لا شيء أزعج المخلوع صالح أكثر من إعلان الحكومة الشرعية تلقيها تعهدات سعودية بتقديم مبلغ ثمانية مليارات دولار لإعادة الإعمار في البلاد بعد الحرب. لأن صالح يعلم جيداً أن هذه الهبة المالية السعودية الكبيرة، بالإضافة إلى أنها تضفي أبعاداً أخلاقية على معركة التحالف العربي في اليمن، فإنها أيضاً تكرس شراكة سعودية مع الرئيس هادي، الذي كاد أن يذهب ضحية خطة أممية للحل وقف وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري بكل ثقله خلفها.
لا يريد صالح أبداً أن يرى سلطة خلفه الرئيس عبد ربه منصور هادي تتكرس على هذا النحو، بل لا يريده رئيساً من الأساس، فقد فرَّغَ نفسه واستخدم، طيلة الفترة الماضية، كل مهارات وحيله ونفوذه على الجيش والأمن والوجاهات والمناطق، للنيل من شرعية هادي، وأطلق على نفسه الرئيس الأسبق لكي يثبت أن الرئيس هادي لم يعد رئيساً فقد جاء بعده رؤساء والإشارة هنا إلى المسوخ الحوثية الذين اعتلوا هياكل انقلابية نصبت في صنعاء المغتصبة لتنتج مرحلة هي الأسوأ في تاريخ اليمن.
لهذا ظهر المخلوع صالح فاقداً لأعصابه في خطابٍ ألقاه بمناسبة رتَّبها على عجل، ظاهرها اللقاء مع وجهاء من محافظة البيضاء موالين له ولجناحه في حزب المؤتمر الشعبي العام، ولكنه أراد منها أن يوجه رسالته المتشنجة إلى التحالف، وليظهر أنه وحلفاءه الحوثيين يواجهون "عدواناً" دولياً أمريكياً وإسرائيلياً، ويقلل من شأن الدول العربية التي تحاربه، وتعيد السلطة الشرعية إلى صنعاء.
لوحظ على المخلوع صالح انزعاجه الشديد من الهبة المالية السعودة الكبيرة، لذا حاول قدر الإمكان، إعادة تكييف طبيعة الصراع، في اليمن، على أنه مواجهة بين قواته المتمردة المسنودة من مسلحي ميلشيا الحوثي، والإرهابيين، لقد وصف مقاومة تعز بـ"الدواعش" لعله يلفت أنظار الإدارة الأمريكية الجديدة التي يبدو أنها مصممة على تفتيت التحالفات التي بنتها الدولة الأولى الداعمة للإرهاب في المنطقة وهي إيران، بحسب تقدير الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب.
كان المخلوع صالح يراهن على إمكانية استمالة المملكة في نهاية حرب لم تحسم بعد، ليخرج بصفقة سياسية تُبقيه مؤثراً بالقدر الكافي لإعادة تمكين نجله من السلطة، ولكنه أُصيب بخيبة أمل على ما يبدو عندما رأى أن المملكة قد انتقلت إلى المرحلة الثانية وهي مرحلة البناء.
إن دلالة انتقال كهذا يعني أنه المملكة وهي قائدة التحالف العربي، لم يعد ضمن أولوياتها البحث في الكيفية المناسبة للحسم في اليمن، سياسية كانت أم عسكرية، بل ما الذي يتعين فعله لإخراج البلاد من دائرة الحرب وإعادة تأهيلها على اقتصاديا، مستندة إلى يقين غير مسبوق بأن الحسم سيتم ولكن دونما الحاجة لصفقة تكافئ الانقلابيين.
واستمدت المملكة ثقتها حيال الملف اليمني، من هذا التسارع اللافت للأحداث التي عززت التوجه السعودي على نحو يثير الاهتمام، فمجلس الأمن عقد جلسته التي اعتمد فيها قراره رقم 2342 تحت الفصل السابع، وطالب فيه الأطراف اليمنية بتنفيذ "عملية انتقال سياسي بشكل كامل في اليمن، بما يتفق مع المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها وقرارات المجلس السابقة ذات الصلة".
وفي القرار ذاته مدد مجلس الأمن "ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، حتى 28 آذار/ مارس 2018. كما اعتزم المجلس استعراض الولاية، واتخاذ الإجراءات المناسبة لتمديدها مرة أخرى في موعد أقصاه 28 فبراير/ شباط من العام المقبل".
لم تُثرْ أية ضجةٍ حول جلسة المجلس التي عقدها الخميس الماضي، كما لم يجر نقاش أو تداول حول القرار الذي اعتمده على الرغم من أهميته. وتكمن أهمية هذا القرار في أنه عكس إرادة المجلس في إعادة توجيه مسار التحرك الأممي نحو الاتجاه الصحيح، وإزالة كل التشوهات التي كانت تعتور أداء المبعوث الدولي والمقترحات والخطط المقدمة للحل، وذلك عبر تأكيده على عملية انتقال سلمية مبنية على المرجعيات، دون المساس بخيار التدخل العسكري للتحالف العربي، الذي كان وسيبقى أحد أدوات البند السابع.
أمام هذه التطورات المتسارعة، عاد المخلوع صالح إلى المزايدات حول مصادر قوته التي لا تنضب، وخصوصاً مخزون الصواريخ والرصاص، وهي رسائل هدفها إعادة تسويق ورقته المحروقة مجدداً.
لكن أهم ما كشف عنه خطاب المخلوع صالح الأخير أنه تعرى أكثر من أي وقت مضى وبرز في موقع زعيم العصابة الذي يدير الخراب، وثبتت مسؤوليته عن الحرب وإمدادها بسلاح الدولة المنهوب.
حدث ذلك بعد أكثر من عامين من التخفي خلف "الحوثيين" ذلك الكائن الطائفي المتشنج والمحمول على أحلام استعادة الإمامة المقبورة منذ عام 1962.