نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحافي جيسون بيرك، يقول فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب يبدو أنه مقتنع بجدوى وفعالية أساليب التعذيب، ما يزيد من احتمالية عودة المخابرات الأمريكية إلى هذه الأساليب التي ابتعدت عنها.
ويقول بيرك إن "إحدى المميزات المشتركة للصراعات المتعددة التي تبعت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر على أمريكا، كان استخدام سجون سرية، استخدمها المتطرفون الإسلاميون، الأبرز كان استخدام قائد تنظيم
القاعدة في العراق أبي مصعب الزرقاوي، كما فعلت ذلك عدة دول في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأكثر من ذلك، كثير منها يفعل ذلك منذ سنين".
ويستدرك الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "أكثر المتحمسين للسجون السرية والتعذيب خلال السنوات التي تبعت 11 أيلول/ سبتمبر، كانت أمريكا ذاتها، حيث وصل عدد تلك السجون في المحصلة إلى أكثر من 100، موزعة في نصف أنحاء العالم، إنها هذه الشبكة من (المواقع السوداء)، التي يفكر ترامب في إحيائها".
وتشير الصحيفة إلى أنه "يضاف إلى هذا، أن اعتقاد ترامب بأن (التعذيب يجدي نفعا) يزيد من احتمال العودة إلى بعض أحلك أيام (
الحرب على الإرهاب)، وكانت المواقع السوداء نتيجة رد فعل مهتاج ومضطرب من وكالة الاستخبارات المركزية لهجمات واشنطن ونيويورك في أيلول/ سبتمبر2001".
ويلفت بيرك إلى أن وكالة الاستخبارات المركزية والمتعاقدين مع الحكومة الأمريكية والقوات الأمريكية الخاصة بدأت خلال أشهر من الهجمات في اعتقال أعداد كبيرة في معسكرات مؤقتة في أفغانستان، مشيرا إلى أن معظمهم كانوا مجرد مقاتلين بسطاء، لا يملكون معلومات ولا حتى محفزات أيديولوجية، ومع ذلك فقد عذبوا جميعا، وبعضهم بقي معتقلا لسنوات طويلة.
وتذكر الصحيفة أنه "عندما بدأت أجهزة المخابرات الأمريكية تختار الشخصيات الأهم من تنظيم القاعدة وحركة طالبان، أو الشخصيات التي كان يظن بأنها شخصيات كبيرة في تلك الجماعات، فإن المرافق الموجودة لم تعد تفي بالغرض، فمن ناحية كانت هناك مخاطرة بتدخل مجموعات، مثل الصليب الأحمر، فعلى مدى العامين اللاحقين، قامت وكالة الاستخبارات المركزية بإنشاء السجون السرية، وبدأت تحتجز السجناء بنفسها لأول مرة، وتم إنشاء هذه السجون في مناطق نائية في غابات دول أوروبا الشرقية، وقواعد الطيران في أفغانستان والعراق، وقواعد الطيران في جزر المحيط الهندي، وأماكن أخرى، بالإضافة إلى استخدام السفن الأمريكية".
ويكشف الكاتب عن أنه "تم نقل السجناء بعد تغطية عيونهم وآذانهم من هذه المواقع في طائرات خاصة، وكان تتبع رحلات الطيران هذه هو ما ساعد الناشطين والصحافيين على تشكيل صورة لما كان يحدث".
وتورد الصحيفة أن من بين الشخصيات المعروفة التي تم احتجازها في مواقع سوداء، كان المخطط اللوجستي لتنظيم لقاعدة أبو زبيدة، الذي تعده وكالة الاستخبارات المركزية قائدا أساسيا، والعقل المدبر لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر خالد الشيخ محمد، والمتهم بالتورط في الهجوم على السفينة الأمريكية في اليمن عام 2000 عبد الرحيم الناشري، حيث تعرضوا للتعذيب بالماء حتى يوشكوا على الاختناق، بالإضافة إلى أساليب تعذيب أخرى من "أساليب التحقيق المطورة".
