ينتفش الباطل وتستطيل أذرعه وتنهش مخالبه ويتوحش فى صلف وغرور ، يظن زبانيته أن الكون قد انتهى إليهم وأنهم أول العالم وأخره، يختالون ويتضخمون متوهمين أن الصفحة السوداء التى يخطونها هى أخر الصفحات وأنهم ينفردون بصنع الأقدار وحياكة الواقع، لا ينظرون لمن سبقهم ولا يتعظون مما رأوه سلفا فى من يتبعون خطوهم ويقتفون أثارهم.
يزينون القبح ويشوهون الجمال ، يحاربون الحياة ويحتقرون الإنسانية، ينزعجون من مفاهيم الكرامة والعدل والحرية ويأبون إلا اغتيال الآدمية وطمس هوية الإنسان ومسخ روحه وهدم بنيانه، يبغضون من يفكرون ، وينشرون الجهل والخرافة فهم أعداء العقل وخصوم الفكر، لا يطيقون أن يروا ناجحا ولا يقبلوا أن يبصروا شريفا آبيا لا يخضع لأهواءهم ولا يسجد تحت وطأة أسواطهم، يفزعهم هؤلاء الذين يعيشون بفكرة ومبدأ ولا يساومون عليها ، يتوهمون أن كل شىء يمكن شراءه وأن كل صامد راسخ يمكن كسره وهزيمة إرادته.
يستعينون بهؤلاء الذيول المستأجرة التى يطلقونها على من يخالفونهم لينهشوا فيهم بلا هوادة، يطلقون صافرة البدء لتنطلق حملات الإفك والزيف والزور لتنال من الشرفاء، يأكلون الجيف ويتعاطون خمر الكذب والاحتيال وتزوير الحقائق، لا يعنيهم تناقضهم ولا ازدواجيتهم ولا منطقهم المتآكل ولا كذبهم المفضوح، يكذبون ويكذبون حتى يبيتون وهم يصدقون ما فبركوه ولفقوه، يخوضون المعركة تلو المعركة طالما تأتيهم الإشارة والأمر، يسبحون بحمد من يخضعون لهم وينتفضون إذا مسهم أحد من قريب أو بعيد ، يفتخرون أنهم خدم
السلطان ولسانه وحذاءه الذى يحاول به إيذاء أصحاب المبادىء ممن رفضوا الخضوع والامتثال وانحازوا لما يعتقدون أنه الحق، لا يخجلون من دورهم القمىء ويتفاخرون به ويعتبرون ابتذالهم ضربا من ضروب
الوطنية والإنتماء ، بينما الحقيقة أنه إنتماء لهذا القبح وخضوع له يليق بهؤلاء التافهين المجردين من أى شرف واحترام للذات، وإذا انتهى دورهم ألقى بهم سيدهم فى سلة القمامة مثل أوراق المراحيض التى هى أكثر نفعا منهم وأعلى قيمة!
يختلف الناس فى نظرتهم لهؤلاء المتآلهين، فيخشاهم البعض ويرهبهم ، ويزدريهم البعض ويسخر منهم لأنه يعرف أنهم ألهة فارغة مصطنعة تذروها هبة رياح، وتذيب صلابتها الهشة حرارة شمس البصيرة وتكسرها إرادة ماضية يعززها اليقين أن الظلم إلى زوال مهما بدا غير ذلك.
يقول التاريخ أن هناك دوما من يتبعون من يظنون أنه الأقوى ويدينون له بالولاء خوفا ورهبا أو رغبا وطمعا، لكن على الجانب الأخر هناك من يتبعون ضمائرهم ويدينون بالولاء لمبادئهم ولا ينسلخون عنها مهما كانت كلفة الثبات باهظة وعسيرة، ربما يشعرهؤلاء أنهم قلة لكن الحقيقة أن وجودهم هو صمام حياة الأفكار والمبادىء، وإذا انخذل هؤلاء اوانكسروا لماتت المبادىء وساد الظلام وظن الناس أن القبح هو أصل الحياة، فهل تدرى هذه القلة الصامدة عظم تأثيرهم ووجوب استمرارهم؟.
حين تهوى سياط البطش وتتوالى سهام الطعن وتتبلد السماء بغيوم الظلام تحتاج الأرض لهؤلاء الثابتين الذين لا تتزلزل الأرض تحت أقدامهم ولا تتغير رؤاهم ولا يفقدون بوصلتهم وسط ضجيج الأشياء وتلون البشر وتهافت الأفكار، تُرى كيف كانت
القيم والأفكار والمبادىء ستصلنا لوكان كل من سبقونا قد خضعوا للجهل وارتضوا بالظلم وتلونوا بما يريده المتآلهون وأعوانهم؟.
كل ثابت اليوم على مبادئه هو حلقة هامة يتصل مدادها عبر التاريخ ليحافظ على الإنسانية ويُعلى القيم ويُرسى المبادىء ويصرع الباطل ويقزمه لحجمه الحقيقى، ليس سهلا أن تكون من هؤلاء الصامدين، ليس سهلا أن تحفظ ثباتك النفسى وتوهجك الفكرى وسط كل أكوام القبح والتشوه والاستبدال
إن لم تمنحك الظروف الأن أدوات التغيير الذى تطمح فيه، فاثبت على طريقك، وتمسك بنهجك، وابحث عن أشباهك وقرناءك واصطفوا معا واثقين أن الظلام لن يبقى طيلة الحياة وستبدده أنوار اليقين الذى يملأ القلوب بالفجر القريب ، طوبى للصابرين الصامدين المخلصين، غدا لكم وبكم، هذا يقين..