يتساءل موقع "ناشونال إنترست" في تقرير للكاتب دانا أبي زيد، عن سبب تحول
تنظيم الدولة إلى دول
آسيا الوسطى لتجنيد أتباع جدد له.
ويرى الكاتب، الذي عمل 12 عاما في المنطقة وتركيا، ويعمل مدرسا في المدرسة الدولية في اسطنبول، أن هذا الموضوع لم يحظ باهتمام كبير من الإعلام الغربي، رغم أن منفذي الهجوم على مطار أتاتورك الدولي ونادي رينا الليلي في اسطنبول جاءوا من منطقة آسيا الوسطى، حيث نفذ هجوم المطار شيشاني وأوزبكي وقيرغيزستاني تلقوا على ما يبدو تدريباتهم على يد تنظيم الدولة.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن السلطات التركية القت القبض على منفذ الهجوم على نادي رينا، الذي يعتقد أنه جاء من قيرغيزستان أو أوزبكستان، لافتا إلى أن التنظيم أعلن مسؤوليته عن الهجوم، وأعلن الحرب على
تركيا.
ويقول الموقع إنه في الوقت الذي يصعب فيه تأكيد عدد الأوزبك والقيرغيز الذين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة، إلا أن الدبلوماسيين يقولون إن معظم هؤلاء يستخدمون في العمليات الانتحارية.
ويجد أبي زيد أنه "بسبب عدم اهتمام الإعلام الغربي في منطقة آسيا الوسطى، فإنه لا يوجد أحد يربط بشكل مباشر بين تنظيم الدولة -حركة عربية بشكل أساسي، والدول ذات الشعوب المنتمية للعرق التركي في مناطق الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى، ومن هنا فإن تنظيم الدولة يستفيد من تجنيد أبناء هذه الشعوب للقيام بعمليات في تركيا، حيث إن اللغة والثقافة مشتركتان، ويمكن في هذه الحالة امتزاجهم بسهولة بين الأتراك أكثر من العرب، وهذه الصفات بالإضافة إلى التاريخ المضطرب الذي عاشته دول المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي يجعلها منطقة خصبة لاكتساب أتباع جدد للتنظيم".
ويلفت التقرير إلى أن انهيار الاتحاد السوفييتي أدى إلى المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية الأفغانية، وإلى اندلاع الحرب في طاجيكستان، التي أدت إلى ظهور حركة طالبان في أفغانستان، والحركة الأقل شهرة في منطقة أوزبكستان "الحركة الإسلامية الأوزبكية"، حيث كان الهدف الرئيسي للحركة هو استبدال نظام كريموف في أوزبكستان بخلافة إسلامية تحكم المنطقة من وادي فرغانة، مشيرا إلى أن أوزبكستان وطاجكستان وتركمنستان وقيرغيزستان وكازاخستان قامت بتقييد الحركة بين الجمهوريات لمن يحملون تأشيرات.
ويفيد الموقع بأن هذه القيود لم تمنع الحركة الإسلامية الأوزبكية من شن هجمات خطيرة على قيرغيزستان من قواعدها في طاجكستان في عامي 1999 و2000، قبل تقييد قدرات الحركة باجتياح الأمريكيين أفغانستان عام 2001.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم تدمير الولايات المتحدة وحلفائها من الجبهة الموحدة الحركة الإسلامية الأوزبكية، إلا أن الأخيرة خلفت وراءها تراثا من شقين، وهما: خلق بديل إسلامي للأنظمة الديكتاتورية في منطقة آسيا الوسطى، وهو أمر لا سابق له في المنطقة، أما الثاني فهو زيادة القمع والاضطهاد للإسلام والمعارضة السياسية.
وينوه التقرير إلى أن هذا كله يتجسد في المجزرة التي حدثت عام 2005 في أنديجان، عندما قام الجيش الأوزبكي بقمع المتظاهرين في أنديجان من المواطنين الذين طالبوا بوظائف أفضل وتعليم وخدمات حكومية، مشيرا إلى أن تحدي المتشددين الإسلاميين للحكومة أدى إلى وقوع ألف قتيل.
ويذكر الموقع أن حالة من السلام الحذر تبعت المجزرة، إلا أن وفاة الديكتاتور إسلام كريموف جعلت الكثيرين يشعرون بالخوف من آثار أنديجان، التي قد تعبر عن نفسها من خلال العنف، لافتا إلى أنه حتى لو تحقق الاستقرار، فإنه لا توجد مشكلة أمام تنظيم الدولة ليجند مقاتلين جددا من بين السكان الغاضبين.
