نشر موقع "شيفر بريف" مقالا للخبير في الشؤون
المصرية والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إريك تريغر، يقول فيه إن الهجومين الإرهابيين على كنيستين في كل من الإسكندرية وطنطا يوم الأحد يجب أن يقنعا الجيش المصري بضرورة تعديل استراتيجية مواجهة الجهاديين "
تنظيم الدولة"، حيث يخوض حربا ضدهم في شبه جزيرة
سيناء.
ويقول تريغر: "مع أن هجومي يوم الأحد لم يكونا أول مرة يهاجم فيها التنظيم الجهادي كنائس ومؤسسات تابعة للدولة، إلا أن الهجومين المنسقين يكشفان عن قدرات متفوقة للتنظيم بدأت تظهر في الأشهر القليلة الماضية، بالإضافة إلى أن لديه قدرات اتصالية أبعد من مناطقه التي ينشط فيها داخل سيناء".
ويعلق الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا إن الدينامية السياسية الداخلية في مصر تجعل من الصعوبة بمكان تبني الجيش المصري استراتيجية أكثر فعالية داخل سيناء.
ويضيف تريغر أن القاهرة أعلنت عن حالة الحرب مع الإرهاب منذ انقلاب عام 2013، حيث قام الجنرال عبد الفتاح
السيسي بالإطاحة بأول زعيم مصري منتخب، وهو محمد مرسي.
ويشير الكاتب إلى أن النظام استهدف في حربه جماعة الإخوان المسلمين، التي اتهم بعض عناصرها بعمليات ثانوية استهدفت قوات الأمن، إلا أن الجيش قام بعملية واسعة ضد الجهاديين في أيلول/ سبتمبر 2013 في شمال سيناء، لافتا إلى أنه في الوقت الذي منع فيه الجيش الصحافيين والباحثين من زيارة سيناء وتقييم الوضع، إلا أن سلسلة العمليات الإرهابية تشير إلى أن استراتيجية الجيش فاشلة، حيث قامت الجماعة الجهادية، التي أعلنت عن ولائها لتنظيم الدولة في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2014، بعدد من الهجمات.
ويلفت تريغر إلى أن ديفيد شينكر لاحظ في بحث له أن تنظيم الدولة في سيناء استخدم أسلحة متقدمة لاستهداف المروحيات وتدمير دبابات "أم60"، وأغرق قاربا للبحرية المصرية على شاطئ العريش، بالإضافة إلى أنه أعلن مسؤوليته عن إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، الذي قتل فيه 224 راكبا.
ويذكر الكاتب أن الحكومة الأمريكية تقدر عدد الجنود المصريين الذين قتلوا منذ بداية العملية بحوالي ألفي جندي، مشيرا إلى أنه رقم مثير للصدمة، خاصة أن عدد المقاتلين التابعين للتنظيم في سيناء يتراوح بما بين 1500 إلى 2000 مقاتل.
ويبين تريغر أنه "في الوقت الذي استطاع فيه الجيش المصري قتل قيادة التنظيم في سيناء عام 2016، إلا أن قيادة جديدة حلت محلها، ويبدو أنها متصلة مباشرة مع القيادة المركزية المقيمة في الرقة في سوريا".
ويجد الكاتب أنه "نتيجة لذلك فإن التنظيم، أو ما يطلق عليها ولاية سيناء، يقوم وبشكل متزايد باستهداف المدنيين، خاصة المسيحيين الأقباط، وأعلن التنظيم مسؤوليته عن تفجير كنيسة القديس مرقس في القاهرة في كانون الثاني/ ديسمبر، الذي قتل فيه 25 شخصا، وقام بتهجير المئات من المسيحيين من شمال سيناء، بعد سلسلة من عمليات القتل في شباط/ فبراير، وبعد ذلك قام بتنفيذ الهجومين المريعين في الإسكندرية وطنطا".
ويقول تريغر إن "زيادة الهجمات والمستوى القاتل الذي وصلت إليه لم يدفعا الجيش إلى تغيير استراتيجية المواجهة، فلا تزال القيادة العليا للجيش تعتقد أنها قادرة على هزيمة التنظيم واحتوائه من خلال استخدام القوة المفرطة، وفي الوقت ذاته تجنب الاعتماد على استراتيجية مكافحة إرهاب متحركة، وأقل اعتمادا على القوة المفرطة".
