نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا للمحلل الأمني في "سيف ديب غروب" نيل هوير، يتحدث فيه عن السلاح السري الذي يملكه الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين في
سوريا.
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن السلاح السري لبوتين، وهو الجنود
الشيشان من القوات الخاصة في الفيدرالية الروسية، الذين نشرهم معتمدا على كونهم الوجه السني الذي يعزز من خلاله تأثيره في البلاد، ويؤكد إقامته الدائمة، ويواجه من خلالهم التحديات غير المتوقعة، مثلما حصل عندما انتشرت شائعات حول إصابة رئيس النظام السوري بشار
الأسد بجلطة دماغية، وسرت أخبار عن قيام الإيرانيين بمحاولات لتعيين شقيقه ماهر الأسد خلفا له.
ويعلق الكاتب قائلا إن "
روسيا نشرت وبهدوء ألفا من القوات الخاصة المسلمة من المناطق الجنوبية في جنوب روسيا، بشكل تؤكد من خلاله زيادة حضورها على الأرض، رغم تأكيد الكرملين أن القوات الروسية غادرت سوريا بعد استعادة السيطرة على حلب الشرقية نهاية العام الماضي، وبخلاف ذلك، فإن الروس أعلنوا عن توسعات كبيرة لقواعدهم العسكرية في البلاد".
وتجد المجلة أن الأهم من هذا كله هو إرسال عدد كبير من القوات الخاصة شيشانية وأنغوشية من شمال القوقاز، مشيرة إلى أن وجود الروس اقتصر في الماضي على قوات مساعدة للطيران، ومستشارين لجيش النظام، وعدد من جنود القوات الخاصة والمدفعية في اللاذقية وحماة.
ويذهب التقرير إلى أنه "لهذا كله فإن نشر القوات من الشيشان وأنغوشيا يعد تحولا استراتيجيا للدور الروسي، حيث أصبحت لموسكو قواتها على الأرض، بشكل يعطيها القدرة على تشكيل الأحداث، وتأكيد حضور طويل لها، بالإضافة إلى الحد من أي تحرك يقوم به الأسد للتأثير في الدور الروسي ومصالحه في الشرق الأوسط".
ويقول هوير إن حجم القوات الجديدة، وطبيعة الدور الذي تقوم به، لا يزالان غير معروفين، مستدركا بأن تقارير قدرت عدد المقاتلين الشيشان بـ 500 مقاتل، أما المقاتلون الإنغوش فقالت إن عددهم لا يتجاوز الـ300 جندي.
وتبين المجلة أن "المهمة الرئيسة لهذه القوات هي القيام بمهام الشرطة العسكرية، إلا أن أفرادها تم اختيارهم من وحدات النخبة (سبتناز) في القوات الشيشانية المسلحة، وتم نشرهم للقيام بمهام غير المهام المساعدة الأخرى، أي حماية نقاط التفتيش، وحراسة القواعد العسكرية، وفي بعض الأحيان تنسيق الدفاع عن المعاقل المؤيدة للحكومة مع قوات النظام، كما حصل عندما هاجم المقاتلون حي العباسيين في دمشق".
وينقل التقرير عن المحلل السياسي في معهد العلاقات الدولية في براغ مارك غالوتي، قوله إن نشر هذه القوات هو اعتراف من موسكو، وإن بطريقة أخرى، بأنها دخلت المستنقع السوري.
ويشير الكاتب إلى أن الدور الذي يمزج بين المدني والعسكري لهذه القوات أعطى النظام الروسي الفرصة لاستخدامها في أكثر من نزاع، مثل مساعدة "المتطوعين" الانفصاليين الروس في أوكرانيا، حيث شاركت الوحدات الشيشانية في الحرب القصيرة في جورجيا عام 2008، واحتلت بلدة غوري.
وبحسب المجلة، فإن لدى بعض الجنود الشيشان الذين وصلوا إلى سوريا خبرة في أوكرانيا، خاصة القيادي الشيشاني أبتي بولتوخانوف، الذي قاتل مع القوات الموالية للروس في حرب دونباس الأوكرانية.
ويلفت التقرير إلى أن "القوات الشيشانية والإنغوشية تمنح الروس الفرصة لتعزيز مصالحهم الخارجية، دون تعريض جنودهم للخطر، حيث أن هناك حساسية أبداها المجتمع الروسي تجاه القتلى من الجنود في معارك خارجية، وحاولت الحكومة الروسية التعتيم على الموضوع، واعترفت موسكو بقتل 30 جنديا حتى الآن، رغم أن العدد أكبر، ولهذا فإن استخدام جنود غير روس في حروب الكرملين الجديدة قد يخفف من ردود الفعل السلبية على الخسائر البشرية".
