في العديد من دول العالم تساؤلات حول نجاعة هذه الطريقة في الرد على استهدافه في معاقله في
العراق وسوريا، ومدى تأثيرها على خصومه؛ لدفعهم إلى التراجع قليلا عن استهدافه.
وشن تنظيم الدولة منذ تأسيس التحالف الدولي ضده عشرات الهجمات في دول العالم المشاركة في التحالف، التي لم تقتصر على الأهداف العسكرية، بل طالت العديد منها أهدافا مدنية راح ضحيتها مئات الأشخاص، مثل الهجمات التي شنها في فرنسا خلال مباراة دولية بكرة القدم العام الماضي، وفي أحد المسارح، بالإضافة إلى الهجوم على مطار بروكسل الذي أوقع عشرات القتلى.
ولعل آخر هجمات تنظيم الدولة على الدول المشاركة في التحالف الدولي ضده ما وقع في مدينة الكرك جنوب الأردن، حين اكتشف الأمن خلية نائمة للتنظيم عن طريق الصدفة، بعد استنشاق صاحب شقة رائحة بارود أبلغ على إثرها الأمن الأردني، لتبدأ بعدها عملية إطلاق نار استمرت ساعات طويلة، نتج عنها مقتل 14 شخصا و4 مسلحين، اعترف التنظيم في اليوم التالي أنهم من عناصره.
وتنوعت أساليب التنظيم في هذه العمليات ما بين عمليات فردية ينفذها شخص واحد عرفت باسم "الذئاب المنفردة"، بالإضافة لعمليات مركبة ينفذها عدد من الأشخاص تتوزع المهام بينهم ما بين إطلاق نار وتفجير، في المحصلة يكون الهدف إيقاع أكبر عدد من القتلى، سواء مدنيين أو عسكريين.
مواصلة الاستنزاف
المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي، عامر السبايلة، يقول إن تنظيم الدولة يسعى من خلال العمليات الخارجية إلى إرسال رسالة مفادها أن "ضربه في
سوريا والعراق لن يجدي، ولن يحد من قدرته على الضرب في كل مكان تطاله يده".
وقال السبايلة لـ"عربي21" إن التحرك الواسع للتنظيم يشير إلى أن ضرب مركزه في الرقة والموصل يجعله في حالة "لا مركزية في عملياته، ويدفعه لتنفيذ عمليات بهدف الإيذاء ومزيد من القتل، ولو بشكل فردي".
ولفت إلى أن الدول المشاركة في التحالف الدولي، وعلى الرغم من "عدم ركوعها أمام هجماته، إلا أنها تتعرض لاستنزاف أمني واستخباراتي وتكلفة اقتصادية كبيرة نتيجة؛ تكثيف جهدها الأمني والاستنفار الدائم ضد هجمات التنظيم".
وأضاف: "تنظيم الدولة يدرك أنه لا يستطيع خوض مواجهة مفتوحة في دول محترفة أمنيا واستخباريا، لكنه يدفع هذ الدول للنزيف المستمر في مواجهاته المفاجأة وبأساليب عملياته، التي لا تعتمد على التعقيد".
وشدد على أن التنظيم "يبحث بشكل دائم على مواطن الخلل التي تمكنه من الدخول إلى أي دولة، والتحرك لتنفيذ عمليات على أرضها، وإيقاع عدد كبير من القتلى، مع تأكده التام أن هذه العملية لن تخفف الضغط عنه في معاقله بالعراق وسوريا، لكنه يريد الاستمرار في الإزعاج، وتكبيد هذه الدول خسائر موجعة".
وحول استراتيجية العمليات الخارجية، قال السبايلة إن التنظيم ومنذ إعلان الخلافة "حوّل المعركة إلى معركة كونية، وقسم المشاركين فيها إلى معسكري خير وشر، ووضع كل شخص في موقع استهداف عبر عمليات بسيطة التخطيط وغير معقدة، على خلاف عمل تنظيم القاعدة الذي كان يتسم بالتخطيط والتعقيد لإلحاق الضرر واستمرار إزعاج الخصم".