ويبين الكاتب أنه "بدلا من تأمين السكان المدنيين في سيناء وتعبئتهم في الحرب ضد الجهاديين، فإن ممارسات الجيش أدت إلى تنفيرهم واقتلاعهم من مناطقهم، بما في ذلك عدد من العائلات البدوية البارزة، التي رفضت التعاون مع سلطات الأمن حتى يتم إطلاق سراح أبنائهم من السجون".
ويرى تريغر أن "رفض الجنرالات استخدام أساليب مكافحة التمرد في جزء منه لفظه، فالقيادة المصرية ترى أن وصف الجهاديين بالمتمردين يعطيهم مصداقية، لكن الموقف يعكس طبيعة الجيش، فهو وإن لم يدخل حربا منذ حرب رمضان في عام 1973، ولم يشارك في حروب برية منذ عام 1991 عندما شارك في حرب الخليج الأولى ضد صدام حسين الذي احتل الكويت، إلا أن الحرب البرية لا تزال جزءا من عقيدة الجيش، وهي العقيدة التي تركز على الحروب التقليدية، التي تعتمد على مواجهة جيوش أخرى، والدفاع عن مناطق، والحصول على أسلحة ثقيلة من خلال الشراء أو الدعم الأجنبي، وامتلاك أنظمة سلاح تشمل غواصات وحاملات طائرات ومقاتلات عسكرية، التي من خلالها يقوم الجيش بتبرير التوظيف الكبير والعقود التي تحفظ قاعدته الواسعة وترضي ضباطه".
ويذهب الكاتب إلى أن "عقيدة الحرب التقليدية تسمح لجنرالات الجيش بأن يقدموا أنفسهم على أنهم قادة لأكبر الجيوش العربية محليا وإقليميا، وهو الجيش الذي يمكن أن يتصدى للتهديدات الإقليمية، (مع أن الجنرالات ترددوا في عمل هذا الأمر عندما طلبت منهم السعودية المساعدة في التحالف الذي تقوده في اليمن ضد الحوثيين)".
ويقول تريغر إنه "لهذا كله، فإنه ليس هناك أي ميل لدى الجنرالات للتحول نحو مكافحة الإرهاب والتمرد، فتبني عقيدة كهذه سيؤدي إلى التشويش على عناصر في داخل مؤسساتهم، ويؤثر في مصالحهم الخاصة، وقد يحفز رد فعل داخليا مدمرا، ففي الوقت الذي يعد فيه الجنرالات هزيمة تنظيم الدولة مهمة، إلا أنهم لا يعدون ذلك أمرا مجديا، مثل عبور خط بارليف في قناة السويس عام 1973، وظل الجيش المصري حتى بداية الحملة على الجهاديين في عام 2013، يعد مسألة مواجهتهم أمرا من مهمة الشرطة".
ويتساءل الكاتب عما "إذا كانت هجمات يوم الأحد ستجبر الرئيس السيسي على تجاوز قيادة الجيش، والقيام بتغيير استراتيجية المواجهة في سيناء، ورغم إعلانه عن حالة طوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، إلا أنه لن يتجرأ على خطوة كهذه، فمع أنه دعا للتسامح مع المسيحيين، ودعا العلماء المسلمين لمواجهة التطرف، إلا أنه لم يدعم كلامه بالقوة، وهذا يعود لمخاوفه من فتح معارك مع مؤسسات وشخصيات أدت قبل أربعة أعوام دورا في الانقلاب على سلفه محمد مرسي".
ويقول تريغر إن "البيانات التي صدرت عن الإخوان المسلمين، التي اتهمت الحكومة بالمسؤولية عن الهجمات، ونظريات المؤامرة، واعتقاد مؤيدي السيسي أن الإخوان المسلمين هم من يقفون وراء الهجوم، ستدفع الرئيس للتمسك بالجيش بصفته حاميا للاستقرار في البلاد".
ويرى الكاتب أن "الولايات المتحدة ترى أن استراتيجية الجيش فاشلة، لكن عليها أن تكون حذرة في تصريحاتها؛ لئلا يتم تفسير انتقاداتها للنظام المصري على أنها هجوم".
ويخلص تريغر إلى القول إن "استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحار للسيسي الأسبوع الماضي يفتح بابا للحوار، حيث يمكن لواشنطن التعاون مع القاهرة لتحسين أدائها في سيناء، ويجب أن يشمل الحوار إعادة النظر في الكيفية التي تنفق فيها المعونة السنوية 1.3 مليار دولار لتمنع هجمات مثل التي وقعت يوم الأحد، بدلا من تسليح الجيش المصري بأسلحة ليخوض حروبا تقليدية أصبحت جزءا من الماضي".