ذكر موقع "ميدل إيست آي" أنه في مقابلة أجراها جوناثان ستيل مع الزعيم الشيعي
العراقي مقتدى الصدر في مدينة النجف، علق في بدايتها قائلا إن الزعيم الذي وصف في كل مقال كتبه صحافي غربي عنه بأنه "رجل الدين الراديكالي الناري" يقدم اليوم نفسه في عمر الـ43 عاما على أنه داعية للتسامح الطائفي والمصالحة الوطنية في العراق.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الرجل الذي أنشأ ميليشيا في فترة الغزو الأنجلو البريطانية، قال في أول مقابلة له مع صحيفة أجنبية منذ ثلاثة أعوام، إنه يريد حل المليشيات في العراق كلها، بما فيها المليشيا التابعة له.
وينقل ستيل عن الصدر، قوله إنه يفضل الحوار بين الساسة العراقيين السنة من أجل منع المواجهات بين
الشيعة والسنة، وكذلك العرب والأكراد، خاصة عندما لا يوجد لدى البلد العدو الواحد، وأضاف: "أخشى أن تكون هزيمة داعش (تنظيم الدولة) بداية مرحلة جديدة، وما اقترحه دافعه الخوف من الطائفية والنزاعات العرقية بعد تحرير الموصل".
وتابع الصدر قائلا للموقع: "أريد تجنب هذا الأمر، وأنا فخور بالتنوع العراقي، إلا أن مخاوفي هي أننا قد نرى إبادة لبعض الجماعات الاثنية والطائفية".
ويقول الكاتب إنه التقى مع الصدر في بيته المكون من طابقين في النجف، وإن الزعيم الشيعي كان جالسا بانتظاره، وقال إنه استمع لأسئلته بتركيز وكان يبتسم بين الفينة والأخرى، حيث حرف الحديث، وقال: "أنا سعيد لمغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي"، مشيرا إلى أنه عندما سئل عن سبب سعادته، فإنه أجاب قائلا لأن السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي تعكس سياسة الولايات المتحدة، ورد ستيل قائلا إن بريطانيا عكست في بعض مواقفها سياسة أمريكا، فأجاب قائلا: "سأبارك انفصالكم عن الولايات المتحدة".
ويلفت الموقع إلى التحول في موقف الصدر، الذي شكل جيش المهدي المتهم بارتكاب عمليات قتل للسنة في الفترة ما بين 2005 إلى 2006، مشيرا إلى أن التحول من تلك الأيام إلى رجل مصالحة مع السنة أمر مثير للدهشة، لكنه يقوم بإحياء الموقف الذي اتخذه في عام 2004، عندما أرسل المساعدات للمحاصرين السنة في الفلوجة، الذين تعرضوا لهجمات من قوات المارينز، وعندها رفع أتباعه راية "لا سنة لا شيعة".
ويعلق ستيل قائلا إن مواقف الصدر لها أثر على السنة، حيث ينقل عن رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني، قوله: "هو الشيعي الأقرب للسنة ومن القادة الشيعة كلهم هو الأكثر انفتاحا للحوار".
وينوه التقرير إلى أن السنة العاديين عكسوا موقف المشهداني، حيث تذكر مترجم من بغداد، رفض الكشف عن اسمه، ثلاثة مواقف خلال السنوات الماضية تعرض فيها سنة لتهديد من المليشيات الشيعية، وطلبوا مساعدة الصدر الذي تدخل ومنع انتهاكات أخرى.
ويذكر الموقع أن الصدر جمد جيش المهدي في عام 2007، وتركه للاحتياط من أجل الاستخدام المستقبلي، وعندما سيطر تنظيم الدولة على الموصل عام 2014، أعاد تفعيله لكن باسم جديد وهو "سرايا السلام"، ونشر حوالي 40 ألفا من المتطوعين في السرايا شمال بغداد، خاصة في سامراء وحماية مسجد سامراء، لكنهم لم يشتركوا في الحملات في منطقة الموصل.
ويبين الكاتب أنه في الوقت الذي يناقش فيه العراقيون المستقبل لما بعد الموصل، فإن هناك مشكلة واضحة، وهي مليشيا الحشد الشعبي التابعة لسياسيين عراقيين منافسين، والمتهمة بجرائم ضد السنة في المدن والبلدات التي طرد منها تنظيم الدولة، لافتا إلى أن البرلمان أصدر قانونا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، يقضي بدمج المليشيات في المؤسسة العسكرية، ولم يقرر فيما إن كان سيتم استيعابهم بصفتهم جنودا أو وحدات كاملة.
وبحسب التقرير، فإن الصدر عبر عن قلقه في مقابلته مع "ميدل إيست آي"، قائلا: "إنه امر صعب، سيتم حل سرايا السلام، لكن القانون الذي صدر بشأن الحشد الشعبي سيجعل من العراق تحت حكم المليشيات، وبناء عليه فنحن بحاجة إلى مواقف قوية من الحكومة (لمقاومة هذا الأمر)، ويجب أن يكون الأمن مسؤولية الجيش فقط"، منوها إلى أن الصدر مع حل الحشد الشعبي، لكنه لا يعارض انضمام أفراده للجيش.