ويبين أبي زيد أن "حظر الأحزاب الإسلامية السياسية والمنظمات، مثل حزب التحرير، وهو جماعة تتبنى السياسة وتبتعد عن العنف، وهدفها إقامة الخلافة في آسيا الوسطى، دفع الكثير من الشبان إلى أحضان الراديكاليين، الذين يعملون بشكل سري، وهذا كله على الرغم من أن الكفاح باسم الإسلام لا علاقة له بالدين بقدر ما يرتبط بفقدان الأمل والغضب النابع من الاضطهاد والحكم الفاشل".
ويرى الكاتب أن "فشل حكومات آسيا الوسطى في تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، وتخفيف الضغط على الأحزاب والمنظمات الإسلامية، ربما قاد إلى نزاع واسع يستلهم الكثير من أفكار تنظيم الدولة، وأدى إلى عمليات واسعة ينفذها أبناء المنطقة في الخارج".
ويشير التقرير إلى أن "الهجمات الأخيرة في اسطنبول توضح، وبشكل كبير، أن المجندين من أبناء دول آسيا الوسطى في صفوف تنظيم الدولة قرروا مغادرة المناخ الذي يعيشون فيه، والبحث عن مناطق للقتال في كل من سوريا وتركيا".
ويقول الموقع إن "على حكومات آسيا الوسطى اتخاذ الخطوات الأولى لمقاومة تنظيم الدولة، وهي إعادة تشكيل النظام التعليمي المنهار في هذه الدول، ومع أن عمليات الإصلاح السياسي في هذه المنطقة ستكون بطيئة، إلا أن على أنظمة الدول السياسية تخفيف حدة القيود المفروضة على الأحزاب والجماعات السياسية، والحد من الفساد".
ويعلق أبي زيد قائلا إن "النظام التعليمي الراقي في الاتحاد السوفيتي السابق استبدل بنظام فاسد بعد انهياره عام 1991، وأهم ما يميز النظام الجديد هو الأساتذة الذين يتلقون أجورا متدنية، ولم يحصلوا على تدريب كاف ليؤهلهم مهنيا، بالإضافة إلى وجود مواد تعليمية قديمة، وانتشار الرشوة، وكانت النتيجة ولادة قوة عاملة لا تملك مهارات، وتعتمد على المحسوبية والعلاقات للحصول على وظيفة، وفي المحصلة أصبح الشبان في دول آسيا الوسطى، الذين تلقوا تعليما سيئا صيدا ثمينا للمتطرفين وخطابهم".
ويجد الكاتب أنه "من أجل تحسين الوضع، فإنه يجب على دول آسيا الوسطى تحويل جزء من الموارد المالية الضخمة التي تحصل عليها من مصادرها الطبيعية، لإعادة بناء البنى التحتية للتعليم، وعلى الأقل زيادة رواتب المعلمين للتخفيف من حدة قبول الرشاوى".
ويؤكد التقرير أن "هناك حاجة لإجراء إصلاحات سياسية في وقت تواجه فيه دول المنطقة خطر تنظيم الدولة، وكانت الباحثة في معهد بروكينغز، فيونا هيل حذرت الكونغرس الأمريكي قبل عقد من الزمان، من أن التحليل العقلاني والعميق للخطاب الديني المتطرف، بالإضافة إلى التزام طويل الأمد، وتقييم حذر وتنسيق وخطط طارئة هي الحلول الوحيدة من أجل مواجهة تحديات آسيا الوسطى، وتحقيق النجاح في الحرب ضد تنظيم الدولة، فكلما استمرت أنظمة المنطقة في تجاهل معاناة الناس العاديين، فإن أعدادا جديدة منهم ستنضم إلى صفوف تنظيم الدولة، وتقوم بارتكاب أفعال إرهابية في الخارج".
ويختم "ناشونال إنترست" تقريره بالقول إن "الصحافي الباكستاني أحمد رشيد، تحدث قبل 17 عاما عن أهمية فهم المجتمع الدولي أن (مستقبل آسيا الوسطى يؤثر في مستقبل بقية العالم)، وهذه النظرة صحيحة اليوم، كما هي من قبل، واسألوا أهل اسطنبول".