أعلن نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة، نعمان قورتولموش، مساء الاثنين، أن أنقرة قررت تعليق العلاقات رفيعة المستوى مع هولندا، وتأجيل الاجتماعات المخطط لها حتى إشعار آخر، كما قررت عدم السماح للسفير الهولندي بالعودة إلى العاصمة التركية، وعدم السماح للرحلات الدبلوماسية الهولندية باستخدام الأجواء التركية، بالإضافة إلى توصية البرلمان بإلغاء مجموعة الصداقة التركية الهولندية.
هذه الخطوات جاءت ردا على ما قامت به الحكومة الهولندية التي ضربت بجميع الأعراف الدبلوماسية أرض الحائط ومنعت وزيرة الأسرة التركية، فاطمة بتول صايان قايا، من الوصول إلى مقر القنصلية التركية في مدينة روتردام، واحتجزتها لمدة سبع ساعات في الطريق على بعد 30 مترا من مقر القنصلية، ثم قامت بإبعادها إلى ألمانيا، كما ألغت في وقت سابق تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، على الأراضي الهولندية.
ردود الأفعال الأوروبية على هذه الفضيحة حتى الآن ليست مرضية بالنسبة لتركيا، ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، على الرغم من أن انتهاك الأعراف الدبلوماسية وحرية التعبير وحرية الصحافة وحقوق الإنسان في روتردام، حدث على مرآى العالم ومسمعه. وما زال الاتحاد الأوروبي يلعب دور "القرود الثلاثة"؛ لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، باستثناء بعض التصريحات الخجولة التي تدعو أنقرة وأمستردام إلى عدم التصعيد. بل أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، كامل دعمها وتضامنها مع هولندا، منتقدة رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف في تصريحاته أعضاء الحكومة الهولندية بـــ"فلول النازيين".
الانحياز الأوروبي لهولندا في هذه الأزمة لم يكن مفاجئا، إلا أن الأحداث والتطورات الأخيرة في مجملها دفعت الأتراك إلى التساؤل حول جدوى مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وفي مقابلة مع إحدى القنوات التركية، أكد أردوغان أن بلاده ستعيد النظر في مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وكافة علاقاتها معه بما فيها اتفاقية الهجرة المبرمة بين الجانبين، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي اتبع سياسة المماطلة في ملف انضمام تركيا إليه، وأن هذه السياسة ما زالت مستمرة.
مراجعة تركيا علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ليست مسألة عابرة أو ورقة ضغط على بعض الدول الأوروبية، بل حاجة ملحة تفرضها الظروف والمؤشرات، وتعود إلى أسباب واقعية، ويؤيدها الشارع التركي. وأول تلك الأسباب، سياسة المماطلة التي يمارسها الاتحاد الأوروبي منذ عقود، كما لفت إليها أردوغان. وولَّدت هذه السياسة شعورا لدى الأتراك بأن طريق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لا نهاية له، كما أن مواقف بعض الدول الأوروبية الأخيرة من تركيا ورئيسها المنتخب والاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، بالإضافة إلى عدم التزام الاتحاد الأوروبي حتى الآن باتفاقية الهجرة التي وعد بموجبها بإلغاء التأشيرة لدخول المواطنين الأتراك إلى دول الاتحاد، أدَّت إلى تعزيز هذا الشعور.
ومن الأسباب التي دفعت الأتراك إلى التفكير في مراجعة علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، صعود اليمين المتطرف في دول الاتحاد الأوروبي، في ظل انتشار العنصرية والإسلاموفوبيا. وكان الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يعني الالتزام بالمعايير في تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات، إلا أن دول الاتحاد ذاتها بدأت تتخلى عن تلك المعايير والقيم، وتستسلم للعنصرية، في الوقت الذي قطعت فيه تركيا شوطا كبيرا في طريق إجراء الإصلاحات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية والحد من نفوذ العسكر.
وفي آخر تراجع للحريات في القارة العجوز، أعلنت محكمة العدل الأوروبية أن من حق أرباب العمل أن يحظروا على الموظفين ارتداء رموز دينية. ويستهدف القرار، بالدرجة الأولى، المسلمين عموما والمسلمات المحجبات على وجه الخصوص. وجاء هذا القرار في ظل صعود نجوم الزعماء السياسيين المتطرفين أمثال الهولندي "خيرت فلديرز" المعروف بعنصريته البغيضة وعدائه الشديد للإسلام والمسلمين، والفرنسية "مارين لوب" التي تدعو إلى حظر الحجاب حتى في الشوارع. وكما قال وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي وكبير المفاوضين، عمر تشليك، إن كان المقصود من أوروبا تلك التي يتصورها ساركوزي ولوبن وفلديرز فإن تركيا لن تكون جزءا منها ولا ترغب في ذلك على الإطلاق.