هالة من السرية تفرضها الحكومة الأردنية على كل ما يتعلق بالتعاملات مع "
إسرائيل"، سواء من مشاريع مشتركة أو قضايا شغلت الرأي العام الأردني، في خطوة يرى فيها مناهضو
التطبيع أنها تأتي تجنبا لـ"تأليب المزاج الشعبي الرافض والمعادي لإسرائيل؛ حتى بعد 22 عاما من توقيع النظام الأردني معاهدة السلام".
ونجحت الحكومة الأردنية مؤخرا في إبعاد الجندي المُسرّح أحمد الدقامسة عن الأضواء، حيث منعت الأجهزة الأمنية الصحفيين، الأحد الماضي، من مقابلة الجندي الذي أنهى حكم بالسجن لـ20 عاما، صدر عام 1997، لإدانته بقتل سبع فتيات إسرائيليات في منطقة الباقورة، أثناء خدمته العسكرية بقوات حرس الحدود الأردنية.
وتفرض الحكومة الأردنية سرية تامة على بنود اتفاقية
الغاز مع "إسرائيل" وتصنفها ضمن الوثائق السرية وأنه "لا يجوز الاطلاع عليها"، كما وصفها وزير الطاقة الأردني إبرهيم سيف في بداية شهر آذار/ مارس الحالي، خلال رده على طلب الحصول على المعلومات المقدم من الباحث القانوني مؤيد المجالي.
ولم تغير الحكومة موقفها؛ رغم الأصوات النيابية المطالبة بالحصول على نسخة من الاتفاقية، بعد أن رفض 73 نائبا أردنيا، يوم الاثنين، عقد جلسة علنية لمناقشة بندود الاتفاقية التي ستكلف خزينة الدولة 10 مليارات دولار.
من جانبه، حمّل النائب في البرلمان الأردني، نبيل غيشان، الذي تقدم بسؤال للحكومة للحصول على نسخة من الاتفاقية، رئيس مجلس النواب مسؤولية عدم عقد الجلسة العلنية.
وقال لـ"
عربي21": "من الواضح أن الرئيس لم يكن مع عقد جلسة المناقشة، واستغل عملية الفوضى التي حصلت واعتبر أن التصويت اكتمل، وحقيقة الأمر أن التصويت لم يكتمل.. هو سأل من مع، وبعد ذلك بدأ الحديث هنا وهناك، ورجع بعدها ليقول إن 23 نائبا مع فتح الاتفاقية للنقاش، ولكن أنا أعتقد أن الرقم أكثر من ذلك".
ولا يرى غيشان "وجود مبرر لعدم عقد الجلسة"، مؤكدا أن مجلس النواب جهة مؤتمنة، ويحق له دستوريا وقانونيا الاطلاع على الاتفاقية دون ممانعة الحكومة"، كما قال.
وفي ردها على مطالب بعض النواب، قررت الحكومة تزويد لجنة الطاقة النيابية ببنود الاتفاقية، لكنها قالت إن بعض البنود التجارية يصعب الكشف عنها أمام الملأ.
من جهته، يؤكد رئيس لجنة الطاقة النيابية، علي الخلايلة، أن "مجلس النواب لم يعقد جلسة مناقشة عامة للاتفاقية كونها ليست بين يديه".
وأوضح الخلايلة، في حديث لـ"
عربي21"، أن "لجنة الطاقة ستعقد اجتماعا مع الحكومة وستحصل على نسخة من الاتفاقية، وستقدم اللجنة تقريرا لمجلس النواب الذي سيعقد على إثرها جلسة لمناقشة الاتفاقية، بينما ستناقش البنود السرية في جلسة سرية للمجلس".
وحول البنود السرية في الاتفاقية، يعتقد الخلايلة أنه ربما تكون متعلقة بـ"مصلحة الشركة التجارية والأسعار وتوقيت الضخ"، كما قال.
لكن مناهضي الاتفاقية يتهمون الحكومة الأردنية بـ "التعاطي بشكل ملتبس مع هذه الاتفاقية"، وفق قول عماد المالحي، عضو حملة "غاز العدو احتلال".
وقال المالحي لـ"
عربي21": "الاتفاقية سياسية تهدف إلى جر الأردن لحالة من التطبيع المجاني مع الكيان الصهيوني، ومحاولة مركزة الطاقة بالمنطقة عند الكيان الصهيوني، وضرب دول حتى داخل المنطقة لها علاقة بجانب الطاقة، وتحديدا بما له علاقة بالغاز".
وأضاف: "الحكومة تحاول إبقاء الاتفاقية سرية؛ كون الجماهير الأردنية ترى أن هذا الغاز هو غاز فلسطيني مسروق، كما أن القطاع الأوسع ضد العلاقات مع هذا الكيان الصهيوني، وما زال الشعب الأردني يرى في الجانب الصهيوني حالة احتلال، وله أطماع توسعية ليس فقط في فلسطين، وإنما أيضا في الأردن، لذا هناك توجد أطراف تعتقد بأن لها مصالح، وبالتالي ليس من الضرورة بمكان نشرها على الملأ والتعاطي معها وخلق حالة جدل وطني في هذا المنحى"، كما قال.
والتفّت الحكومة الأردنية على شرط "ضرورة موافقة مجلس النواب على الاتفاقية" من خلال توقيعها بين شركتين وليس بين دولتين. وتنص المادة 33 من الدستور الأردني على أن "المعاهدات والاتفاقيات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئا من النفقات أو مساسا في حقوق الأردنيين العامة أو الخاصة؛ لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية".
لكن الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت؛ لا يعتقد بوجود مبرر لعدم كشف بنود الاتفاقية أمام النواب، سواء كانت سرية أم لا، نظرا لأنها "سترتب مبالغ مالية طائلة على خزينة الدولة تصل إلى 10 مليارات دولار".
وحسب الكتوت، فقد "تمكنت الحكومة الأردنية من إغلاق ملف الاتفاقية من خلال تأثيرها على مجلس النواب"، وفق قوله لـ"
عربي21".
وأضاف: "الحكومة تتجنب طرح هذه القضية حتى لا تأتي مناسبة لتعبئة الرأي العام ضدها وضد الاتفاقية".
ووفق ما أوردته وسائل إعلام إسرائيل، فسيقوم الأردن باستيراد الغاز المستخرج من حقل تمار الذي في البحر الأبيض المتوسط، على بعد 50 ميلا من شاطئ حيفا. وتبلغ قيمة العقد الذي يمتد لـ15 عاما؛ 15 مليار دولار، ستحصل "إسرائيل" منها على 8 مليارات دولار، نظير تزويد الأردن بـ300 مليون متر مكعب من الغاز يوميا.