ويفيد بيرك بأنه "كان هناك أشخاص لم تشتهر أسماؤهم، و26 من 119 الذين سجنوا بين عامي 2002 و2008 في شبكة السجون السرية (كانوا مسجونين خطأ)، بحسب تقرير للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2014، حول (برنامج وكالة الاستخبارات المركزية للاعتقال والتحقيق)".
وتنوه الصحيفة إلى أن الرئيس جورج بوش الابن اعترف في خطاب متلفز عام 2007، بأن وكالة الاستخبارات المركزية أدارت شبكة من السجون السرية لعدة سنوات، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تحدث فيه بوش عن تلك الشبكة، تم إغلاق معظم السجون، وكان تم نقل معظم من اعتبر "صيدا ثمينا" من السجناء إلى معسكر "غوانتنامو باي" الجديد.
وبحسب الكاتب، فإن "زعماء البلدان التي استضافت السجون السرية بدأوا الشعور بالقلق، وتم إغلاق المعتقلات تباعا، بعد أن توقف الأمن المحلي في تلك البلدان عن التعاون، وبدأت تتسرب المعلومات عما كان يحصل، ووقف الرئيس جورج بوش الابن وبجانبه أقرباء ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، ليقول إن السجون كانت (أداة ضرورية في الحرب على الإرهاب)، وادعى أن المعلومات التي تم الحصول عليها أنقذت أرواحا، كما طمأن المشاهدين بأن معاملة المعتقلين كانت إنسانية".
ويعلق بيرك قائلا: "نعرف اليوم أن الادعاء الأخير لم يكن صادقا، بينما توصل تقرير مجلس الشيوخ إلى أن السجون السرية والتعذيب (شوها سمعة الولايات المتحدة في العالم، وتسببا بتكاليف مالية وغير مالية كبيرة)".
وتبين الصحيفة أن "تفاصيل المواقع السوداء لا تزال تظهر وتتسبب بالإحراج، واضطر الزعماء في تايلندا والمغرب ورومانيا وغيرها من الدول لإنكار علمهم بوجود تلك المعتقلات في أراضيهم، وأدى ظهور أدلة على وجود معتقل سري لوكالة الاستخبارات المركزية في شمال شرق بولندا بين عام 2002 و2003، إلى رفع قضية ضد رئيس المخابرات البولندي السابق".
ويورد الكاتب نقلا عن المسؤولين في المخابرات البريطانية، "مع أنه لا شك أنه وصلتهم معلومات من التحقيقات في تلك المواقع السوداء"، قولهم بأنهم "صدموا كأي شخص آخر" لدى اكتشافهم وجود الشبكة، والاستخدام الواسع للتعذيب من عناصر وكالة الاستخبارات المركزية.
وتذكر الصحيفة أنه حتى قبل أن يستلم الرئيس باراك أوباما السلطة عام 2009، فإن الكثير من عناصر المؤسسة الأمنية في أمريكا بدأوا بالابتعاد عن التكتيكات التي استخدموها مباشرة بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وبدأ الجيش الأمريكي بالتشديد على فهم "التضاريس البشرية"، أو الثقافات المحلية والسياسة، بقدر احتلال الأرض أو السيطرة عليها، لافتة إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالي ادعى المعرفة ذاتها داخل الولايات المتحدة، وحتى داخل وكالة الاستخبارات المركزية كان هناك الكثير ممن كانوا منزعجين من تجاوزات الأعوام السابقة، حيث أسقط السياسيون الحديث عن "الحرب على الإرهاب".
ويشير بيرك إلى أن هذا التحول تزامن مع الانخفاض الحاد في مستوى الدعم الشعبي لزعيم تنظيم القاعدة
أسامة بن لادن والمتطرفين الآخرين في أنحاء العالم الإسلامي.
ويخلص الكاتب إلى القول إنه "لم يأسف على إغلاق المواقع السوداء، إلا عدد قليل من المسؤولين الأمنيين السابقين أو الخبراء، وعدد أقل منهم اعتقدوا بأنه سيتم إعادة فتح تلك المواقع".