ولفت إلى أن هذه الاستراتيجية "يمكن أن تأخذنا إلى مرحلة ترويض الأجهزة الأمنية والاستخبارية في العالم على نوع معين من العمليات، لتعتاد عليه وتتوقعه بشكل دائم، مثل عمليات إطلاق النار على دورية هنا وهناك، أو قتل أشخاص داخل سوق، لكن الخطير في الأمر هو انتقاله لمرحلة عمليات أكثر تعقيدا وتأثيرا تفاجئ أجهزة اعتادت مدة من الزمن على نمط واحد".
وشدد على أن المكسب الأهم للتنظيم هو "إبقاء الفكرة بالأساس، وليس بقاء الدولة على الجغرافيا، والاستمرار بالقدرة على الضرب في أي مكان يريده".
وأضاف: "حتى في حال سقطت الدولة التي أقامها، فهو في الوقت ذاته يهدف إلى استمرار الفكرة وإرثها، وربما ينتقل لمرحلة أن يكون هناك داعش 2 تواصل العمل والضرب أينما أرادت".
ورثة التنظيم
ورأى السبايلة "أن العالم يتوهم أنه بسقوط تنظيم الدولة في العراق وسوريا فإن ذلك يعني نهايته، ولو حدث وانتهى التنظيم فوجود ورثة له أمر حتمي، وسيعملون بالنهج ذاته، وربما بشكل أكثر ضراوة".
وحول طريقة العمل الخارجي للتنظيم، قال السبايلة: "تنظيم الدولة استقطب في البداية كل الخلايا التي زرعتها التنظيمات السابقة، واستثمر انتشار فكره في أنحاء العالم، بالإضافة لإسقاط فكرة الحدود الجغرافية من قاموس عمله، وقام بتشكيل وتفعيل خلاياه النائمة".
وأوضح: "الأطراف التي تبايع التنظيم في الخارج تمنحه القدرة على الفعالية، ويكفي أن تكون الدعوة مفتوحة، ولا تتضمن أن يكون هناك أوراق انتساب للتنظيم لتصبح عضوا فيه، بل يلزمك فقط الاستماع لرسائله والتحرك بشكل فردي لضرب أي مكان، وبالتالي نسبة الإنجاز له".
وشدد على أن تنظيم الدولة استطاع استقطاب كل من يمكن استقطابه من أصحاب فكر مشابه لفكره وأصحاب العقد النفسية والمشاكل الاقتصادية، وقام بتوظيف كل هذا الخليط ليصبح جزءا منه ويأتمر بأمره.
وأضاف: "تنظيم الدولة لا يعرف كل خلاياه النائمة والأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بعمليات لأجله، وكل ما يقوم به هو تغذيتهم بالفكر عن بعد".
وأبدى السبايلة تخوفاته من فقدان السيطرة على تحركات التنظيم حول العالم، وقال: "الطريقة التي فتح بها التنظيم المعركة يصعب السيطرة عليها مستقبلا؛ لأننا انتقلنا إلى فكرة أن الأطراف مستقلون وأصحاب قرار في التنفيذ، وبالتالي فإن أي شخص عادي مرشح ليكون مشروع مقاتل في التنظيم بأبسط الوسائل".
ولفت إلى أن العالم حينها "سيكون أمام مشهد مليء بالفوضى، يصعب على أعتى أجهزة الاستخبارات في العالم السيطرة عليه؛ لأن أشخاصا مجهولين يتحركون دون توجيه، ودون اتصالات يمكن رصدها في اللحظة التي قرروا فيها تنفيذ عمليات فردية، كإطلاق النار أو الطعن أو الدهس بالشاحنات، كما حصل في فرنسا".
وأوضح أن "حطب
الإرهاب القادم، سيتشكل من الأفراد المستقلين الذين تشربوا أفكار التنظيم، ولا يمكن السيطرة على موعد تحركهم"، على حد وصفه.