استطلاعات الرأي شيء مهم جدا لدى المجتمع
الإسرائيلي، يتابعها القادة السياسيون، ويأخذون بنتائجها في مجمل قراراتهم، ولا سيما أن استطلاعات الرأي تتوافق في الغالب مع صناديق الاقتراع، وجميع الساسة في إسرائيل مجبرون على استجداء صوت الناخب.
ومن البديهي أن استطلاعات رأي المجتمع الإسرائيلي لا تخص القيادة الإسرائيلية وحدها، بل يجب أن تأخذ بنتائجها القيادة
الفلسطينية، كي تحسن تدبير أمرها، وهذه أمانة في أعناق مستشاري السيد محمود عباس، الذين يسمعون رئيسهم يكرر في معظم تصريحاته، بأن المجتمع الإسرائيلي عاشق للسلام، ولكن المشكلة تكمن في هذه الحكومة اليمينة! وهذا منطق مغلوط، لا ينسجم مع استطلاعات الرأي، التي يجب أن يدقق في نتائجها السيد محمود عباس، ولا سيما استطلاع الرأي الأخير، الذي أجراه في شهر كانون الثاني/ يناير من هذا العام مركز "سميث" الإسرائيلي، وتم نشر تفاصيله بمناسبة تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مهام منصبه رسميا، حيث أبدى 67% من اليهود دعمهم لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على التجمعات الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية، في حين عارض فرض السيادة 33% من الإسرائيليين.
إن نسبة 67% لا تعني الأغلبية فقط، وإنما تعني الواقعية بالنسبة للمستوطنين الذين بلغ عددهم 420 ألف مستوطن يهودي، يغتصبون 131 مستوطنة. فإذا أضيف إليهم 200 ألف مستوطن يهودي في القدس العربية وضواحيها، ستكون النتائج أعدادا كبيرة من المستوطنين المتطرفين، الذين وصف "نتانياهو" اقتلاعهم من مستوطناتهم بالتطهير العرقي، وهذا ما أكده استطلاع الرأي نفسه، حيث أظهر أن نسبة 73% يؤيدون ضم تجمع "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم.
استطلاع الرأي السابق لا يختلف بنتائجه كثيرا عن استطلاع الرأي الذي أجرته القناة العبرية الثانية، "ريشت بيت"، مطلع العام الحالي، حيث أكدت النتائج أن 39% من الإسرائيليين يؤيدون ضم جميع أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل، بينما تؤيد نسبة 31% ضم الكتل الاستيطانية فقط، لتكون النتيجة أن 70% من الإسرائيليين، يؤيدون ضم الكتل الاستيطانية إلى دولة إسرائيل، في الوقت الذي يعارض ذلك 30% من الإسرائيليين فقط.
ولكن الملاحظة الأهم، أن استطلاع الرأي السابق شمل 22% من العرب المقيمين في دولة إسرائيل، فإذا تم استثناؤهم لأنهم يعارضون الضم، فإن النتيجة ستكون بنسبة 92% من اليهود يؤيدون ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل.
بعد هذه النتائج العنيدة والدقيقة لاستطلاع رأي اليهود في إسرائيل، هل يمكن الادعاء بأن المجتمع الإسرائيلي يعشق
السلام، والمشكلة تكمن في الحكومة اليمينية، أم إن الحكومة اليمينية المتطرفة تأخذ تعليماتها من الشارع الإسرائيلي الأكثر تطرفا؟
وبعد هذه النتائج المنسجمة مع الأسطورة اليهودية، هل ظل لأنصار معسكر المفاوضات مع الإسرائيليين أمل بتغيير واقع حال المجتمع في إسرائيل؟ وهل لديكم أمل بتحقيق اختراق لمجتمع انغلق على نفسه، ولا يرى بغيره إلا عدوا لدودا، يغتصب أرض إسرائيل التاريخية؟
على القيادة الفلسطينية أن تقتنع بأن الإسرائيليين لن يعطوا السلام طوعا، حتى ولو كان سلاما وهميا قائما على بقاء الاحتلال على ما هو عليه، فإن لم تقتنع القيادة بالحقائق العنيدة، فعلى الشعب الفلسطيني ألا يظل مغمض العينين، منقادا لنهج سياسي قائم على الأوهام.