نشرت مجلة "دير شبيغل" الألمانية تقريرا مطولا؛ تحدثت فيه عن تراجع قوة وصلاحيات رئيس النظام السوري بشار
الأسد، لصالح
المليشيات التي تنمو وتقوى دون قدرة الأسد على كبح جماحها.
وقالت المجلة إنه منذ أشهر، حقق جيش الأسد نجاحات كبيرة، لكن ذلك لم يكن لينجح لولا وجود المليشيات المقاتلة التي قدمت من إيران وروسيا، فضلا عن بعض المجموعات المحلية.
وأوضحت المجلة أن المقاتلين غير الرسميين الآن يسيطرون على مساحات شاسعة، ويرتكبون
الجرائم وينهبون أموال المدنيين، دون أي رقيب عليهم، ودون أن يستطيع أي أحد إيقافهم، حتى الأسد نفسه.
وتشير المجلة إلى أنه حتى قبل الثورة التي انطلقت عام 2011، كان الأسد يعتمد على ولاء العلويين له، ويضعهم في المراتب القيادية في الجيش.
وتذكر أنه في عام 2012 بدأت قوات الأسد تنهار وتضعف، مع تخلي عشرات الآلاف من الجيش عن مواقعهم، والبعض منهم انشق، وفشل المجندون الباقون في المعارك ضد المعارضة السورية، وانتهى حال الكثيرين إلى القتل.
وتوضح المجلة أنه في أيلول/ سبتمبر عام 2015، عندما شارك الجيش الروسي في الحرب، كان وقتها جيش النظام السوري تعداد أفراده ستة آلاف جندي فقط، بحسب ما ذكر تشارلز ليستر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن.
وتقول المجلة، إنه للحفاظ على كيانه، عقد النظام السوري صفقة خاسرة، سمحت للمسلحين الموالين له بتشيكل مجموعات قتالية. وفي كثير من الحالات، فإن قادة العصابات الإجرامية والمهربين أصبحوا مسؤولين محليين، وأصبح باستطاعتهم توسيع أعمالهم مقابل الولاء للأسد.
وتضيف: "أكبر قوتين مسلحتين تتبعان للأسد هما "صقور الصحراء" التي تتمركز قيادتها في اللاذقية، وقوات النمر التي يترواح عددها بين ثلاثة آلاف إلى ستة آلاف في حماة. إضافة إلى ذلك، هناك المئات من المجموعات الصغيرة التي تدعم النظام.
وتقول إن البلاد تعاني نقصا حادا في الخبز والمشتقات النفطية والأدوية، لافتة إلى أن من يتحكم في توزيع هذه المواد سيحقق عوائد خيالية، وستسمح له بشراء العديد من الأسلحة، فضلا عن توظيف المقاتلين. وقالت إنه بالنتيجة حلَّ أمراء الحرب مكان أجهزة النظام ومؤسساته.
حماية المناطق "المحتلة"
على الرغم من كل ما سبق، إلا أن الأسد ما زال يعتمد على تلك المليشيات. وعندما دعمت قواته من الوحدات الروسية، استطاعت المليشيات السيطرة على الجزء الشرقي من مدينة حلب في كانوم الأول/ ديسمبر 2016.
وتشير المجلة إلى أنه بعد السيطرة على حلب، ظهر جنود النظام السوري على شاشات التلفزة، لكن في الواقع، العمليات العسكرية والمعارك جرت من قبل المرتزقة العراقيين والأفغان واللبنانيين، تحت القيادة الإيرانية، التي بسطت نفوذها على المدينة فور انتهاء المعركة وخروج مقاتلي الفصائل من المدينة.
وتوضح المجلة أن الحكم في أراضي النظام بات شبيها بما يحدث في أراضي المعارضة السورية، حيث قسمت المناطق بين المليشيات، والمئات من المجموعات تتنافس على الولاء لتسيطر على المال والأرض.
وتشير المجلة إلى أن حماة هي واحدة من هذه الأماكن، وذكّرت بالمجزرة التي حصلت فيها عام 1982 على يد قوات الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الذي قتل نحو 10 آلاف شخص في أقل من ثلاثة أسابيع.
وقالت إن المدينة تخضع لحكم قوات النمر، التي تشكلت من شبكة فضفاضة من أجهزة الاستخبارات والمخابرات الجوية وقادة الحرب المجرمين، حيث تجمعوا تحت قائد علوي سحق المتظاهرين والمعارضين في المدينة. والآن هذه المليشيات لها علاقات وامتدادات في مناطق عديدة بسوريا.
وتشير المجلة إلى اسمين من القادة في المدينة، وهما علي صالحي، وهو مجرم مشهور، وطلال الدقاق، الذي يربي في بيته نمرا، وقيل إنه يقدم ضحاياه هدية للنمر ليأكلهم. كلا الشخصين، بحسب المجلة،كانا يختطفان الناس، ويسيطران على النفط ويبيعانه إلى تنظيم الدولة.
وتقول المجلة: "على سبيل المثال، في صيف عام 2016، أوقف الجيش السوري مجموعة شاحنات محملة بالوقود، وكانت تسير بأمر الدقاق، ويبدو أنها كانت في طريقها نحو تنظيم الدولة، لكن الجنود لم يجرؤوا على منعها من المضي في مشوارها خوفا من انتقام الدقاق".
ورغم كل ذلك، إلا أن الأسد ما زال بحاجة لتلك المليشيات في خطوطه الأمامية. وحتى لو لم يكن محتاجا لهم، فإنه لا يستطيع الوقوف بوجههم بسبب قدرتهم وقوتهم، كما تقول المجلة.
وتروي أنه في شباط/ فبراير الماضي، برزت مجددا مشكلة نقص الأدوية في حلب، وتم إرسال مساعدات دولية لها، لكنها لم تصل؛ لأن مليشيات تسيطر على الطرق الرئيسية في المدينة اعترضت المساعدات، واحتجزت جميع المواد لبيعها لاحقا.
وتقول إنه إذا كان هناك مال، فإن المليشيا مستعدة لمساعدة أعدائها مقابل الحصول عليه. ففي أيار/ مايو 2015، كشفت وثيقة سرية من الجيش السوري، تكشف تزويد قادة المليشيات لمجموعات معارضة بالسلاح. ويبدو أن الوثيقة لم تسرب عن طريق الخطأ، بالنظر إلى أن المخابرات العامة، تنافس المخابرات الجوية وقوات النمر في السلطة والمال.
وتقول المجلة إنه في بعض الأحيان، حاول جيش النظام الحد من تصرفات المليشيات المقاتلة وأمراء الحرب، لكنه فشل. ففي آذار/ مارس 2016، اعتقلت قوات الأسد قائد مليشيا مسيحية من الشمال، لكن مؤيديه وأتباعه احتجوا بعنف حتى تم تحريره.
وتنقل المجلة عن رئيس حزب البعث في حماة، حسين ديوب، قوله: "نعم لدينا مشاكل"، معترفا بأن هناك نقاط تفتيش تقودها المليشيات، تبتز الناس، مضيفا أن الخطف والتهريب أصبح مشكلة عامة، وأنه لا يدري ماذا يفعل.
من الناحية النظرية، فإن ديوب هو رجل قوي، وزعيم في الحزب الحاكم، لكنه يبدو خائفا من إغضاب المليشيات التي تحكم حماة.
وتنقل المجلة عن وزير الدولة للمصالحة، علي حيدر، أن هناك مشكلة في البلاد، "لكن ليس لدينا القدرة على وضع حد لها".