أريد أن أكتب منافحا عن حكومة بلدي. هكذا خطر لي قلت لعل أن نصرتها بالكتابة أن تنصر في الشارع وتحقق الأحلام الكبيرة لشعبي العظيم فكلمة الخير تجلب حسن الحظ. لكني لم أجد للحكومة مكرمات تحررني من موقع الناقد إلى موقع النصير حكومة الشعب التونسي نيتها "مْقَعْمِزَة" مع الشعب التونسي ودعني أفسر النية "المْقَعْمِزَة" لقارئ لا يعرف اللهجة التونسية. النية المْقَعْمِزَة تعني بالفصيح النية السيئة المتربصة لغدر وحكومتنا العاجزة استبدلت حسن النية بسيئتها وهي تتصرف على أنها حكومة طيبة كريمة لشعب نهم لا يشبع ولا يكف عن الطلب. إنها في أحسن الحالات حكومة زوجة الأب التي تكره ربائبها.
الحق بيّن والحكومة عمشاء
لم يطلب من الحكومة إعادة اكتشاف اللغة بل الحديث إلينا بما نعرف في ما نعرف من أحوال بلدنا. وأحوال بلدنا جيدة من حيث الإمكانيات النظرية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. لدينا ثروات طبيعية كافية لتشغيل التونسيين بل استيراد العمالة الأجنبية. ولدينا أسواق كافية لترويج منتجاتنا الزراعية منها والصناعية بالجوار القريب والبعيد. ولدينا شباب عامل يبحث عن فرص مجدية وقد مل الترضيات المؤقتة والوعود الفارغة من المعنى لكن الحكومة مصرة على التحرك داخل نفس الدوائر. فهي حكومة مناولة أولا تبحث عن مستثمرين أجانب وتخضع لهم بشروطهم فيبتزونها في الإعفاءات والحركة حيث يريدون لا حيث ينبغي. فتظل تابعة لقراراتهم لا لحاجتها. حكومتنا أسيرة طبقة رجال الأعمال الفاسدين وهي مدينة لهم بأنهم أنفقوا الغالي والنفيس لتكون فكانت على هواهم. نحن نعاني نتائج انتخابات مضروبة بالمال الفاسد.
أسلوب عمل الحكومة لا يحفز الناس للدفاع عنها ومنحها فرصة الزمن الكافي للبدء بشيء فعال خلاق للأمل لذلك يغيب خيرها القليل في سوء نيتها تجاه المستحقين الحقيقين للتنمية وفي تطاوين الآن مثال ساطع لسوء النية فالاحتجاج هناك يستهدف وضع يد الشعب عبر حكومة وطنية على ثروات البلد الطبيعية التي يستغلها شركاء الحكومة خارج القوانين والأعراف.
نخبة عمياء لحكومة عمشاء
يجب أن تنهار داعش في سوريا والعراق ليتم بناء الديمقراطية في تونس هكذا يفكر جزء من النخبة التونسية. لذلك فإن الاستفتاء في تركيا يأخذ من اهتمامهم أكثر من الخطاب الخشبي لرئيس الحكومة الذي كلما تكلم ميّع القضايا في خطاب حسن اللفظ سيئ الطوية. لكن الجمهور منكب على تخويف الأتراك من السلطان أتاتورك والمضحك المبكي في الأمر أن أكثر منتقدي السلطنة العثمانية الجديدة هم أنصار الدكتاتوريات العربية من عبد ناصر إلى صدام حسين إلى الأسد العاجز في سوريا. بل إن بعضهم يكتب بحنين ستاليني ضد الدستور التركي الجديد الذي فاز بنسبة أقل من 70 بالمية كأن الصواب عندهم هو التسعات الأربعة للحكام العرب الذين أسقطهم الربيع العربي. آه.. ليس هناك ربيع عربي هناك مؤامرة دولية لإنهاء حالة ديمقراطية عربية برعاية الدبابات الخردة التي لم تخض حربا إلا ضد شعوبها.
تركيا مهرب جيد لخطاب النخبة إنه يعطيها وجها ديمقراطيا وحقوقيا ولكن الأمر لا يختلف في جوهره عن مظاهرات جزء آخر من النخبة دفاعا عن الكلاب السائبة في الطرقات. فكلها مواضيع ومحاور لصرف النظر عن القضايا الحقيقية لجمهور متعطش إلى نخبة تقوده فتخذله وتنحاز ضد قضاياه وتسعد بالنضال الحنجوري على طريقة راديو العرب ذات انتصار كاذب فقدت به مصر سيناء وغزة سنة 67.