ويقول الموقع إنه في ضوء حديث قادة الحشد الشعبي لإرسال المليشيا إلى
سوريا لمساعدة نظام الأسد، فإن هناك حديثا عن توجه لإرسالهم إلى اليمن لدعم الحوثيين.
ويشير ستيل إلى أن الصدر ضد استخدام القوات الجوية المدربة أمريكيا لضرب أهداف في سوريا، وقال إن "النزاع في سوريا قد يزيد"، وأضاف: "رأينا هذا من قرار العبادي (رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي) شن غارات جوية في سوريا، وتحدث قادة الحشد الشعبي عن التدخل في سوريا، وأخشى من أن تنتقل النزاعات الى العراق، ومن رأيي ألا نتدخل في شؤون الآخرين مثلما لا نريد الآخرين التدخل في شؤوننا، ونريد حماية دمائنا، فقد تم سفح الكثير منها"، لافتا إلى أن خوف الصدر يأتي من تصريحات أبي المهندس أحد قادة الحشد، الذي دعا المليشيات إلى اجتياز الحدود مع سوريا، وملاحقة جهاديي التنظيم، ويعتقد أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مع هذه الرؤية.
ويلفت التقرير إلى المقترحات التي تضمنتها ورقة من 29 نقطة، أطلق عليها الصدر "الحلول الأولية"، فبالإضافة إلى الحديث عن توفير الخدمات الرئيسية والماء والكهرباء وإعادة المهجرين، فإن الوثيقة تدعو إلى حوار قبلي، تقوم من خلاله وفود عشائرية من الجنوب ومن الوسط بزيارة المناطق التي كانت واقعة تحت حكم تنظيم الدولة، والتعاون على منع العمليات الانتقامية والتوترات الطائفية، وتدعو لمؤسسة تمويل الإعمار برعاية الأمم المتحدة ومفوضية لمراقبة حقوق الإنسان وحماية الأقليات، والتحقيق في جرائم الحرب، وتدعو إلى تعيين "قاض عراقي شريف" يحقق مع الأشخاص المتهمين بالتعاون مع تنظيم الدولة، "ويجب ألا يقوم حكمه على التحيز ضد منطقة أو الاعتماد على مصادر سرية"، وتقترح تحويل مقرات سرايا السلام والحشد الشعبي إلى مراكز تعليمية.
ويذكر الموقع أن وثيقة الصدر قالت بما يتعلق بالقوات الأجنبية إن على الحكومة العراقية "الطلب من القوى الغازية والصديقة كلها مغادرة العراق".
ويجد الكاتب أن موقف الصدر من الإيرانيين والأمريكيين مختلف، لكنه يريد مغادرة الحرس الثوري والمستشارين الإيرانيين بالقدر ذاته الذي يريد فيه مغادرة القوات الامريكية، وقال: "أرفض مظاهر الوجود الأمريكي في العراق كلها"، ورفض مقابلة أي مسؤول أمريكي أو بريطاني؛ لأنهم يمثلون وجهة نظر الولايات المتحدة.
وينوه التقرير إلى أنه مع محاولة الصدر التقارب مع السنة، فإنه طور علاقات قريبة مع الأحزاب العراقية من اليسار والتقدمية، وبدأت العلاقات بعد قيام الحركات العلمانية عام 2015 بتجمعات أسبوعية في ساحة التحرير في بغداد ضد الفساد، وطالبت بالإصلاح والعدالة الأجتماعية.
وينقل الموقع عن سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رياض فهمي، قوله إن الصدريين طلبوا المشاركة وتمت الموافقة، لكن بشروط، وهي "رفع الشعارات الوطنية فقط، دون صور للشخصيات أو عنف"، وأضاف: "نحن نطالب بحركة مدنية، وإصلاح نظام الانتخابات، والتحرك ضد الفساد، وندعو إلى دولة مدنية وحركة مدنية وليس دولة علمانية؛ لأن العلمانية في العراق تفهم على أنها إلحاد وعداء للدين".
ويذكر ستيل أن الصدر بدأ في عام 2015 يدعو إلى مفهوم الدولة المدنية، كما يقول فهمي، ولاحظ كيف أرسل عمار الحكيم أحد قادة الأحزاب الشيعية رسالة تهنئة للحزب الشيوعي، مع أن والده أصدر فتوى ضده قبل سنوات، رغم أن بناء الثقة بين الأطراف يحتاج لسنوات، لافتا إلى أن بعض الناس يخشون أن يتكرر درس الثورة الإيرانية عام 1979، عندما تعاون القادة الدينيون مع الأحزاب العلمانية قبل أن يتحركوا ضدها ويقمعوها بوحشية.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى قول فهمي إن هناك من الشيعة من هم خائفون على وحدة الشيعة أو البيت الشيعي، لافتا إلى أنه يجب على الصدر التحرك بسرعة.