نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا؛ تحدثت فيه عن التغير المفاجئ الذي طرأ على
السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي، دونالد
ترامب.
وتقول الصحيفة إنه على الرغم من أن الرئيس الأمريكي بدا خلال حملته الانتخابية متطرفا نوعا ما، إلا أن الواقع السياسي دفعه إلى تعديل مواقفه.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب بدا خلال حملته الانتخابية شخصا مثيرا للجدل، يجمع بين التوجهات الانعزالية والخطاب الهجومي. ففي عدة مناسبات، وعد ترامب أنصاره بتصعيد الخطاب تجاه
الصين ومراجعة الاتفاقيات التجارية بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب النأي ببلاده عن التدخلات العسكرية. كما تعهد ترامب برفع الدعم عن حلف الناتو بعلة أنه لا حاجة لهذا الحلف البيروقراطي.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المواقف المتطرفة لاقت استحسان عدد من أنصار ترامب، الذي رأوا في خطابه عودة بأمريكا للريادة العالمية. ولئن بدت مواقف ترامب غير اعتيادية، إلا أن السياسة الخارجية الأمريكية تبدو إلى حد الآن تقليدية. فقد وجه المسؤولون الأمريكيون رسالة طمأنة لدول حلف الناتو؛ مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية متضامنة معهم. كما أعرب ترامب خلال لقائه بنظيره الصيني، شي جين بينغ، عن استعداد بلاده للتخلي عن سياسة استعراض القوة.
وأوضحت الصحيفة أن اللقاء الذي جمع بين الرئيسين الأمريكي والصيني كان بداية لنشأة علاقة صداقة بين البلدين. كما بدا الرئيس الأمريكي وديعا وغير عدواني. في المقابل، كان خطاب نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، خلال زيارته إلى كوريا الجنوبية دبلوماسيا، ولم يخل من توجيه التهديدات لكوريا الشمالية.
وتابعت الصحيفة أن ترامب أشاد في مناسبات عديدة بالحرب "البطولية" التي قال إن النظام السوري وحليفته
روسيا يشنانها ضد تنظيم الدولة. ولكنه إثر مجزرة خان شيخون، شن هجوما عسكريا على مطار الشعيرات لاقى استحسان غريمته خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، هيلاري كلينتون. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأسبوع الماضي أقوى قنبلة غير نووية في أفغانستان تعرف باسم "أم القنابل"، موجهة بذلك تحذيرا إلى كل خصومها.
وأفادت الصحيفة أن تغير المواقف المفاجئ أثر على الإدارة الأمريكية برمتها، حيث إن وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، علق على هجوم الشعيرات قائلا إن "هذا الهجوم يعكس سياسة أمريكية أكثر هجومية". ولكنه سرعان ما غير رأيه، ليؤكد أن "الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بمعاقبة كل شخص يرتكب جرائم حرب ضد الأبرياء".
وأشارت الصحيفة إلى أن عددا من المراقبين يرون أن تغير مواقف الرئيس الأمريكي يعزى إلى مجاراته للواقع السياسي، أسوة بأسلافه من الرؤساء السابقين. وعموما، تخلى ترامب عن خطاباته الرنانة بمجرد وصوله إلى السلطة؛ نظرا لأنه اكتشف أن الواقع السياسي معقد بشكل يفوق التوقعات. كما أن المعارضة الشديدة التي لقيها ترامب بشأن بعض القرارات التي اتخذها، على غرار منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، دفعته إلى تعديل مواقفه المتطرفة.
وأوردت الصحيفة أن التغييرات شملت أيضا دائرة مستشاري ترامب. فعلى سبيل الذكر، أطاح الضابط المحنك، هربرت مكماستر، بمستشار الأمن القومي السابق وصاحب نظرية المؤامرة، مايكل فلين. إلى جانب ذلك، أقيل كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، ستيف بانون، من مجلس الأمن القومي، علما أن بانون كان يعتبر المستشار الأكثر قربا من ترامب، والرجل الذي شجعه على اتباع الخطاب الانعزالي خلال حملته الانتخابية.
وأضافت الصحيفة أن مكماستر عرض على فيونا هيل، التي عرفت بنقدها اللاذع لبوتين، منصب مستشارة للشؤون الروسية والأوروبية في الإدارة الأمريكية. وفي هذا الصدد، أفاد الخبير في شؤون السياسة الخارجية لدى معهد بروكنغس بواشنطن، توماس رايت، أن "المستشارين الذين تم تغييرهم دفعوا ترامب إلى تغيير نهجه السياسي".
وذكرت الصحيفة أن العديد من الخبراء أفادوا أن الرئيس الأمريكي يبقى، رغم تغير نهجه السياسي، وفيا لتوجهاته القومية، وقادرا على تغيير مواقفه في أي وقت. وفي هذا الصدد، قال الخبير في الشؤون الخارجية قائلا: "على الرغم من أن ترامب يواجه صعوبات في تنفيذ مبادئه، إلا أن سياسته الخارجية تعكس بشكل واضح توجهاته".
وأوضحت الصحيفة أن ترامب لم يعترف إلى حد اليوم بالفصل الخامس من معاهدة حلف الشمال الأطلسي، الذي ينص على التعاون الأمني المشترك بين دول حلف الشمال الأطلسي في حال حدوث هجوم مسلح على إحدى الدول الأعضاء بالحلف.
ولئن بدا اللقاء الذي جمع تيلرسون بنظيره الروسي سيرجي لافرف، في موسكو، وديا، إلا أن الاختلافات بشأن الحرب السورية ما زالت قائمة.
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإن التغير المفاجئ الذي طال السياسة الخارجية الأمريكية لا يعكس وعي الرئيس الأمريكي بالواقع السياسي، بل يدل على أن هذا الرجل لا يستقر على رأي، حيث إنه قادر على تغيير مواقفه في وقت قصير. وبالتالي، إن دل ذلك على شيء، فإنه يدل على أن ترامب عاجز عن اتخاذ مواقف حاسمة.
وقالت الصحيفة الألمانية إن آخر شخص يجلس مع ترامب يؤثر في قراراته. وفي هذا الإطار، قال رايت: "على الرغم من أن بانون تأثيره فُقِد، إلا أنه لا زال يعد ضمن الدائرة الموسعة لدونالد ترامب".