ويقول هوير إن سقوط قتلى من الشيشان لن يثير قلق الروس، الذين ينظرون نظرة دونية لهم، بعد حربين مع موسكو في التسعينيات من القرن الماضي، حيث يقول محرر "كوكاشيان نوت" غريغوري شيفدوف، إن نشر الجنود من هذه المناطق نابع من حالة الاحتقار التي يولونها لها ولسكانها.
وتذكر المجلة أن بوتين يعتمد في نشر القوات الشيشانية على عامل تقبلها من السكان السوريين، وهو المشاركة في الدين، حيث أن معظم سكان شمال القوقاز من المسلمين السنة، لافتة إلى أن روسيا حاولت استخدام هذا العامل لصالحها منذ وصولها إلى سوريا عام 2016.
ويفيد التقرير بأنه تم تقديم دليل للقوات الشيشانية للتعامل مع السكان، مثل كلمة "مخابرات" لتعطي فكرة بأنها تقوم باعتقالات، وفي المجال العام ساهم مفتي الشيشان بتقديم القوات إلى المواطنين في حلب.
وينوه الكاتب إلى أنه "في الوقت الذي يعد فيه نشر الوحدات الشيشانية تطورا جديدا في التدخل الروسي في سوريا، إلا استخدامها للمسلمين من الأقاليم ذات الغالبية المسلمة ليس جديدا، حيث أدى زعيم الشيشان رمضان قديروف دور المحاور نيابة عن بوتين لدى الدول السنية في المنطقة، وجذب استثمارات خليجية للشيشان، وحاول قديروف تقديم العاصمة غروزني على أنها مركز للحوار الإسلامي الدولي، فاستضاف عددا من المؤتمرات التي كان الهدف منها نزع الشرعية عن السلفية، التي تتبعها الجماعات الجهادية في سوريا، وبدأ المسؤولون السوريون بالتعاون مع دول شمال القوقاز، حيث زار وفد من الحكومة السورية، يضم وزير الأوقاف، عاصمة داغستان في آذار/ مارس، وناقشوا معهم سبل مكافحة التشدد".
وتستدرك المجلة بأنه "رغم أن زيارة وفود سورية لدول أجنبية تعد غريبة، إلا أن زيارة العاصمة ماكشكلا تظهر عمق استخدام موسكو للمناطق السنية المسلمة وسيلة لخدمة مصالحها، وأعلن مدير جامعة دمشق في منتصف نيسان/ أبريل، عن أنه سيفتتح فرعا لجامعته في العاصمة غروزني، وتقوم موسكو بالبناء على العلاقات الدينية والثقافية؛ لجعل القوات الشيشانية المسلمة مقبولة لدى الرأي العام السوري".
ويكشف التقرير عن أن الوحدات الشيشانية أدت دورا في حماية وحدات حماية الشعب الكردية ضد الأتراك في مدينة منبج، شمال سوريا، بالإضافة إلى تأمين خروج المقاتلين من المناطق التي تم فيها الاتفاق على خروجهم منها.
ويرى هوير أن "الدور المتزايد لهذه الوحدات يظهر رغبة روسيا بأن يكون لها تأثير، خاصة في المناطق التي تواجه فيها توترا مع حلفاء النظام السوري، وهم الإيرانيون، فبعيدا عن التعاون الواضح بين حلفاء النظام، إلا أن موسكو اختلفت في عدد من المرات مع دمشق وطهران، وأوضح مثال على ذلك اتفاق وقف إطلاق النار الروسي التركي في كانون الأول/ ديسمبر 2016، الذي أغضب الإيرانيين الذين لم يستشاروا فيه، وحاولوا تعطيله من خلال المليشيات العراقية، وليس غريبا أن تصل الوحدات الشيشانية في الأسبوع الأول من بداية هذه الأحداث".
وتتحدث المجلة عن قدرة النظام الروسي على الاستجابة لحوادث غير متوقعة، خاصة الشائعات عن مرض الأسد ونقله إلى بيروت، فبدلا من تجاهل الحكومة السورية الخبر فإنها نفته، ما زاد من التكهنات.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن الروس اعتمدوا في الماضي على قوات خاصة في سوريا ومنذ عام 2013، حيث لم تنجح التجربة، ثم عادوا وأرسلوها باسم جديد عام 2015، ضمن التدخل الروسي تحت اسم "واغنر".