دفعت نسب أسعار المستهلك "التضخم" التي تواصل ارتفاعها في السوق
المصرية منذ مطلع العام الماضي، إلى مزيد من الضغط على جهود المصريين في
الادخار داخل البنوك.
نسب التضخم التي ارتفعت وتيرتها في أعقاب تعويم الجنيه في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، انسحبت على السلع المحلية والمستوردة والمواد الخام.
وتستورد مصر غالبية منتجاتها البترولية والغاز الطبيعي، والسلع الجاهزة ومدخلات الإنتاج للمصانع المحلية.
ووضعت الحكومة المصرية العام الماضي، هدفا بزيادة معدل الادخار من 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2014/ 2015 إلى 10% في نهاية العام المالي 2017/ 2018.
ويبدأ العام المالي في مصر مطلع تموز/ يوليو حتى نهاية حزيران/ يونيو من العام التالي، وفقا لقانون الموازنة العامة.
تراجع المعدلات
وشهد معدل الادخار من الناتج المحلي الإجمالي في مصر تراجعا من 13% في العام المالي 2010/ 2011 إلى 8% في العام المالي التالي و 7.9% في العام المالي 2012/ 2013، و5.3% في العام المالي 2013/ 2014 و ارتفع إلى 5.9% في العام المالي 2014/ 2015 ثم انخفض إلى 5.8% في العام المالي الماضي، وفقا لبيانات رسمية.
المحلل الاقتصادي المصري مصطفى نمرة يرى أن الادخار يأخذ صورا متنوعة، منها شراء أسهم وسندات وأذون خزانة، والأراضي والعقارات، والمجوهرات، ولكن الصورة الأكثر الأهمية ووضوحا هي الودائع الادخارية في البنوك، التي يتم استخدامها في تمويل مشروعات التنمية والتوسع الاقتصادي.
ويقصد بالادخار اقتطاع جزء من الدخل والحرمان المؤقت من الاستهلاك، للدفع بالمال في شريان الدورة الاقتصادية للمجتمع، فتتجمع مدخرات المجتمع عبر القنوات المختلفة، ليتم ضخها في مسارات الاستثمار بمجالاته المتعددة.
ويشير نمرة إلى أن معدل الادخار الحالي في مصر والمستهدف أيضا، من أقل المعدلات في العالم (يبلغ المتوسط العالمي نحو 25%).
انخفاض الدخل
وأرجع تدني معدل الادخار في مصر إلى عدة أسباب، تتضمن انخفاض معدل الدخل للأفراد وتواضع معدلات نمو هذا الدخل، وغياب الثقافة البنكية وتفشي الأمية وتزايد معدلات الفقر.
وارتفعت نسبة الفقر المدقع في مصر إلى 5.3% من السكان عام 2015، ارتفاعا من 4.4% في 2012/ 2013، الأمر الذي أرجعه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
ويعرف الجهاز في بيانه الفقر المدقع بأنه يعني الفقر الغذائي أي عدم قدرة الفرد أو الأسرة على توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية.
وزادت نسبة الفقراء في مصر من 25.2% في عام 2010/ 2011، اندلاع الثورة المصرية ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم إلى 26.3% في عام 2012/ 2013، وواصل الارتفاع إلى 27.8% في عام 2015.
معدلات التضخم
كان معدل التضخم السنوي في مصر، بلغ 29.6% في كانون الثاني/ يناير 2017، وهو أعلى معدل خلال 31 عاما، مقابل 24.3% في الشهر السابق عليه، في حين تبلغ الفائدة على عائد الإيداع والإقراض عند 14.75% و15.75%.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري، بلغ إجمالي الودائع بما فيها الحكومية نحو 2.2 تريليون جنيه تعادل نحو 140 مليار دولار في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
وبلغت الودائع الحكومية نحو 285.993 مليار جنيه تساوي 18.2 مليار دولار والودائع غير الحكومية نحو 1.838 تريليون جنيه تساوي 117 مليار دولار.
وبلغ إجمالي القروض المقدمة للعملاء من البنوك، بخلاف البنك المركزي، 975.809 مليار جنيه تساوي 62.1 مليار دولار، منها حكومية بقيمة 189.436 مليار جنيه تساوي 12 مليار دولار، وغير الحكومية 786.373 مليار جنيه تعادل 50 مليار دولار، حسب المركزي المصري في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2016.
ويستعبد "نمرة" تحقيق المستهدف برفع معدل الادخار إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي المقبل.
السياسات التقشفية
وأرجع نمرة ذلك إلى السياسات التقشفية المصاحبة لبرنامج صندوق النقد الدولي، المتمثلة في تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13% خلال العام المالي الجاري، ورفعها إلى 14% في العام المالي المقبل، إضافة إلى خفض الدعم للمواد البترولية والكهرباء وتحرير سعر صرف العملة المحلية.
وأكد أن طرح شهادات ادخارية مرتفعة العائد، من شأنه جذب المزيد من الودائع من البنوك، مثلما فعلت البنوك الحكومية الثلاثة بالتزامن مع قرار تعويم الجنيه.
ومطلع الشهر الجاري، أعلنت البنوك الحكومية الثلاثة في مصر، أنها جمعت نحو 313 مليار جنيه تعادل نحو 19.9 مليار دولار حصيلة بيع شهادات الإيداع الجديدة بفائدة 16% و20%.
عدالة توزيع الدخل
وحدد أستاذ التمويل المصري هشام إبراهيم عوامل تحد من رفع معدل الادخار القومي تتضمن "عدم إعادة توزيع الدخل القومي بعدالة، وشيوع ثقافة الاستهلاك لدى المواطن المصري".
وأضاف أن انخفاض معدل الادخار، يؤثر بالسلب على معدل الاستثمار المستهدف، وبالتالي تراجع تنفيذ مشروعات التنمية والتطوير وزيادة البطالة، واستمرار الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات المواطنين.
وأوضح أن مصر بحاجة إلى استراتيجية قومية تشارك فيها كل أجهزة الدولة والمؤسسات الثقافية والدينية والبنوك لتشجيع ثقافة الادخار، وترشيد الاستهلاك في المجالات النافعة والابتعاد عن مظاهر البذخ.
وزاد: "في ضوء انخفاض معدل الادخار المطلوب لتحقيق معدل النمو الاقتصادي المستهدف، يتعين إصدار قانون استثمار جاذب وتهيئة البيئة التشريعية والاقتصادية لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعويض الاقتصاد بالتدفقات الوافدة عن ضعف الادخار محليا.
وبينما تستهدف مصر تحقيق معدل نمو 5% في العام المالي المقبل، يؤكد خبراء أنها بحاجة إلى معدل ادخار نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي أو جذب تدفقات استثمار أجنبي مباشر، لسد الفجوة التمويلية.