شهدت السنوات التالية لانقلاب تموز/ يوليو 2013 في
مصر العديد من الحملات والمبادرات الشعبية التي أطلقها نشطاء لمقاطعة السلع مرتفعة الثمن، في محاولة يائسة من المواطنين لمحاربة الغلاء المستشري، في ظل عدم تدخل الحكومة لحل الأزمة، بحسب مراقبين.
وكان آخر هذه الحملات، المبادرة التي دشنها نشطاء أمس السبت على مواقع التواصل الاجتماعي، لمقاطعة
الأسماك بعدما قفزت أسعارها خلال الأيام الماضية إلى مستويات عالية، حيث وصل سعر كيلو "البلطي" إلى 35 جنيها، بعد أن كان 13 جنيها منذ عدة أسابيع.
وأطلق النشطاء على الحملة اسم "خليها تعفن" داعين المواطنين بمقاطعة شراء الأسماك بالمحافظات المختلفة، بدءا من اليوم الأحد ولمدة عشرة أيام، للضغط على التجار وإجبارهم على تخفيض الأسعار.
وبعد أن كانت هذه الحملات في الفترات الأخيرة تستهدف سلعا مثل اللحوم والدواجن والمنتجات مرتفعة الثمن أصبحت مؤخرا تتضمن بعض الخضروات مثل
الطماطم التي ارتفع سعرها بشكل كبير، حيث دشن نشطاء مبادرة بعنوان "72 ساعة ضد الغلاء" لمقاطعة الطماطم التي وصل سعرها إلى 12 جنيها للكيلو.
البائعون يردون بالإضراب
لكن الغريب في الحملة الأخيرة لمقاطعة الأسماك، أن كثيرا من البائعين تضامنوا معها بدلا من مقاومتها، وأعلنوا الدخول في إضراب عن البيع للإعراب عن رفضهم لارتفاع الأسعار.
وقالت تقارير صحفية إن ما يقرب من 70% من متاجر صغار بائعي الأسماك بالإسماعيلية أغلقت أبوابها أمس السبت تزامنا مع حملة المقاطعة، كما أكد تجار في الجيزة والقاهرة التوقف عن البيع للضغط على تجار الجملة، بعد أن ارتفعت الأسعار بنسبة 300% لبعض الأنواع.
ويقول تجار الجملة إن غلاء الأسعار سببه تلاعب وجشع كبار الموردين والصيادين وأصحاب المزارع السمكية الذين يسعون لتحقيق أكبر ربح ممكن، بينما يؤكد أصحاب المزارع السمكية والصيادون أنهم مضطرون لرفع الأسعار بسبب زيادة تكاليف الإنتاج من أعلاف ووقود وأجور عمالة.
وفي ذات السياق، تقدم أعضاء بالبرلمان ببيانات عاجلة ضد رئيس الوزراء شريف إسماعيل يطالبون بوقف تصدير الأسماك للخارج، مؤكدين أن التصدير أدى إلى زيادة كبيرة فى أسعار الأسماك في السوق المحلي.
لا توجد رقابة على الأسواق
الخبير الاقتصادي عبد الرحمن عرفان قال إن "السبب الرئيسي في الارتفاع المتواصل لأسعار السلع والخدمات هو عدم وجود رقابة حقيقية للأسواق من جانب الحكومة، فلا وزارة التموين تقوم بدورها ولا وزارة الداخلية تنفذ حملات عبر مباحث التموين للقبض على التجار الذين يرفعون الأسعار، ولا أي جهة معنية أخرى تبذل مجهودا لحماية المواطنين من الاستغلال".
وأوضح عرفان، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن "ما يحدث في مصر حاليا هو أشبه بسوق سوداء من نوع جديد، حيث تختلف أسعار المنتجات من منطقة إلى أخرى داخل نفس المدينة تبعا لهوى البائعين، دون وجود تسعيرة موحدة"، مشيرا إلى أنه "مع أي زيادة، حتى ولو طفيفة، في أسعار الدولار نجد البائعين يسارعون برفع أسعار منتجاتهم بشكل كبير لأنهم يعلمون جيدا أنه لا توجد دولة تردعهم".
وحول جدوى دعوات المقاطعة المتكررة للسلع مرتفعة الثمن، قال عرفان إنه "لا يتوقع نجاح هذه الحملات لأن المستهلك سيجد نفسه دوما في حاجة إلى هذه السلع ولا يمكنه الاستغناء عنها لوقت طويل، والتجار يعرفون هذا الأمر جيدا، ومن ناحية أخرى فإن الدولة غافلة عن الرقابة على الأسواق أو ضبط الأسعار، بسبب انشغالها في مشاكل روتينية أخرى تفاجأ بها كل يوم مثل أزمة الخبز والتغذية المدرسية والفيروس الغامض وغيرها".
المقاطعة لن تنجح
من جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد مصطفى عطوة أن "المشكلة الأساسية في مصر هي أن المجتمع استهلاكي بطبعه، وفي ذات الوقت إنتاجه أقل بكثير مما يستهلكه، ولذلك يضطر للاستيراد من الخارج، حتى أصبح يستورد كل شيء تقريبا".
وأوضح عطوة لـ "
عربي21" أن "نحو 90% من المواد الغذائية التي نستهلكها يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي فإن أسعارها اليومية مرتبطة بأي زيادة في سعر الدولار، وحتى لو حدث ثبات نسبي لسعر الدولار فإن الزيادة الطفيفة التي قد لا تتعدى 1% يمكن أن تحدث فرقا ملحوظا في الأسعار، لأن التجار يضيفون عليه تكاليف أخرى مثل الشحن والنقل والضرائب، بل إنهم أيضا يضعون زيادة إضافية على سعر المنتجات تحسبا للزيادات المتوقعة في سعر الدولار حتى يؤمنوا أنفسهم ويحملوا المستهلك هذه الزيادات".
واستبعد عطوة نجاح حملات المقاطعة في السيطرة على الأسعار المنفلتة، موضحا أنه "حتى تتحقق السيطرة على الأسعار فإن المجتمع يحتاج لسنوات من الاستقرار الاقتصادي والسياسي"، مضيفا أن "المشكلة لا تقتصر على الرقابة على الأسواق فقط، فلن تستطيع أي حكومة أن تراقب ملايين البائعين، لكن الحل هو في تحول الدولة إلى الاعتماد على قدراتها الذاتية في الإنتاج حتى يصبح إنتاجها أكثر من استهلاكها".