قال مسؤولان غربيان إن الولايات المتحدة كانت تنوي السماح لمجلس الأمن الدولي بالموافقة على مسودة قرار يطالب بإيقاف البناء الاستيطاني
الإسرائيلي، في خطوة تمثل تحولا كبيرا في الحماية الأمريكية المعهودة لإسرائيل، التي تحول دون توجيه مثل هذا الانتقاد لها.
وفي خطوة مفاجئة، أرجأت
مصر التي اقترحت مسودة القرار التصويت عليه، والذي كان مقررا عصر الخميس، وقال دبلوماسيون إن التأجيل نجم عن ضغوط من إسرائيل، وعن رغبة في تجنب إثارة استياء الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب.
وقال المسؤولان الغربيان إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانت تعتزم الامتناع عن التصويت، وهي خطوة نادرة نسبيا من جانب الولايات المتحدة تتيح توجيه انتقاد للبناء الاستيطاني على أرض يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.
وأضافا أن المسؤولين الأمريكيين عبروا عن تنامي القلق من أن يعرقل البناء الاستيطاني الإسرائيلي حل "الدولتين"؛ لذا كانوا أكثر استعدادا لإبداء انتقاد علني له.
وحث ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو البيت الأبيض على استخدام حق النقض (الفيتو)؛ لعرقلة القرار، في مؤشر على القلق من أن يتخلى أوباما عن الحماية الدبلوماسية الأمريكية الطويلة لإسرائيل.
إقرأ أيضا: هآرتس: لهذا سحب السيسي قرارا لمجلس الأمن ضد الاستيطان
وقال مسؤول في إدارة ترامب الانتقالية إنه جرى اتصال هاتفي بين ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي، وإنهما تناولا إرساء قواعد العمل من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط.
بدورها أعلنت الرئاسة المصرية الجمعة أن مصر وافقت على تأجيل التصويت على مشروع قرار ضد الاستيطان الاسرائيلي في مجلس الأمن الدولي بعد اتصال تلقاه عبد الفتاح السيسي من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وقالت الرئاسة المصرية إن السيسي وترامب "اتفقا على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأميركية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية" على حد وصف البيان.
وقال مكتب السيسي إن محادثة هاتفية جرت بين الزعيمين.
وقال المتحدث الرئاسي علاء يوسف: "تم خلال الاتصال التباحث حول الأوضاع الإقليمية وتطوراتها المتلاحقة، التي تنبئ بتصاعد التحديات التي تواجه الاستقرار والسلم والأمن الدوليين، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط".
وأضاف: "وفي هذا الإطار، تناول الاتصال مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن حول الاستيطان الإسرائيلي، حيث اتفق الرئيسان على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدة للتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية؛ بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية".
وتطالب مسودة القرار إسرائيل "بوقف فوري وكامل لجميع أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية".
وتقول المسودة إن بناء إسرائيل للمستوطنات "لا يستند إلى أي أساس قانوني، وهو انتهاك صارخ للقانون الدولي". كما يبدي النص قلقا شديدا من أن استمرار النشاط الاستيطاني "يعرض للخطر الشديد الحل القائم على أساس الدولتين".
ومصر حاليا عضو في مجلس الأمن، وعملت مع الفلسطينيين على صياغة مسودة القرار.
وصرّح مسؤول إسرائيلي كبير بأن الحكومة الإسرائيلية طلبت من ترامب ممارسة ضغوط؛ لتفادي موافقة مجلس الأمن على مسودة القرار، بعد أن علمت أن إدارة أوباما تعتزم السماح بصدوره.
وأضاف أن المسؤولين الإسرائيليين أجروا اتصالات "رفيعة المستوى" مع فريق ترامب الانتقالي، بعد أن فشلوا في إقناع المسؤولين الأمريكيين باستخدام (الفيتو) لمنع التصديق على القرار المقترح، وأنهم طلبوا منه التدخل.
وتعتقد حكومة نتنياهو، التي شاب التوتر علاقتها بأوباما، أن إدارته خططت منذ فترة لمثل هذا التصويت في مجلس الأمن بالتنسيق مع الفلسطينيين.
وقال المسؤول: "كان هذا انتهاكا لالتزام أساسي بحماية إسرائيل في الأمم المتحدة".
