أرسلت رئاسة البرلمان التركي حزمة التعديلات الدستورية التي تتألف من 18 مادة قبل حوالي أسبوع إلى رئاسة الجمهورية التركية ليصادق رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان عليها أو يعيدها إلى البرلمان لمراجعتها. ويمنح الدستور التركي رئيس الجمهورية 15 يوما لدراسة القوانين والتعديلات قبل المصادقة عليها أو إعادتها إلى البرلمان. ولا يتوقع بأي حال أن يعيد أردوغان هذه الحزمة إلى البرلمان، بل المتوقع الآن أن يوقع عليها خلال أيام ليحيلها إلى الاستفتاء الشعبي، كما أن المتوقع أن يجرى الاستفتاء الشعبي في التاسع أو السادس عشر من شهر أبريل / نيسان المقبل.
العد التنازلي للاستفتاء الشعبي سيبدأ بعد نشر القرار في الجريدة الرسمية، إلا أن الحملات الدعائية انطلقت منذ أن وافق البرلمان على حزمة التعديلات الدستورية. المؤيدون للتعديلات التي مرت من البرلمان بدعم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية المعارض، يدعون الناخبين إلى التصويت لصالح التعديلات الدستورية التي ستنقل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، من أجل الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي، ويحاولون أن يشرحوا لهم محتوى الحزمة وماذا سيتغير في الحياة السياسية بعد قبول تلك التعديلات وتطبيقها.
وفي المقابل، تبني الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية دعايتها على أسس مختلفة، أبرزها القول بأن الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي سيؤدي إلى الدكتاتورية. وبدأت هذه الدعاية تتحول في الأيام الأخيرة إلى القول بأن التعديلات الدستورية ستقضي على الجمهورية العلمانية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك وستقيم على أنقاضها سلطنة جديدة على غرار السلطنة العثمانية.
حزب الشعب الجمهوري المعارض يزعم أن الناخبين في الاستفتاء الشعبي سيصوتون إما للحفاظ على النظام الجمهوري العلماني وإما لإسقاطه، ويجعل أتاتورك أهم عنصر ترتكز عليه دعايته التي تدعو إلى التصويت لرفض حزمة التعديلات الدستورية، ويسعى إلى تحويل الاستفتاء على الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، إلى الاستفتاء على أتاتورك ومبادئه. ولكن وضع أتاتورك والجمهورية مقابل السلاطين والدولة العثمانية قد لا يساعد حزب الشعب الجمهوري في إقناع الناخبين بالتصويت لرفض النظام الرئاسي.
السيدة نلهان عثمان أوغلو، حفيدة السلطان عبد الحميد الثاني من الجيل الخامس، أعلنت، كبعض مشاهير الفن والرياضة، أنها ستصوت بــ"نعم" في الاستفتاء الشعبي من أجل تركيا أقوى وأكثر استقلالية، إلا أن هذه التصريحات وغيرها التي أدلت بها عثمان أوغلو في مناسبات مختلفة لبيان أسباب تأييدها للانتقال إلى النظام الرئاسي، تم استغلالها من قبل حزب الشعب الجمهوري والمعارضين للانتقال إلى النظام الرئاسي كدليل على صحة ادعائهم بأن التعديلات الدستورية تهدف إلى تحقيق حلم العودة إلى ما قبل تأسيس الجمهورية.
الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية تقول إن معظم الناخبين الذين سيصوتون في الاستفتاء الشعبي لصالح التعديلات الدستورية يجهلون محتواها ولا يعرفون تفاصيل ما سيتغير في الحياة السياسية التركية مع تطبيق النظام الرئاسي المقترح، إلا أن هذا الحكم ينطبق أيضا على الناخبين الذين سيرفضون التعديلات الدستورية، لأن معظمهم سيرفضونها بسبب معارضتهم لأردوغان، لا بسبب اطلاعهم على محتوى التعديلات ومعرفتهم بما سيترتب على الانتقال إلى النظام الرئاسي.
الجبهة المؤيدة للتعديلات الدستورية يشكلها حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وأما الجبهة المعارضة لها فيصطف فيها حزب الشعب الجمهوري مع تنظيمات إرهابية، كتنظيم الكيان الموازي وحزب العمال الكردستاني. ودعما لهذا الاصطفاف، دعا رضا ألطون، القيادي في حزب العمال الكردستاني، إلى رفض التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي، كما أن جميل باييك، الرجل الثاني في قيادة المنظمة الإرهابية بمعسكراتها في جبال قنديل بشمال العراق، قال إن أردوغان وباهتشلي يسعيان إلى تعزيز الفاشية ومأسستها في تركيا من خلال التعديلات الدستورية والانتقال إلى النظام الرئاسي.
الشعب التركي رأى بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 7 يونيو / حزيران 2015، عودة شبح الحكومات الائتلافية والأزمات السياسية. وكون النظام المقترح يطوي صفحة الحكومات الائتلافية نهائيا يكفي وحده لكثير من الناخبين كي يصوِّت لصالح التعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي. وأما الجبهة المعارضة للتعديلات الدستورية فتفتقر إلى مثل هذه الأسباب المقنعة. ولذلك تتمسك برمزية أتاتورك أو مزاعم لا أساس لها، كما أن الاصطفاف مع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية والانقلابيين الذين قتلوا العشرات من قوات الأمن والمدنيين في 15 يوليو / تموز الماضي وقصفوا البرلمان التركي وأرادوا إسقاط الحكومة المنتخبة بدعم خارجي، أكبر عائق أمام نجاح المعارضين للتعديلات الدستورية في إقناع الناخبين بالتصويت لرفضها في الاستفتاء الشعبي.