على الرغم من اللغة النارية التي تصدر عن رئاسة ترامب إلا أن الحرب مع إيران لا تبدو وشيكة.
في الأسبوع الماضي، اختبرت إيران صاروخين بعيدي المدى، أحدهما يتراوح مداه ما بين ثلاثة آلاف وخمسمائة و أربعة آلاف كيلومترا ولديه القدرة على الوصول إلى أوروبا، أما الآخر فكان باليستيا وبمدى يصل إلى ألفي كيلومترا. وتشير التقارير إلى أن اختبارا واحدا على الأقل، وربما اثنين، فشلا وكانت فيهما مشاكل.
وردا على الاختبارات أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال المتقاعد مايكل فلين، والمنتمي إلى صقور التيار اليميني المتطرف، في أول مؤتمر صحفي له أن الإدارة "توجه إلى إيران إنذارا رسميا".
وإضافة إلى الاختبار الصاروخي أشار فلين أيضا إلى التقارير الواردة عن هجوم تعرضت له السفينة الحربية السعودية "المدينة" من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران في اليمن، وذلك حينما ارتطم قارب حوثي محمل بالمتفجرات يقوده انتحاري بالفرقاطة السعودية مما أسفر عن مقتل بحارين سعوديين.
وأما الرئيس ترامب فمارس هوايته المفضلة من خلال التغريد محذرا إيران بأنها "تلعب بالنار"، ثم أمر السفينة الحربية الأمريكية كول الراسية في نورفولك – وهي نفس المدمرة حاملة الصواريخ التي استهدفها تنظيم القاعدة في ميناء عدن في عام 2000 مما أسفر عن مقتل سبعة عشر بحارا أمريكيا – بأن تغير مسارها وتتوجه نحو مياه البحر الأحمر قريبا من الساحل اليمني.
كما أمر ترامب وزارة المالية بإضافة أسماء عدد من المسؤولين في قوات الحرس الثوري الإيراني وعدد من الكيانات الإيرانية المرتبطة ببرنامج إيران الصاروخي إلى نظام العقوبات الأمريكية.
انتهاكات لقرارات الأمم المتحدة
لم تنتهك إيران من خلال اختباراتها الصاروخية الاتفاق النووي الذي وقعته مع ست من القوى الدولية في يوليو (تموز) من عام 2015، ولكنها قد تكون انتهكت قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
فعلى سبيل المثال، يدعو قرار الأمم المتحدة رقم 2231 الصادر عام 2015 إيران إلى عدم القيام بأي نشاطات ذات علاقة بالصواريخ البالستية المصممة بحيث تكون لديها القدرة على حمل الأسلحة النووية، بما في ذلك أي إطلاق يستخدم مثل هذه التقنية الخاصة بالصواريخ البالستية."
إلا أن إيران ترى في المقابل أنه طالما أنها لا تنوي تطوير الأسلحة النووية فإن برنامجها الصاروخي لا علاقة له ببرنامجها النووي ولا يمكنه أن يكون كذلك.
يستغرق التحضير لاختبار الصواريخ طويلة المدى بشكل عام والبالستيةمنها بشكل خاص زمناً طويلاً، ولذلك لابد أن الإعداد لهذه الاختبارات كان قد بدأ قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية بوقت طويل، ومع ذلك فقد فسرت على أنها محاولة لتحدي رئاسة ترامب واختبارها.
طالما عرف عن الإيرانيين اللجوء إلى تجاوز الحدود وممارسة "سياسة العتبة"، كما حصل مرارا وتكرارا في تعاملهم مع القوى الدولية أثناء المفاوضات النووية. على كل حال، لم يلبث المعلقون في وسائل الإعلام وعدد من الشخصيات العامة القريبة من الدوائر المحافظة في إيران أن ردوا بلهجات نارية مقرعين الولايات المتحدة الأمريكية على ما بدر منها.
إلا أن ما غرد به وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف ردا على الأمريكان كانت لهجته لطيفة نوعا ما، حيث قال إن الاختبارات كانت مشروعة وأنه لا توجد لدى إيران أي نوايا عدوانية، ولكنه أكد في نفس الوقت أن بلاده تحتفظ بحقها في الدفاع عن نفسها لو تعرضت لأي هجوم. ما كان مثيرا للاهتمام هو صمت المرشد علي خامنئي، الذي لم يقل شيئا على الإطلاق، وهو أمر غير اعتيادي في مثل هذه الظروف.
الإنذار الرسمي
تدور الأسئلة الكبرى حول خيارات إدارة ترامب وحول ما الذي تنوي أن تفعله من بعد. فبادئ ذي بدء، ما الذي تعنيه عندما توجه "إنذارا رسميا" إلى دولة ما. لم يفصل في هذا الأمر، تاركاً كلماته معلقة في الهواء بشكل مبهم.
فيما بعد، أضاف مسؤولون أمريكيون كبار وكذلك نائب الرئيس مايك بينسطبقة أخرى من الضبابية وعدم الوضوح، حيث صرحوا بأنه توجد لدى الإدارة عدة خيارات، مشيرين إلى "أننا سوف نتخذ الإجراء المناسب."
قبل إبرام صفقة النووي، كانت العبارة التي رددتها إدارة أوباما وحكومة نتنياهو مرارا وتكرارا هي "كل الخيارات موضوعة على الطاولة" وذلك في إشارة إلى احتمال شن هجوم عسكري ضد الجمهورية الإسلامية. بينما كان أوباما يسعى إلى إخضاع إيران وتقليص برنامجها النووي كان نتنياهو يخطط لجر الولايات المتحدة نحو القيام بعمل عسكري ضد إيران.
