انتقد معلقون هجوم وزير
الصحة في حكومة الانقلاب بمصر، أحمد عماد الدين، على سياسة "المجانية" في التعليم والصحة التي بدأها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، معتبرين أن هذه التصريحات تمس بشكل مباشر ملايين
الفقراء.
واعترف عماد الدين بـ"تهاوي منظومة الصحة"، وقال أمام لجنة الصحة بمجلس النواب، الاثنين: "المنظومة متهاوية بسبب القرار الذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة"، على حد تعبيره.
"هتدفعوا يعني هتدفعوا"
وأكد محللون أن تحميل الوزير مسؤولية تدهور قطاع الصحة لسياسة المجانية يعدّ تمهيدا لخصخصة
المستشفيات العامة، وبيعها لكبار المستثمرين أو للمؤسسة العسكرية، ما يشكل تهديدا لحياة ملايين المرضى من الفقراء في بلد يعيش 30 في المئة من سكانه تحت خط الفقر.
واعتبر المتابعون أيضا أن تصريحات الوزير تتماهى مع سياسات قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، بتخفيض الدعم وتقليص الخدمات المجانية تدريجيا، مذكرين بمقولته الشهيرة: "هتدفعوا يعني هتدفعوا"، فيما طالب البعض بإقالة الوزير؛ لاتهامه بمحاربة الفقراء، بعد رفعه أسعار الدواء ثلاث مرات في الفترة الماضية.
وكان السيسي أعلن، في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، عرض مستشفيات التكامل الحكومية (552 مستشفى أقل من المركزي وأكبر من العام) على المستثمرين والقطاع الخاص؛ تمهيدا لبيعها.
أخطاء للوزير
وتُناقض تصريحات الوزير الدستور الذي صدر بعد الانقلاب، في 2014، والذي يحظر بيع أصول الشعب بمادته 33، فيما أكدت المادة 18 أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة".
واعتبر نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن تصريح الوزير يحمل خطأ تاريخيا؛ حيث نسب مقولة "التعليم كالماء والهواء" للرئيس جمال عبد الناصر، رغم أنها للأديب طه حسين.
وقال الوزير
المصري أمام البرلمان أيضا إن "70 في المئة من المنظومة الصحية من جيوب المصريين؛ بسبب ضعف الموازنة"، وهو ما اعتُبر مناقضا لحديثه عن مجانية
العلاج ودعم الدولة للقطاع الصحي.
إقالة الوزير
من جهته، علق رئيس حزب الجيل، ناجي الشهابي، بأن "تصريحات الوزير تمهد لخصخصة المستشفيات العامة"، وانتقد "عدم تجهيزها لتكون صالحة لعلاج المرضى"، مشيرا إلى أن الوزير "رفع أسعار الأدوية ثلاث مرات لصالح مافيا الاستيراد"، على حد قوله.
وطالب الشهابي، عبر صفحته على "فيسبوك"، بإقالة عماد الدين، مؤكدا "أن عدم إقالة الوزير يضع النقاط على الحروف، ويوضح توجهات الحكومة بجلاء".
وأضاف الشهابي: "نسي الوزير أن التدهور الحالي نتاج السياسات الحكومية الخاضعة لتوجهات صندوق النقد الدولي، الهادفة إلى القضاء على مصادر قوة مصر، وتخسير شركات القطاع العام، وتخريب التعليم، وتدمير المستشفيات العامة التي كانت تقدم العلاج اللازم للمواطنين"، وفق قوله.
الجيش والشرطة
من جانبه، نفى طبيب الأطفال بالمنوفية، الدكتور مصطفى محمود، وجود مجانية في العلاج بالمستشفيات الحكومية من الأساس، مؤكدا "أن المريض لا يجد أقل الأدوية، ولا أبسط التجهيزات".
