وصف خبراء ومحللون مصرفيون، السياسة النقدية لمصر بأنها "فاشلة"، واتهموا قيادات
البنك المركزي المصري ووزارة المالية بالتعمد في التضحية بالجنيه المصري مقابل
الدولار، بسبب السياسات التي انتهت بخسائر قاسية للجنيه مقابل الدولار.
وفي مساء 24 شباط/ فبراير 2016، حل محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر ضيفا في برنامج تلفزيوني وقال إن حديثه عن تراجع الدولار إلى 4 جنيهات، في آذار/ مارس 2016 كان بمثابة "نكتة".
وأضاف "عامر" أن سعر الصرف أصبح مؤشرا لتحركات
الاقتصاد المصري وأن مرحلة تذبذب
الجنيه أمام الدولار ستظل مستمرة لفترة حتى يتم الوصول للسعر التوازني العادل، دون أن يحدده.
وكان سعر شراء الدولار حينذاك نحو 15.7 جنيها وسعر البيع 15.75 جنيها في المتوسط.
وفي الثاني من آذار/ مارس الجاري، ارتفع سعر شراء الدولار إلى 16.35 جنيها والبيع 16.45 جنيها في عدد من البنوك المصرية.
وتوقع "عامر" قبيل ذلك الارتفاع أن يتمكن المواطنون الأفراد بمصر من الحصول على الدولار من البنوك بدون شروط كتقديم تذكرة الطيران وغيرها بحلول نهاية العام الجاري.
مؤشرات ضعيفة
إلا أنه وبعد أسبوع من حديث محافظ المركزي المصري ارتفع سعر شراء الدولار نحو 65 قرشا أمام الجنيه، الأمر الذي أرجعه الخبير الاقتصادي المصري عز الدين حسنين إلى عدم وجود مؤشرات اقتصاديه قوية.
وأشار "حسنين" إلى أن انخفاض الدولار المفاجئ من مستوى يقترب من 20 جنيها إلى مستوى يقترب من 15.5 جنيها خلال الفترة الماضية "تكتيكي من البنك المركزي".
وأكد حسنين أن "المشكلة مازالت موجودة وهي عدم إتاحة الدولار من خلال البنوك لطالبيه من الأفراد والمستوردين، ولا تزال قيود الإيداع والسحب موجودة بالبنوك وتدبير الدولار محدودا لمستوردي السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج".
ارتباك المضاربين
واعتبر الأكاديمي المصري أن "قيام المركزي المصري بخفض الدولار بمثابة توجيه لسعر الصرف وليس انخفاضا للظروف الطبيعية لآليات السوق، ونجح المركزي بهذا التحرك التكتيكي في إرباك المضاربين الذين سارعوا لبيع الدولار والتخلص منه خشية المزيد من الخفض ومزيد من الخسائر".
وأضاف حسنين أن "الرابح الوحيد من الخفض الأخير للدولار أمام الجنيه هو السوق السوداء، لأنها استطاعت شراء كميات كبيرة من الدولار بالسعر المنخفض وعدم البيع".
وأشار حسنين إلى أن "البنوك لم تقم بتدبير الدولار لكل طالبيه فلجأ المستوردون مرة أخرى للسوق السوداء مما ساهم في وصوله إلى نحو 18 جنيها بها، وسيواصل ارتفاعه بالبنوك مرة أخرى ليصل إلى مستوى 18.5 جنيها".
وقال حسنين إن "توفير الدولار حاليا للجميع دون قيود وشروط مازالت بعيدة خصوصا وأن مصادر العملة الصعبة مازالت شحيحة".
عودة المصادر
واعتبر أن "الحل لهذه الأزمة هو ضرورة عودة مصادر الدولار من أنشطة السياحة والاستثمارات الأجنبية والتصدير وتحويلات العاملين بالخارج إلى مستويات مقبولة ومستدامة"، حتى تتمكن البنوك من توفير الدولار بشكل مستدام لجميع طالبيه.
وتوقع حسنين أن يظل سعر صرف الجنيه أمام الدولار في حالة تذبذب مستمرة ما بين الارتفاع والانخفاض حتى نهاية العام الجاري، على أن يبدأ الاستقرار في بداية عام 2018 شريطه استقرار مصادر الدولار وتدفقها عبر البنوك العاملة في مصر.
من جانبه توقع فتحي الطحاوي نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية بالغرفة التجارية بالقاهرة، صعود الدولار في السوق الموازية و السوداء، في حال عدم استمرار البنوك في توفير الدولار للمستوردين والمصنعين.
سياسة فاشلة
ووصف الطحاوي "السياسة النقدية بمصر بالفاشلة في ضوء ارتفاع الدولار بوتيرة سريعة أمام الجنيه وتذبذب سعر الصرف بهذا الشكل".
وحذر الطحاوي من "التداعيات السلبية لاتساع الفارق بين سعر الدولار في السوقين الرسمية والموازية بنحو جنيهين، على تحويلات المصريين بالخارج وتدفق الاستثمارات الأجنبية وتحويلات أرباح الأجانب للخارج".
واعتبر الطحاوي "عودة السوق الموازية مجددا تعني فشل عملية التعويم، رغم ما سببته من مشاكل الغلاء والكساد بالأسواق التجارية".
وأعلن محافظ المركزي المصري طارق عامر أن حصيلة تنازل العملاء عن الدولار للبنوك العاملة في السوق، بلغت حتى الآن نحو 13.5 مليار دولار، كما مول القطاع المصري
عمليات التجارة الخارجية، نحو 15 مليار دولار، منذ تعويم الجنيه في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
ومع ذلك الطحاوي طالب عبد الفتاح
السيسي بالجلوس مع مسؤولي البنوك لمعرفة أسباب عدم توفيرها الدولار للمستوردين والمصنعين.
تعافي الدولار
وشهدت السوق الموازية للدولار بمصر انحسارا شديدا في الفترة التي أعقبت قرار التعويم حتى منتصف الشهر الماضي، بسبب تقارب السعرين بشدة والخوف من الملاحقة الجنائية، وفق مراقبين، ولكن الوضع أبدا يأخذ مسارا مختلفا منذ مطلع الأسبوع الجاري.
وفي 22 شباط/ فبراير الماضي، توقع الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، أن يتراجع سعر الجنيه مقابل الدولار عقب عملية "التصحيح".
وأوضح العريان حينذاك أن العملة ليست هي القضية ولا الحل لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجها مصر، بينما الإصلاحات الاقتصادية، وإطلاق العنان للنمو، والتركيز على القطاعات الاجتماعية، هو المهم لتحقيق الحماية للشرائح الأكثر فقرا بالمجتمع.