وفعلاً، في عام 2012 أصدر رئيس الوزراء
الإسرائيلي ووزير دفاعه في ذلك الوقت إيهود باراك تعليمات إلى الجيش، وخاصة إلى سلاح الجو وأجهزة الاستخبارات، بإعداد سيناريوهات لشن هجوم على إيران.
لم يكن واضحا ما إذا كانت توجد لدى هذا الثنائي نوايا حقيقية بإصدار أوامر فعلية بالهجوم أم أنهما كانا فقط يصعدان من الحرب النفسية لإخافة إيران، وظل هذا الأمر محل جدل ساخن حتى اليوم. يرى مايكل هايدن، المدير السابق للسي آي إيه ولوكالة الأمن القومي، أن النية الحقيقية لنتنياهو وباراك كانت استفزاز إيران وحملها على مهاجمة إسرائيل وبالتالي جر الولايات المتحدة نحو التورط في حرب شاملة ضد الجمهورية الإسلامية.
في عهد إدارة أوباما كان كبار المسؤولين في المخابرات وفي الجيش، مثل رئيس الموساد الراحل مائير داغان، يعارضون التأجيج على الحرب الذي كان يمارسه نتنياهو وباراك، حيث كانوا يصرون على أنه لا معنى لأن تلجأ إسرائيل إلى استخدام الملاذ الأخير بينما ماتزال الخيارات الأخرى – مثل المقاطعة والتخريب والهجوم الإلكتروني باستخدام فايروس ستاكسنيت –ممكنة. وبناء على ذلك تم رفع خيار الحرب عن الطاولة في نهاية المطاف.
خيارات محدودة
والآن، ها هي إدارة ترامب تعيد الخيار العسكري من جديد إلى الواجهة –أو هكذا تبدو الأمور. وليس سرا أن ترامب وفريقه يمقتان الاتفاق النووي الذي ورثوه من إدارة أوباما.
وبينما ترى أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي إسرائيل أن صفقة النووي "لم تكن صفقة سيئة"، إلا أن فريق ترامب، مثله مثل نتنياهو، يرى أنها كانت كارثية. ولكن يبدو أن يدي ترامب مقيدتان ولا يقدر على عمل شيء، فالصفقة ليست شأنا ثنائيا بين الولايات المتحدة من جهة وإيران من الجهة الأخرى وإنما هي اتفاقية متعددة بين أطراف متعددةأقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ويدعمها المجتمع الدولي بأسره.
من المقرر أن نتنياهو، الذي قابل رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في لندن هذا الأسبوع، سيلتقي الأسبوع المقبل في واشنطن بالرئيس ترامب، وسيحاول إقناعه باتخاذ إجراءات صارمة ضد إيران، وهذا أيضا ما يرجوه زعماء الدول السنية الموالية للغرب مثل المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.
إلا أن نتنياهو لم يعد يتحدث عن أي هجوم عسكري، سواء كان إسرائيليا أو أمريكيا. فسواء كانت صفقة النووي كارثية أم لا، بمجرد أن أصبحت واقعا تلاشى الحافز لديه لمهاجمة إيران – أو حتى للتظاهر بأنه كان على الاستعداد لشن هجوم عليها، وكل ما يرجوه الآن هو أن يستمر ترامب في مراكمة الضغط على إيران.
بإمكان الولايات المتحدة لو رغبت أن تنسحب بشكل أحادي من الاتفاق، أما الدول الأخرى الموقعة عليه – وهي
روسيا والصين والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا – فلن تتخلى عنه وستستمر في احترامه. ولكن فيما لو انسحبت الولايات المتحدة فإنها ستلحق أضرارا جسيمة بعلاقاتها بالصين، تلك العلاقات التي ليست في أحسن أحوالها، وسوف تضع واشنطن في صدام مع موسكو.
العامل الروسي
مثل هذه الخطوة ستفاقم بشكل كبير من صعوبة المساعي التي يقوم بها ترامب بهدف التوصل إلى نظام دولي جديد بالتعاون مع الرئيس فلاديمير بوتين. وبالمناسبة، تصر روسيا على أن إيران لم تنتهك أي اتفاقية من خلال إجرائها تجربة صاروخية بالستية.
كل الخطوات التي اتخذتها إدارة ترامب حتى الآن، بما في ذلك فرض العقوبات، تعتبر صغيرة ومحدودة، وإذا ما أرادت الإدارة أن تضفي مصداقية على تهديداتها وأن تقنع إيران بأخذ هذه التهديدات على محمل الجد فإنها بحاجة لأن تكون أكثر إبداعا في صياغة كلامها وأكثر جدية فيما يصدر عنها من أفعال. ولكن، مازال غير واضح ما الذي ينوي ترامب القيام به.
يسعى ترامب وبعض مساعديه (من أمثال ستيف بانون) إلى تصعيد التوتر مع إيران، فهم يريدون استفزاز طهران حتى توفر لهم المبرر للانسحاب من صفقة النووي بل وحتى لشن هجوم على إيران. ولكن حتى الآن، يظهر من رد الفعل الإيراني المنضبط أن طهران لم تبلع الطعم.
إلا أن التوتر والتصعيد قد يمنح الرئيس حسن روحاني، المعروف باعتداله النسبي، الفرصة للفوز بفترة رئاسية ثانية. ستجري الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في شهر أيار/ مايو، ولم يعلن بعد الرئيس روحاني ما إذا كان ينوى الترشح من جديد.
في عصر الرئيس دونالد جيه ترامب لا يوجد ما يدهش، سواء على مستوى القول أو الفعل. على كل حال، فيما لو هاجم ترامب إيران فسوف يعلن عن ذلك عبر تويتر.