مثلت الاحتجاجات الدامية التي نظمها أتباع رجل الدين الشيعي القوي مقتدى
الصدر في بغداد، في مطلع الأسبوع، علامة على تجدد
الصراع على
السلطة بين زعماء
الشيعة في
العراق، الذي كان قد تأجل للتركيز على الحرب ضد تنظيم الدولة.
وفي وقت بات فيه من المؤكد أن القوات العراقية ستلحق الهزيمة بتنظيم الدولة في الموصل هذا العام، بدأ الصدر حشد أتباعه قبيل استحقاقين انتخابيين؛ أحدهما لمجالس المحافظات في أيلول/ سبتمبر، والآخر للانتخابات البرلمانية في نيسان/ أبريل 2018.
ومنافسه الرئيسي هو رئيس الوزراء السابق نوري
المالكي، وهو سياسي موال لإيران، بدأ يروج لنفسه العام الماضي كمتحكم محتمل في ميزان القوى أو حتى لعودته لرئاسة الوزراء نفسها.
وظهرت تداعيات الصراع السياسي في شوارع وسط بغداد يوم السبت، عندما قتل خمسة متظاهرين ورجل شرطة في اشتباكات بين قوات الأمن وأتباع الصدر، الذين طالبوا بإصلاح مفوضية الانتخابات الحكومية التي يعتقد الصدر إنها تحابي المالكي.
ومن شأن عودة المالكي إلى السلطة أن تعزز نفوذ
إيران في بغداد، ما يعطي طهران ثقلا في أي صراع مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي فرضت عقوبات جديدة على الجمهورية الإسلامية في أعقاب اختبارها الصاروخي الشهر الماضي.
وعلى الرغم من أن الصدر يجهر بعدائه ورفضه للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقضى وقتا كبيرا في إيران، فإن درجة اعتماد طهران عليه كحليف لها في بغداد ستكون أقل. وعلاقته مضطربة بالجماعات السياسية العراقية المتحالفة مع إيران، ويصور نفسه على أنه مؤمن بقومية العراق.
وانتهت سنوات المالكي الثماني في الحكم عام 2014، عندما انهار الجيش العراقي في وجه هجوم للدولة الإسلامية، ما اضطره إلى تسليم السلطة لرئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. وينتمي كل من الرجلين لحزب الدعوة.
ويعمل الآن نائبا للرئيس، وهو منصب شرفي، لكنه لا يزال يتمتع بنفوذ هائل؛ إذ يرأس حزب الدعوة الذي يسيطر على أكبر كتلة في البرلمان.
إيران تريد "حليفا مخلصا"
وتمكن العبادي -وهو سياسي شيعي معتدل- من العمل بصورة أفضل مع الأمريكيين الذين ساعدوا في إعادة بناء الجيش، وقدموا دعما جويا وبريا حاسما للقوات التي تقاتل المتشددين السنة الذين سيطروا على ثلث العراق في 2014.
وانتهت القوات العراقية من المرحلة الأولى من حملة استعادة الموصل، كبرى المدن الواقعة تحت سيطرة تنظيم الدولة؛ إذ طردته من الجانب الشرقي للمدينة.
ويشرف العبادي على القتال المستمر منذ عامين، لكنه يفتقر للثقل السياسي، كالذي يمتلكه الصدر أو المالكي.
وقال واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية ومقرها بغداد: "العبادي أتى بحكم تسوية بين الأمريكان والإيرانيين".
وأضاف: "إلا أن هذه المعادلة قد لا تستمر في ظل تصعيد إدارة ترامب، ومن المؤكد أن إيران ستسعى لأن يكون لها حليف قوي في بغداد"؛ للسيطرة على الانتخابات البرلمانية العام المقبل.
وقال الرئيس الأمريكي الجديد إنه "وجه تحذيرا" لإيران بعدما أجرت تجربة لصاروخ باليستي متوسط المدى في يناير/ كانون الثاني.
