في كانون الثاني/ يناير المنصرم، تلقى الضابط في الجيش الأميركي الذي يحمل رتبة مُقدِم،
خالد شاباز (48 عاما)، مكالمة هاتفية تم من خلالها إبلاغه بتولي مسؤولية الإرشاد الروحي والنفسي لكتيبة في فرقة مشاة بإحدى القوات العسكرية الأميركية، وهي الوظيفة التي تحمل اصطلاحًا اسم "قسيس الجيش"، لأنه درجت العادة على أن يتولاها رجل دين مسيحي، بحسب تقرير لموقع "ماك كلاتشي" الأميركي.
وعلى الرغم من أن تلك المهمة تكسب شرفا لمن يحصل عليها، لأنها تهدف إلى إبقاء عناصر الجيش الأميركي في صحة روحية ونفسية جيدة، إلا أنها تمثل علامة فارقة في حياة المقدم شاباز خاصة والجيش الأميركي عامة، ذلك أن شاباز سيكون أول مرشد أو "قائد" روحي مسلم مسؤول عن الصحة الروحية والنفسية لكتيبة جنود في الجيش الأميركي أغلبهم من المسيحيين.
ووفقا لموقع "ماك كلاتشي" سيتم تنصيب شاباز رسميا في منصبه الجديد بعد أربعة أشهر من الآن، وسيتولى مسؤولية الحفاظ على الصحة الروحية لأكثر من 14 ألف جندي، من بينهم خمسة جنود فقط يعتنقون الدين الإسلامي.
وبالحديث عن تدرجه الوظيفي، فقد كان يعمل شاباز منذ العام 2005 كواحد من ضمن 10 ضباط مسلمين يتولون الإرشاد الروحي للضباط المسلمين فقط في عدد من القواعد العسكرية والمواقع الأميركية، من بينها قاعدة "فورت هود" في تكساس، من أجل نقل صورة أميركية حديثة عن الدين الإسلامي لهؤلاء المجندين.
وإلى ذلك، فقد توجه شاباز قبل تولى مهمة المرشد الروحي للجنود المسلمين، وتحديدًا منذ أن اعتنق الدين الإسلامي عام 1992، للخدمة كضابط لا يحمل سلاحا بل يمارس مهامّ روحية في كوسوفو، والعراق، وسجن غوانتانامو في كوبا.
وبالعودة إلى عمله المرتقب مع جنود كتيبة المشاة المسيحيين في قاعدة لويس ماكشورد المشتركة في فورت لويس، قال شاباز لموقع "ماك كلاتشي" في السابع والعشرين من فبراير (شباط) المنصرم: "عندما تلقيت الخبر عبر الهاتف، ركضت في أرجاء غرفتي وكررت عبارة: الحمدلله، الحمدلله".
ويضيف شاباز متعجبًا من اختياره لتولي هذه المهمة: "رجل مسلم في موضع قيادة، لو فكرت كثيرًا في الأمر، سيكون الوضع ضخمًا جدًا بالنسبة لي".
ويتابع: "سألت نفسي: لماذا أنا؟ وكلما يقترب الوقت يزداد قلقي وتكثر أفكاري، لكني فخور للغاية لبداية هذه الرحلة".
واستنادًا لما نشره موقع "ماك كلاتشي" فإنه ما زال أمام شاباز الكثير من الوقت للتفكير في تحمل هذه المسؤولية، وأخذ زمام هذا الدور الذي تم تكليفه به في فترة عداء واضحة ضد المسلمين.
ويشير الموقع إلى أنه في الوقت الذي أثنى فيه كبار الضباط في الجيش على اختيار شاباز، وأعلنوا خبر تنصيبه "قائدًا روحيًا" بحفاوة بالغة في اجتماع بالقاعدة العسكرية، إلا أن انتقال شاباز إلى هذا المنصب لن يكون سلسلًا بشكلٍ كاف، وقد لا يرحب به زملاؤه المسيحيين.
ومن جانبه، أكد شاباز أنه لا يريد مساعدة المسلمين والمسيحين فقط، هدفه الأسمى هو مساعدة جميع الأشخاص الذين يعانون من أزمات ومشكلات.