من ناحية أخرى، قال دبلوماسيون إن نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال أبلغت مصر بأنها إن لم توضح بحلول منتصف ليل الخميس ما إن كانت تعتزم الدعوة لإجراء تصويت على مسودة القرار فإن هذه الدول تحتفظ بحق طرح هذه الدعوة.
وقالت الدول الأربع، في مذكرة لمصر اطلعت عليها "
عربي21": "في حال قررت مصر أنه لن يمكنها المضي في الدعوة لإجراء تصويت في 23 ديسمبر، أو إذا لم تقدم ردا قبل انقضاء ذلك الموعد، فإن هذه الوفود تحتفظ بالحق في تقديم المشروع... والتحرك لإجراء تصويت عليه بأسرع ما يمكن".
وكان الفلسطينيون طرفا أيضا في المذكرة، التي قالت: "هناك شعور قوي بخيبة الأمل"؛ لعدم تصويت مجلس الأمن على النص يوم الخميس كما كان مزمعا.
علاقات بناءة مع ترامب؟
قال دبلوماسي إسرائيلي إن مسؤولين في مكتب نتنياهو تحدثوا مع مسؤولين مصريين يوم الخميس بشأن تأجيل التصويت.
ولم تتضح طبيعة الضغوط التي ربما مارستها إسرائيل على مصر، لكن هناك العديد من السبل لذلك، بما يشمل الحد من التعاون الإسرائيلي الأمني في محاربة الإسلاميين المتشددين في شبه جزيرة سيناء.
ولجأ نتنياهو إلى "تويتر" في جوف الليل، لتوجيه نداء باستخدام الفيتو، في علامة تدل على قلقه من أن يطلق أوباما طلقة الوداع على سياسة طالما كان يعارضها، وعلى زعيم يميني كانت علاقته به مضطربة.
وبعد ساعات، قدم ترامب دعما لنتنياهو عبر "تويتر" و"فيسبوك"، متناولا قضية من أكثر القضايا المثيرة للجدل في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ومساعي تنفيذ حل الدولتين، المتوقفة فعليا منذ عام 2014.
وقال ترامب: "القرار المتعلق بإسرائيل الذي يبحث في مجلس الأمن يجب استخدام حق النقض ضده".
وأضاف: "كما قالت الولايات المتحدة مرارا.. السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لن يتحقق إلا من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين، وليس من خلال فرض الأمم المتحدة شروطا... هذا يضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وينطوي على ظلم شديد لجميع الإسرائيليين".
وامتنع البيض الأبيض عن التعليق، وأحجمت وزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق على ما تردد من اعتزام واشنطن الامتناع عن التصويت.
انتقاد أوباما للمستوطنات
دأبت إدارة أوباما على توجيه انتقادات حادة لبناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. لكن مسؤولين أمريكيين قالوا هذا الشهر إنه ليس من المتوقع أن يتخذ الرئيس خطوات كبيرة فيما يتعلق بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين قبل أن يترك منصبه.
وتعزز موقف زعماء تيار اليمين المتطرف والمستوطنين في إسرائيل بانتخاب ترامب، الذي أشار بالفعل إلى تغيير محتمل في السياسة الأمريكية، عندما عين أحد محاميه -وهو جامع تبرعات لمستوطنة إسرائيلية كبيرة- سفيرا لواشنطن لدى إسرائيل.
وقال نتنياهو -الذي يشكل المستوطنون شريحة أساسية من قاعدته الانتخابية- إن حكومته كانت أكبر حليف لهم منذ الاستيلاء على الضفة الغربية والقدس الشرقية في حرب عام 1967.
وتعتبر إسرائيل أن القدس بأكملها عاصمتها، وهو أمر لا يحظى باعتراف دولي.
وتقول الولايات المتحدة إن استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات يفتقر للشرعية، لكنها لم تصل إلى حد تبني موقف العديد من الدول الأخرى، القائل بأنه غير قانوني بموجب القانون الدولي. ويقيم نحو 570 ألف إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ولإصدار أي قرار من مجلس الأمن، فإن مشروع القرار يحتاج إلى موافقة تسعة أعضاء، وألا تستخدم أي من الدول دائمة العضوية في المجلس، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين، حق النقض ضده.
واستخدمت الولايات المتحدة الفيتو لمنع عشرات القرارات المتعلقة بإسرائيل في مجلس الأمن، ويعدّ امتناعها عن التصويت في هذا الصدد أمرا نادرا.