وأشار الطبيب إلى أن "سياسة النظام هي إلغاء المجانية بأن يدفع المريض مقابل ما يقدم له من خدمة"، مذكرا بقول قائد الانقلاب للمصريين: "هتدفعوا يعني هتدفعوا".
وقال محمود لـ"عربي21": "حديث الوزير يعني بالفعل خطوة نحو خصخصة المستشفيات الحكومية"، مؤكدا "أن عمليات الخصخصة بدأت بالفعل في بعض المستشفيات دون ضجة إعلامية".
ودون أن يذكر أسماء مستشفيات بعينها تمت خصخصتها، أكد محمود أن من يقوم بشراء تلك المستشفيات هم كبار المستثمرين من الأطباء ورجال الأعمال، إلى جانب المؤسسة العسكرية"، مشيرا "لحديث داخل الوسط الطبي حول طرح شراكة بين مؤسستي مصر العسكريتين (الجيش والشرطة) لشراء مستشفيات حكومية كبرى والاستثمار بالقطاع الصحي".
تمهيد لإجراءات صادمة
واعتبر استشاري جراحة الأورام والمناظير بجامعة الزقازيق، الدكتور طه عبده، أن تصريح الوزير بمثابة جس النبض لردود فعل المصريين، مشيرا إلى أن "كلام الوزير لا يمهد فقط لإجراءات قادمة وفعلية لخصخصة قطاع الصحة، بل هو إشارة لما قد يتخذه النظام من إجراءات صادمة مستقبلا لإلغاء مجانية التعليم".
وأضاف عبده لـ"عربي21"، أنه "على أقل تقدير، فإن تصريحات الوزير تعدّ تمهيدا حكوميا لتقليل الإنفاق على القطاع الصحي"، مؤكدا أن "تقليل ميزانية الصحة تعني تدهور القطاع الخدمي الأهم لملايين الفقراء"، معتبرا أن "الوزير يدفع بذلك المصريين للبحث عن الخدمة العلاجية في القطاع الخاص، رغم علمه أن هناك من لا يتحملون نفقات العلاج في القطاع الخاص"، كما قال.
فضيحة وتدليس
ووصف عضو مجلس الشورى السابق، طارق مرسي، تصريح الوزير بـ"الفضيحة"، وقال إنه يأتي ضمن "مبررات وأعذار الساقطين وتبريرات الفشلة من قادة الانقلاب"، على حد وصفه.
وأكد أن "سبب تدهور قطاعي التعليم والصحي هو الفساد والاستبداد وحكم العسكر"، مضيفا: "لو كان هناك نظام يحترم شعبه لتمت محاكمة الوزير".
وتحدث عضو البرلمان المصري بالخارج، في حديث لـ"عربي21"، عن "سوء أداء قطاعي الصحة والتعليم قبل الانقلاب"، مستدركا بقوله: "لكن، لم يصل الانهيار لهذا السوء والفشل إلا بعد الانقلاب".
واعتبر مرسي أن "الحديث عن مجانية التعليم والصحة كذبة كبرى وتدليس"، مشيرا إلى أن "العملية التعليمية برمتها تعتمد على الدروس الخصوصية من الابتدائي وحتى الجامعة والمدارس خارج نطاق الخدمة".
وأضاف: "وهكذا الصحة، فالمواطن يتحمل كلفة علاجه مع اختفاء الدواء من المستشفيات الحكومية"، مشيرا لـ"حالات وفاة يومية لا تملك ثمن الدواء"، وفق قوله.
ورأى مرسي أن "ما يدعيه الوزير هو لخدمة مشروع السيسي لحرق الفقراء"، متسائلا "عن تعيين الوزير عماد الدين مسؤولين في وزارته متهمين بالفساد".
وقال: "كان الأولى بالوزير أن يتحمل مسؤولية حريق خمس حضانات بمستشفى في الإسكندرية الشهر الماضي، أو يدافع عن كرامة الأطباء الذين أهينوا في عهده على يد رجال الشرطة كما لم يحدث من قبل"، كما قال.