وتقول بعض القوى الغربية إن إطلاق صاروخ باليستي قادر على حمل رأس نووي ينتهك قرارا لمجلس الأمن الدولي أقر اتفاقا يخفف من العقوبات الدولية على طهران. وتقول إيران إن إطلاق الصواريخ لا ينتهك الاتفاق.
ووضع التصعيد ووقف إدارة ترامب استقبال المهاجرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة العبادي في مأزق. فقد قاوم دعوات من ساسة شيعة عراقيين موالين لإيران بالرد بالمثل على الحظر، مستشهدا بحاجة العراق إلى الدعم العسكري الأمريكي.
وفي تعليقه على اتصاله الهاتفي يوم الخميس مع ترامب، قال إن بغداد ستبتعد عن التوتر الأمريكي الإيراني.
دعوات لإنهاء الفساد
نظم أتباع الصدر عدة مظاهرات العام الماضي؛ للمطالبة بإجراء إصلاحات لمكافحة الفساد، واقتحموا المنطقة الخضراء -وهي منطقة شديدة التحصين تضم مباني حكومية وأخرى تخص بعثات دبلوماسية أجنبية- بعد اشتباكات مع قوات الأمن.
ويحتل العراق الغني بالنفط المركز 161 على مؤشر الفساد لمنظمة الشفافية الدولية، الذي يضم 168 دولة.
وبعد 14 عاما على الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين، لا يزال ذلك البلد يعاني من نقص في الكهرباء والمياه والمدارس والمستشفيات، بينما تئن المنشآت والبنية الأساسية تحت وطأة إهمال واسع النطاق.
والاحتشاد في الشوارع مهم للصدر؛ إذ لا يمكنه الاعتماد على داعم إقليمي للحفاظ على شعبيته.
وفي رد فعله على مقتل أتباعه مساء السبت، قال الصدر إنه يعلق الاحتجاجات في الوقت الحالي، لكنه أضاف: "دماء شهدائنا لن تذهب سدى".
وقال الهاشمي إن العنف الذي اندلع يوم السبت لن يؤذن على الأرجح بتغير كبير في ميزان القوى، لكن المحتجين أوصلوا رسالة مفادها أن الصدر لا يمكن تجاهله.
وأضاف أن الاحتجاجات مكنته من "استنهاض جمهوره بشعارات وطنية وتأكيد زعامته".
والصدر هو سليل عائلة من رجال الدين عانت في ظل حكم صدام حسين. وفي حين ظلت عائلة الصدر في العراق، فر منافسوه الشيعة الرئيسيون -من بينهم المالكي- من اضطهاد صدام، ولم يعودوا إلى العراق إلا بعد الغزو.
ودربت إيران وسلحت فصائل شيعية تعرف مجتمعة بقوات الحشد الشعبي؛ لمواجهة تنظيم الدولة. ولدى معظم قادتها صلات وثيقة بالمالكي.
ويتهم حزب الدعوة الصدر بعرقلة الحرب على تنظيم الدولة، قائلا إن احتجاجات الشوارع تزيد العبء على القوات المسلحة، في وقت تقترب فيه من إخراج التنظيم من الموصل، آخر معقل كبير للتنظيم في العراق.
كما يتهم النائب البرلماني أحمد البدري -المقرب من المالكي- التيار الصدري بالفساد أيضا. وقال: "الانتخابات على الأبواب، والجميع يريد أن يكسب الشارع، لكن الجميع أيضا -بمن فيهم التيار الصدري- داخل دائرة المحاصصة والفساد بحكم مشاركتهم في عدة حكومات".
ويرفض أتباع الصدر الاتهامات بعرقلة الحرب. وقال موظف حكومي يدعى علي عبد المهدي (42 عاما) خلال مشاركته في مظاهرة السبت: "الفساد هو الذي سمح بدخول داعش. اثنينهم (كلاهما) في الكيس ذاته".