بلغ التنسيق الأمني حول إدارة
المساجد، بين وزارة
أوقاف الانقلاب بمصر، وبين جهاز
الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا) أقصى درجات التعاون، وذلك في عهد الوزير محمد مختار جمعة، الذي شغل منصبه منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، وحافظ عليه في جميع التغييرات والتعديلات الوزارية، بحسب مراقبين.
وأخذ جمعة على عاتقه توحيد خطبة الجمعة، ومنعها في الزوايا، واقتصارها على الخطباء الأزهريين والمصرح لهم، ومنح مفتشي الوزارة "الضبطية القضائية" لمراقبة المساجد، وضبط المخالفين لتعليمات وقرارات الوزارة.
وكشف أئمة ودعاة وخطباء التقتهم "
عربي21" عن تعرضهم لمضايقات من جهاز الأمن الوطني، وإشرافه على ملفات جميع المنتسبين للوزارة؛ من خلال التنسيق مع جميع إدارات الأوقاف على مستوى الجمهورية، التي يوجد فيها أكثر من 110 آلاف مسجد.
الأمن والأوقاف
وفي هذا السياق؛ قال الشيخ بلال عبدالله (إمام وخطيب) إن جهاز أمن الدولة لديه ملفات جميع الأئمة والخطباء، مؤكدا أنه "يشدد الرقابة على المساجد الكبيرة".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "من يتولى التنسيق مع الأمن؛ هم مديرو ومفتشو الأوقاف في المدن، وهناك قائمة سوداء بعدد كبير منهم" على حد تعبيره.
وعن العقوبات التي تنتظر الأئمة والخطباء في حال خالفوا تعليمات أو قرارات الوزارة التي يوصي بها الأمن بشأنهم؛ أوضح أنها "تتراوح بين التعنيف، والإهانة، والخصم، وتوقيع الجزاءات، وتصل إلى التحويل لعمل إداري، وأحيانا للفصل من العمل نهائيا".
وأكد الشيخ عبدالله أن "الارتباط بين الأوقاف والأمن ليس وليد عهد السيسي"، مستدركا بأنه "بلغ أقصاه في عهده الذي اتسم بوضع قواعد وضوابط صارمة أمام كل من يريد أن يعتلي المنبر، أو يعطي دروسا دينية، فلا تفتح المساجد إلا في أوقات الصلاة فقط، حتى في شهر رمضان الكريم، إلا في بعض المساجد الكبرى".
هيمنة الدولة
من جهته؛ قال عضو لجنة الفتوى السابق بالأزهر، هاشم إسلام، إن "الأنظمة الحاكمة في العالم العربي هي من يدير المؤسسات الدينية التي هي في الحقيقة تابعة وخاضعة لها، وليست مستقلة بذاتها، على العكس تماما من المؤسسات الدينية غير الإسلامية".
وأضاف إسلام لـ"
عربي21" أن تدخل الأمن في إدارة المساجد "لا يخفى على أحد، وهناك شواهد وأدلة يلمسها كل من يشرف على هذا الملف في الأوقاف"، مستشهدا بالقول إنه "لا يعين الشيخ إلا بعد موافقة الأمن، ويمتد هذا الواقع ليشمل التعيين في العديد من المناصب الإدارية في الدولة، كالجامعات والكليات والوزارات والمحافظات".
دور أمني محدود
على الجانب الآخر؛ قال وكيل وزارة الأوقاف الأسبق لشؤون المساجد، فؤاد عبدالعظيم، إن "الأمن ليس له دور إلا في حالات المخالفين فقط، وإن من يزعم غير ذلك فإنما لغرض في نفسه" على حد تعبيره.
وأضاف لـ"
عربي21": "عملت 13 عاما وكيلا للأوقاف في سبع محافظات؛ أدركت خلالها أن دور الأمن يقتصر على حماية البلاد من الأشخاص الذين يسعون لتدميرها؛ من خلال الترويج لأفكار غير وسطية، أو سياسية لخدمة تيار أو فصيل أو انتماء بعينه".
وأكد أن "الأمن لا يتدخل في شؤون إدارة المساجد ما دام الدعاة والأئمة يحافظون على النهج الأزهري القويم، بل العكس يشجعونهم على عملهم، أما من يخرج من تحت مظلة الأزهر فلا مكان له في الوزارة، ولا يصعد أحد للمنبر إلا بتصريح يخوله بالخطابة".
ورأى أن الكلام عن تجديد الخطاب الديني "أخذ مساحة كبيرة، لكن التطبيق الفعلي والتغيير المنهجي بأدواته المطلوبة ما زال بعيدا عن الواقع؛ لغياب التواصل مع المجتمع بشكل واقعي".
استدعاء وتحقيق وتهديد
ولكن الإمام والخطيب الشيخ ناصر شرف، أكد أنه مهدد بالفصل من عمله بسبب "التنسيق الأمني".
وأضاف لـ"
عربي21": "تم استدعائي أكثر من مرة، وأخبروني بأنه يجب أن أحدّ من عدد الدروس التي ألقيها في المساجد".
وانتقد التنسيق الأمني بين الأوقاف والأمن تحت مسمى تجديد الخطاب الديني، قائلا إن "الأمر في غاية السوء، والأصوب القول إن هدف التنسيق الأمني هو تجفيف الفهم الصحيح للدين، وإشاعة التبعية".
وأكد الشيخ شرف أن ما يجري هو "إرهاب للإمام، وتنفير للناس عن بيوت الرحمن، وسعي حثيث لفصل الدين عن كل مناحي الحياة باستثناء ما يخدم سياسة الدولة، وهو في حقيقته تجميد للخطاب الديني، وقتل لروح العزة في نفوس الناس".