"مهمتي ليست جعل الناس يعتنقون الإسلام، الله هو الذي يرشدهم، هدفي الوحيد هو أن يغادر الناس مكتبي أقوى مما كانوا عليه حينما جاءوا إليّ"، ما قاله شاباز في الحديث عن المهمة التي تنتظره.
أثناء عمله كمرشد روحي للمسلمين فقط، حرص شاباز على كتابة رسائل إلى القادة تحتوي على توعية ثقافية حول الدين الإسلامي لدرء الأقاويل المعادية للمسلمين، والتي تتصدر أحاديث القواعد العسكرية الأخرى.
وبالإضافة إلى ما سبق، فقد كان شاباز يدون ملاحظات يرسلها إلى القادة الكبار في الجيش، لدعم الجنود المسلمين الذين يسعون لتناول الأطعمة الحلال أو الحصول على فترة راحة من أجل إقامة الصلوات، بهدف سد فجوة التواصل بين القادة والضباط المسلمين، بحكم كونه ضابطا مسؤولا يعتنق الإسلام.
وخلال سنوات عمله كضابط مسلم في الجيش الأميركي، فإنه لم يكن يحمل سلاحا بل غنه كان يقوم بمهام روحية فقط، وواجه مشكلات مع زملاء يرفضون التعامل معه بسبب ديانته، لكن منحه لقب "قائد روحي" لكتيبة جنود مشاه أغلبها من المسيحيين أعطاه أملًا في رأب الصدع.
ويصرح قائلًا: "أرى اختياري دعما من الله، فبمجرد أن تلقيت خبر الاستدعاء لهذا المنصب، وأنا أؤمن بأنه العمل الذي أريد أن أقوم به لبقية حياتي".
ويشير شاباز إلى أن الحصول على المنصب بمثابة فرصة حقيقة له ليكون "سفيرا جيدا للجيش الأميركي، ولدينه الإسلامي".
اعتناق الإسلام
في بداية عمله في الجيش الأميركي عام 1992، وأثناء إقامته في مدينة "بوم هولدر" في ألمانيا، اختلط خالد شاباز بجندي مسلم كان كثير الحديث عن معتقداته الدينية الإسلامية مع الجنود المسيحيين، وهو ما كان يؤدي إلى انزعاجهم.
وبناء على ذلك الوضع، فقد قرر شاباز عقد مناظرة مفتوحة بين الجنود حول الأديان المختلفة، ومنذ تلك اللحظة كان شاباز قد بدأ بالتعرف على الدين الإسلامي بمجهوده الشخصي، والبحث عن الحقائق التي جعلته في النهاية يختار اعتناق الدين الإسلامي.
الأصول الدينية
ولد شاباز لعائلة مسيحية في ولاية لويزيانيا، جنوب الولايات المتحدة الأميركية، وكان يُدعى حينها مايكل بارنيس، ومنذ طفولته على عكس جميع الأطفال حرص شاباز على الصوم والعبادات المسيحية، لدرجة أنه كان يرافق والدته ثلاث مرات أسبوعيًا إلى الكنيسة.
وفي واقع الأمر، لم يستطع خالد شاباز إقناع أسرته المسيحية بالإسلام حتى الآن، فهو ما زال في منزل أبويه يسمى "مايكل"، إذ إنه تمكن فقط من جعلهم يحترمون معتقداته الجديدة ويحرصون على راحته بتقدير أوقات الصلاة وعدم إضافة لحم الخنزير إلى طعامه.
ويحكي شاباز عن الفترة التي انتمى فيها للدين المسيحي، قائلًا: "علمتنا الكنيسة أن نراعي بعضنا البعض، ونحرص على حل أي مشكلة تواجه أي شخص نعرفه".
وعن انتقاله للعمل في الجيش الأميركي بعدما اتجه في شبابه للعمل مدرسًا لمادة الأحياء لطلاب المرحلة الابتدائية في مسقط رأسه، يقول شاباز: "توقعت أن أعمل في الجيش لمدة 20 عامًا فقط، لكنني وقعت في حب تلك المؤسسة وهذا النموذج".