جمهور يضرب في الأرض
لا أنقد الجمهور المسكين لا لأني منه فقط بل لأنه لا يجمع على ضلال. الجمهور يعرف الطريق لذلك طرح مسألة التصرف في الثروات الوطنية وطالب بإعادة الاتفاقيات وهذا مطلب الثورة والجمهور منع قانون المصالحة من المرور (المصالحة تعني عند الحكومة إعفاء الفساد من ديونهم وغض الطرف عنها).. الجمهور يطلب مياه الري في المناطق الجافة والجمهور يريد تحويل لا مركزية الحكم من الدستور المكتوب إلى الحياة العامة والجمهور يعاني غياب البلديات ويريد الانتخابات فهل نلومه أم نلوم حكومتنا ذات النية المقعمزة؟ الجمهور هو واحة جمنة وحلها العبقري في التصرف الاجتماعي في الثروات. وهو بن قردان في مواجهة الإرهاب الداعشي المطعون في شرفه.
كيف ردت الحكومة والنخب على الجمهور؟
الأوراق تنكشف أمامنا الفساد الإعلامي حرّف اهتمامات جزء كبير من الجمهور والتسريبات الأخيرة لمالك قناة نسمة الخاصة. وحديثه عن مرتزقته في الإعلام كشفت أي نخبة يعاني الجمهور التونسي. فقيمة الصحفي التونسي يحددها عشاء في مطعم متوسط. وتكفيه زجاجة نبيذ ليكذب حتى الفجر على جمهور طيب تربى على أن ما يقال في التلفزة قرآن منزل. أخطاء النخبة وتقصير الحكومة طريق لوعي شامل بمطالب الثورة وسلامة موقف الجمهور الذي لا يجمع على ضلال.
الحكومة ترسل وزراء تقنيين لحل مشاكل تحتاج إلى حلول عبقرية مبنية على منوال تنمية جديد والوزراء الضعاف لا يمكنهم إلا بث خطاب التسويف والدعوة إلى الصبر على المكاره، كأن الحكومة عقاب إلهي يجب تحمله وانتظار الجزاء الأخروي. فالآخرة ملك الفقراء والحكومة تود لهم الجنة بعد أن أفقرتهم في الدنيا.
هل نكتفي بهذا الوعي الزاحف لنبني أملا في المستقبل. نعم يمكن ذلك وإن كانت نية الحكومة سيئة والنخبة متواطئة ضد نفسها؟ إن تراكم الأخطاء يبيّن سلامة الطريق. والطريق واضحة وإن شابتها العثرات البلد يعود لآهله بالتدريج دون بث ورود على طريقه فهي شائكة دوما يحتاج الأمر إلى تحركات قوية مثل تحرك تطاوين هذه الأيام، وأن ينتشر وأن يعمّ ولا بأس أن يظل تحت سقف الديمقراطية لكي لا يقسو على نفسه. ربما يؤدي ذلك إلى إنضاج خميرة تغيير شامل عبر الصندوق الانتخابي ولكن هنا مرة أخرى. أعتقد أن النخبة ستخذل الجمهور وهذا مدعاة لفقدان الأمل.
النخبة التونسية لم تلاحق في تطورها تطور وعي الجمهور ولا أعتقد أنها قادرة على ذلك كأنها لم تتلق درسا قاسيا عندما خرج الجمهور سنة 2011، في ثورة لم يستدع إليها النخب. الدرس كان قاسيا ولكن على ذوي النفوس الحية أما نخبتنا السياسية فلا تزال عالقة في برزخ ضيق تعتقد فيها أن منهج بورقيبة في التغيير الفوقي صالح لك الأزمنة.
بورقيبة مات ميتات كثيرة؛ لكن النخبة التي ربّاها على منهجه لا تزال تتنفس.. إنه منهج الاستعلائية المحقر للجمهور. إنها نخبة عاجزة عن التفكير وقاصرة المخيال أعطتنا حكومة عاجزة عن الفعل وأقصى أمانيها أن تجرنا بلا عناء إلى انتخابات تجدد لها عمرها، دون أن تكلف نفسها نظاما غذائيا ثوريا يخفف شحومها المترهلة. تلك تونس في ربيع 2017، حزينة وحائرة موجوعة من أبنائها رغم ذلك أريد أن أمجّد الحكومة العاجزة فعجزها يقصر علينا الطريق. ونيتها المْقَعْمِزَة تعلمنا النباهة وربّ غدر علّم الحذر.