حملت موافقة مجلس الوزراء في
مصر على اتفاقية جزيرتي
تيران وصنافير مع
السعودية، وإحالتها للبرلمان، العديد من الدلالات السياسية؛ خاصة وأنها جاءت في وقت شهدت فيه العلاقات بين البلدين توترا غير خاف، وجفاء سياسيا غير معتاد.
وبموجب الاتفاقية التي أبطلها القضاء الإداري سابقا؛ تنتقتل تبعية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى السعودية. لكن قبل نحو أسبوعين من حكم مرتقب لمجلس الدولة الذي ينظر بطعن قدمته الحكومة على حكم سابق للقضاء الإداري ببطلان الاتفاقية، استبقت الحكومة الموعد وأحالت الاتفاقية للبرلمان الذي يهيمن عليه الموالون لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، قائلة إن البرلمان هو صاحب الاختصاص في هذا الموضوع.
ترحيب سعودي
وفي هذا السياق، توقع عضو مجلس الشورى السعودي السابق، محمد عبدالله آل زلفة، أن تسهم موافقة مجلس الوزراء على الاتفاقية، وإحالتها للبرلمان، في "تنقية الأجواء الملبدة بين البلدين".
وقال لـ"
عربي21": "مثل تلك القضايا كان ينبغي أن تحسم منذ بداية الأمر، ولا تترك للنقاش والجدال"، وفق تعبيره.
ورأى أن أمر الجزيرتين "قد يكون حُسم بتلك الخطوة"، لكنه أضاف أن "هناك من يريد أن يعكر صفو العلاقات بين البلدين؛ لأسباب مصطنعة، وهناك من يرغب في توترها، لصالح أطراف خارجية لإضرار بالبلدين"، وفق تقديره.
واستبعد أن تكون السعودية قد مارست ضغوطا، سواء سياسية أو اقتصادية، على مصر، بشأن الجزيرتين، وقال: "ليس من طبيعة المملكة أن تمارس ضغوطا على أي دولة شقيقة، وخاصة إذا كانت مثل مصر"، مطالبا من وصفهم بـ"العقلاء والمثقفين والخبراء"؛ بـ"إدراك حقيقة سعودية الجزيرتين، وأن إدراة مصر لها لا يعني امتلاكها لها للأبد"، كما قال.
أوراق ضغط سعودية قاسية
في المقابل، توقع مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير عبد الله الأشعل، أن يصوت مجلس النواب على الاتفاقية، وقال لـ"
عربي21": "سيوافق البرلمان المعين على الاتفاقية".
وأشار الأشعل إلى أن "السعودية وضعت شرطين لعودة المياه إلى مجاريها (بين الجانبين)، من بينها تسليم الجزيريتن، والشرط الثاني، هو إقالة وزير الخارجية سامح شكري".
وأكد أن "السعودية تدرك تماما أن كل شيء بيد نظام السيسي حكومة وبرلمانا وقضاء، فلم المماطلة؟"، لافتا إلى أن "النظام لا يخشى رد فعل الشارع المصري، بعد أن تكفل الأمن والإعلام بكل شيء لترويج ما يريد وقمع من يشاء"، كما قال.
وبيّن أن من أهم أوراق الضغط السعودية "الأموال التي تسلمها السيسي من السعودية ولم تدخل خزينة الدولة"، معربا عن مخاوفه من أن "الجزيرتين على وشك أن تُمسحا من خريطة مصر، وأن تلحق بهما مناطق أخرى طالما كان هناك نظام يحكم ويملك وحده"، وفق قوله.
"عار وخيانة"
بدوره، قال الصحفي عمرو بدر، لـ"
عربي21"، إن "من وافق على الاتفاقية، وقرر إحالتها للبرلمان، هو الرئيس وليس الحكومة، فالحكومة بما فيها رئيسها مجرد سكرتارية في مكتب السيسي"، على حد وصفه.
واعتقلت السلطات بدر لمدة أربعة أشهر قبل أن تفرج عنه في آب/ أغسطس الماضي، بعد اقتحام قوات الأمن نقابة الصحفيين للقبض عليه؛ على خلفية موقفه الرافض لاتفاقية ضم الجزيرتين للسعودية.
وأرجع بدر اختيار الحكومة هذا التوقيت للموافقة على الاتفاقية؛ إلى "مخاوف السلطة من صدور حكم نهائي لصالح مصرية الجزيرتين، وتتسق مع الاتصالات الجارية مع السعودية لعودة العلاقات لسابق عهدها"، واستدرك قائلا: "من الواضح أن من شروط عودة العلاقات تسليم الجزيرتين".
وذهب بدر إلى القول بأن السعودية قد "مارست ضغوطا سياسية واقتصادية بكل الأدوات التي تملكها من أجل تلبية شروطها"، مؤكدا "أن البرلمان أمام لحظة كاشفة، وإن موافقة أي نائب على الاتفاقية ستكون عارا يلاحق صاحبه، وسيذكر التاريخ أسماء كل من وافقوا على تسليم الأرض المصرية في باب الخيانة"، وفق تعبيره.
رسائل إيجابية
من جهته؛ رأى مستشار المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، محمد مجاهد الزيات، أنه "لا تعارض بين مسار الحكومة بالموافقة على الاتفاقية، وبين مسار القضاء الذي ينظر طعن الحكومة على الحكم ببطلانها".
وقال لـ"
عربي21": "الحكومة اتخذت قرارا نهائيا منذ البداية بشأن سعودية الجزيرتين، لكن حال دون إنهائها رفع دعاوى قضائية تطالب ببطلانها، والبرلمان صاحب القرار في النهاية"، وفق قوله.
وأعرب عن اعتقاده بأن "الحكومة قصدت بهذه الموافقة في هذا التوقيت إلى تخفيف حدة الاحتقان بين مصر والسعودية، انتظارا لما ستسفر عنه الجولات القضائية والبرلمانية"، مشيرا إلى أن الجانبين "أبعد حاليا عن سياسة استخدام الأوراق ضد بعضهما الآخر".
واستبعد أن تؤثر موافقة الحكومة على الاتفاقية وإجالتها للبرلمان على سير القضية، مؤكدا أن "القضاء ينظر في وثائق وخرائط ولا ينظر لموقف الحكومة، وإذا وافق البرلمان عليها، وأبطلها القضاء، فالمحكمة الدستورية العليا هي من سوف تفصل في شأنها"، كما قال.